التعاون الروسي الصيني المتصاعد 3| الطريق الوعرة
سيلفانا ماله سيلفانا ماله

التعاون الروسي الصيني المتصاعد 3| الطريق الوعرة

قبل الابتعاد عن الغرب، حاولت السلطات الروسية أن تحشد دعم أوروبا لمقترحها للتعاون الاقتصادي من لشبونة إلى فلاديفوستوك، بحيث تكون روسيا جسره. تمّ تطوير هذا الفكرة التي عرضها بوتين كرئيس للوزراء في ألمانيا عام 2010، من خلال بوتين كرئيس أثناء اجتماع «منصة تعاون آسيا-المحيط الهادئ APEC» في فلاديفوستوك في أيلول 2012، لوضعها ضمن صورة «الاتحاد التجاري الأوراسي» الذي ربط روسيا ببيلاروسيا وكازخستان. لقد دعا بوتين مرة أخرى إلى منطقة تجارة حرّة (FTA) بين الاتحاد الأوربي والاتحاد التجاري الأوراسي.

تعريب: عروة درويش

وكانت علاقات روسيا بالغرب قد ساءت بالفعل في تلك المرحلة. لم يحضر الرئيس أوباما اجتماع «APEC»، وفضلت وسائل الإعلام الغربية أن تركز على التكاليف التي دفعتها روسيا للإعداد للاجتماع. أظهرت الدوائر الغربية مقتها لمشاريع روسيا الاقتصادية في أوراسيا، واتهمت هيلاري كلينتون روسيا بعد الاجتماع بتعزيز «التحرّك لإعادة سفييتة المنطقة». ولم تُخفِ روسيا بدورها استياءها الشديد من التدخل الغربي في سوريا.

منح اجتماع «APEC» بوتين الفرصة للقاء معظم قادة آسيا، ومن بينهم الرئيس الصيني في حينه هو جينتاو، والتركيز على إمكانات منطقة آسيا-الهادئ الكبيرة، ومقارنة ديناميكيتها مع الحالة الاقتصادية القاتمة لدول الاتحاد الأوربي وبلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. ومع ملاحظة أن التجارة العالمية انخفضت بمقدار 12% في 2009، شدد بوتين على أنّ بلدان آسيا-الهادئ تسهم في 55% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، و45% من الاستثمارات الأجنبية المباشرة التراكمية في العالم، وعلى أنّ اللحاق بركب الاقتصادات المتقدمة كان سريعاً جداً خلال العشرين عاماً الماضية. وقد فُتح الأمل مع الإشارات الودية التي أعلنتها نيوزلندا وفيتنام بأنّ البلدان الآسيوية قد تكون مهتمة بالانضمام إلى المناطق التجارية الحرة مع روسيا. انضمت فيتنام بالطبع إلى المناطق الحرة مع اتحاد أوراسيا الاقتصادي، وصدقت روسيا الدخول بعد كازخستان في بداية أيار 2016. لكنّ نيوزلندا تراجعت واختارت عضوية اتفاقية التجارة الحرة العابرة للمحيط الهادئ التي تقودها الولايات المتحدة.

بدأت التأثيرات السياسية للتكامل الاقتصادي تبدو واضحة وجلية، رغم أنّ الاتفاقيات متعلقة بالتشريعات الاقتصادية. فقد تمّ تصميم اتفاقية التجارة الحرة في المحيط الهادئ التي تقودها الولايات المتحدة كي تستبعد الصين من مفاوضاتها، وتمّ تعزيز شبكة المناطق الحرة العابرة للأطلسي، وهي التي لا تزال معلقة حتّى تاريخه، من قبل الولايات المتحدة من أجل استبعاد روسيا منها عمداً. كانت الآثار العكسية للشراكات الاقتصادية الحصرية واضحة، وربما هي من ساعد روسيا على تشكيل سياستها الخارجية بالشكل الملائم. يمكن للمرء أن يفترض في هذه المرحلة بأنّ النهج المتبع مع روسيا والصين قد دفع بكلا الدولتين للتأقلم مع الوقائع الجديدة في بحثهما عن شراكات بديلة ومحاولة تخطي الاختلافات الاقتصادية-الجغرافية والسياسية في مناطق المصالح المشتركة بينهما.

وتبدو الجهود التي يتوجب على روسيا بذلها لتخطي العقبات أمام العلاقات التجارية مع جارتها القوية، أكثر صعوبة من الجهود المماثلة التي يجب على الصين بذلها. فمن الواضح أنّ التعاون الاقتصادي الروسي-الصيني سيكون نمطياً من حيث التجارة التي تقودها المزايا المقارنة التي لدى الروس في مجالات الموارد الطبيعية من جهة ولدى الصين من حيث الصناعة من جهة أخرى. لكن رغم ذلك، تخلفت التجارة عمّا يمكن تصوره نظرياً بين اقتصادين كبيرين سريعي النمو.

زاد حجم التجارة بين البلدين ولكن ببطء حتّى عام 2008 عندما كان النمو في كلا البلدين قوياً، وتمّ الالتفات إليه بشكل أكبر بعد الأزمة منذ عام 2009 فصاعداً، لكنّه لا يزال ضعيفاً بالمقارنة مع التجارة مع الاتحاد الأوربي. بلغ حجم التجارة الثنائية بين البلدين، والذي بلغ 15.8 مليار دولار في عام 2003، قرابة 95.3 مليار دولار في عام 2014 مغذياً آمال روسيا بإمكانية وصوله عمّا قريب إلى 100 مليار. وفي حين أنّ الصين قد أصبحت في ذلك الوقت هي الشريك التجاري الأول لروسيا، فقد وصل حجم التجارة الصينية مع دول الاتحاد الأوربي الثرية إلى أكثر من 500 مليار دولار بحلول 2014، ليشير إلى مدى الفرق في سعة السوق بين روسيا والاتحاد الأوربي. كما أنّ الاتحاد الأوربي (بدوله الـ 28) كان يأخذ في 2014 ما نسبته 45.8% من الصادرات الروسية الكلية، ويورد إليه ما نسبته 42.6% من كلي وارداته. بينما تبلغ واردات الصين من روسيا، وذلك رغم أنّها الشريك التجاري الأول لها، نسبة 6.8% من الصادرات الروسية الكلية، وتصدر الصين ما نسبته 16.9% من كلي الواردات الروسية.

ورغم الظروف المشجعة بعد عام 2009، فقد عانى حجم التجارة بين البلدين بشكل حاد من تباطء اقتصادي عقب عام 2014. فقد تهاوت التجارة بين الصين وروسيا بنسبة 27.8% أي إلى 64.2 مليار دولار في عام 2015. وانخفضت القيمة الكلية للصادرات الروسية إلى الصين عام 2005 بنسبة 19.1% أي إلى 31.4 مليار دولار. ولم يكن الانخفاض في التجارة الخارجية الروسيّة مع الصين وحسب بل بشكل عام، وذلك بسبب مزيج من تهاوي الطلب وأسعار الهيدروكربون. ومع ذلك فإن تمكنت روسيا من توجيه اقتصادها شرقاً بشكل فعال وتحسين دخولها للسوق الصينية، فبالإمكان كبح الانخفاض النسبي في التجارة. لكنّ التراجع كان سيئاً في كشفه للمشاكل الأساسية الكامنة.

فروسيا تفتقد للبنى التحتية الضرورية للنقل ولقدرة الإنتاج الفاعل في أقصى شرقها. كان هذا واضحاً في المرسوم الرئاسي في أيار 2012 الذي سرّع عملية تنمية أقصى الشرق. لكن ليس من الواضح إن كانت السلطات تقدّر تماماً حجم العمل وحجم الاستثمار المطلوبين والضروريين فقط من أجل إقلاع خفيف للمناطق التي عانت من التخلف والتنظيم الحكومي الضعيف ونقص العمالة الماهرة لفترات طويلة.

ويجب علينا كذلك أن نأخذ بالاعتبار عند محاولة تقييم الإمكانات الفعلية لتطبيق الاستراتيجية الروسية الشرقية، الآثار المترتبة على التباطؤ الاقتصادي في جميع أنحاء العالم ومعه العقوبات الاقتصادية والمالية المفروضة على روسيا.

تابعت التجارة الخارجية الكلية لروسيا انخفاضها بين كانون الثاني 2015 وتشرين الثاني 2016 بشكل سنوي رغم الوتيرة البطيئة لهذا الانخفاض مقارنة بالفترة السابقة، بحيث انخفضت من480.545 مليون دولار إلى 417.984 مليون دولار وذلك بنسبة 87% مقابل 66.4% على التوالي. لكن عند مقارنة التجارة الخارجية مع الاتحاد الأوربي بالتجارة الخارجية مع الصين ضمن إطار سنوي، يمكننا أن نجد بأنّ التجارة مع الاتحاد الأوربي استمرت بالمعاناة بينما تحسنت مع الصين في ذات الفترة. فخلال تلك الفترة، انخفضت الأرقام التجارية الإجمالية مع الاتحاد الأوربي من 217.225 مليون دولار إلى 179.940 مليون دولار (من 45.2% إلى 43% من كلي التجارة)، بينما زادت مع الصين من 57.787 مليون دولار إلى 58.745 مليون دولار، أي بزيادة من 12% إلى 14.1% من كلي التجارة. وفي حين أنّه لا يمكن الوصول إلى استنتاجات نهائية ضمن مثل هذا الإطار الزمني القصير، يبدو بأنّ الخبراء الاقتصاديين يثمنون الاتجاهات الإيجابية المعتدلة التي تتطلع قدماً إلى نواحي تعاون اقتصادي أفضل منها في الماضي.

وفي حين أنّ الافتراض الذي ساد الصين في 2015 أنّ روسيا قد سقطت في «أزمة منهجية» وأنّ عودتها عن التصنيع قد تركت آثارها على الاقتصاد، فقد أكد الاقتصاديون الموثوقون في الصين في عام 2016 أنّ روسيا قد تخطت أسوأ ما قد يحصل لها وأنّه «بالإمكان تبادل الأعمال مع بعض الشركات الروسية براحة بال». ويجب أن نلاحظ بأنّ روسيا هي الدولة الوحيدة في العالم القادرة على العيش من مواردها الخاصة، وهذا ما دعا الصين لإدراك أنّ دعوات بوتين لسيادة روسيا على اقتصادها هو هدف وطني قابل للتحقيق في مقابل العقوبات الغربية منذ أوائل 2014.

قد تأخذ مسألة تحول الصين وروسيا إلى شريكين تجاريين قويين فترة طويلة نسبياً إذا ما حكمنا عليها ضمن الأوضاع الراهنة. فالشريك التجاري الأكبر للصين حتّى اليوم هي الولايات المتحدة من حيث الصادرات وكوريا الجنوبية من حيث الواردات. وتقودنا التقديرات المقارنة (وذلك قبل انهيار أسعار النفط) إلى أنّ روسيا تحتل المركز العاشر في الشراكة التجارية مع الصين بقيمة إجمالية 89.21 مليار دولار فهي أقل من البرازيل البالغة قيمة تجارتها 90.27 مليار وفقاً لتقديرات عام 2013. ووفقاً لتقديرات عام 2014 المنشورة عام 2015 في دليل المخابرات المركزية الأمريكية العالمي، فإنّ أول خمس شركاء للصين من ناحية الصادرات هم الولايات المتحدة بـ16.9% وتتلوها هونغ كونغ بـ15.5% واليابان بـ6.4% وكوريا الجنوبية بـ4.3%. ومن ناحية الواردات تأتي كوريا الجنوبية في المركز الأول بـ9.7% وتتلوها اليابان بـ8.3% ثمّ الولايات المتحدة بـ8.1% ثمّ تايوان بـ7.8% فألمانيا بـ5.4% فأستراليا بـ5%.

تنويه: إن الآراء الواردة في قسم «تقارير وآراء»- بما قد تحمله من أفكار ومصطلحات- لا تعبِّر دائماً عن السياسة التحريرية لصحيفة «قاسيون» وموقعها الإلكتروني