التعاون الروسي الصيني المتصاعد2 |  نقطة التحوّل
سيلفانا ماله سيلفانا ماله

التعاون الروسي الصيني المتصاعد2 | نقطة التحوّل

في الوقت الذي بدأت فيه الصين في الثمانينيات بتحويل اقتصادها إلى «اقتصاد السوق الاشتراكي» مع قرار دينغ شياو بينغ، فقد تجاهلت روسيا، أثناء وبعد بيروسترويكا غورباتشوف، التغييرات الهائلة في جارتها الشرقية.

تعريب: عروة درويش

ففي الصين الزراعية، تميزت عملية التحول في بدايتها بسمات صينية: فمن ناحية تمّت لبرلة الزراعة والبستنة والمهن الريفية، ومن ناحية أخرى تمّ تقييد الانفتاح على الاستثمار الأجنبي. بقيت الصناعات الكبيرة والمصارف تحت سيطرة الدولة. قادت هذه التغييرات، جنباً إلى جنب مع عمليات لبرلة اقتصادية أخرى، الصين خلال بضعة عقود إلى حالة اقتصاد العالم الأكثر ديناميكية واللاعب الاستراتيجي الأكبر في عملية العولمة، فقد تمكنت البلاد من استغلال الأمر لصالحها.

كان التحول إلى السوق في روسيا الصناعية مؤلماً وحمل معه تغييراً أعمق في النظام. ففي حين أنّ الصناعة على النمط السوفييتي كانت أبطأ في تكيفها مع السوق وعبء الديون الموروث عن سياسة الحكومة المقيدة في الماضي، فقد تقوّى الاقتصاد المعتمد على المصادر الطبيعية. وتعزز الانتعاش بعد الأزمة المالية عام 1998 جرّاء ارتفاع أسعار السلع والمواد الهيدروكربونية وزيادة الطلب من أوروبا ذات النمو السريع. زاد الاعتماد الاقتصادي الأوروبي على روسيا بشكل عفوي، وساعد على ذلك قرب أوروبا من المناطق الروسية الأكثر تطوراً نسبياً ووجود البنى التحتية المهيأة للنقل.

وتساعدنا مسارات التحول المختلفة والفرص السوقية على شرح سبب بقاء التجارة مع الصين ضعيفة لفترة طويلة رغم النموّ الهائل التي شهدته الصين بعد انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية عام 2001، وكذلك النمو القوي في روسيا. تغيّر اهتمام روسيا بالصين بعد الانهيار الاقتصادي الذي سببته أزمة 2008 والانهيار المتتالي لأسعار السلع والطاقة. وقد أصبحت الصين منذ عام 2008 هي الشريك التجاري الأول لروسيا، مستبدلة بذلك ألمانيا. زاد التعافي البطيء وغير المستقر بعد الأزمة من إدراك صانعي السياسات لمدى الهشاشة الاقتصادية.

كان تأثير أزمة 2008-2009 على روسيا مثل تأثير حمام بارد في العراء المتجمد. فلم يقتصر الأمر على مجرّد مقاطعة النمو السنوي البالغ 7% والذي استمرّ من عام 2000 إلى منتصف عام 2008 والذي عُلقت عليه آمال مضاعفة الاقتصاد خلال عشرة أعوام، بل ما ثبت في التطورات اللاحقة من صعوبة استعادة النمو ما لم يتم إحداث تغييرات جذرية قادرة على تحسين وتنويع الهيكل الاقتصادي. فمع إعادة النظر في سياساتها الكبرى التي أجبرتها عليها الأحداث والخيارات المتناقضة فيما يتعلق بالأولويات، اكتسب التحول الروسي إلى الشرق زخماً هائلاً. فالمراسيم التي أصدرها الرئيس الروسي في 7 أيار 2012 هي دلالة واضحة على البدء بنهج جديد للتطوير والتنمية، حيث تمّ التركيز ضمن هذا النهج على الصين بوصفها شريكاً متميزاً في التجارة والاستثمار.

 

  • الابتعاد عن الغرب:

هناك اعتباران جوهريان وراء التحوّل في السياسات الروسية، وكلاهما مرتبط بالانفتاح الكبير لروسيا على الغرب. ونحن هنا لن نناقش تفاصيلهما، ولكنّهما يستحقان أن نعرضهما بوصفهما علامة على بزوغ نظام اقتصادي جديد وعلاقات سياسية لا تزال تتشكل باستمرار.

الأول: أدرك صانعو السياسات للمرة الأولى بأنّ الاعتماد الروسي الشديد على اقتصادات جيرانهم الغربيين، وخاصة الاتحاد الأوربي، قد يضرّ بالتنمية الاقتصادية بشكل خطير إذا ما انعكست الاتجاهات السائدة. فقد تعرضت روسيا لاضطرابات اقتصادية أخرى في وقت سابق، وتحديداً في الأزمة المالية عام 1998، لكنّها أرجعت حصولها لسياساتها وإخفاقاتها الذاتية. لكن في عام 2008 كانت الأزمة المالية عالمية، والذي تسبب بالأزمة الاقتصادية التي ضربت روسيا هو سقوط التجارة الخارجية وانفتاح المصارف والشركات الروسية الكبرى على القروض الأجنبية التي سهلها عدم وجود سيطرة على حركة رأس المال (وهو الأمر الذي لم تتخلى الصين عن السيطرة عليه). تحول الانفتاح الاقتصادي المفيد للنمو من 1999 وصاعداً إلى كابوس أظهر مدى هشاشة كامل البنية الاقتصادية.

الثاني: كانت القيادة على علم، من خلال الأحداث المترابطة التي ظهرت على المشهد العالمي، بأنّه رغم ضمّ البلاد إلى الأندية الدولية الرئيسة (مثل الثمانية الكبار ومنظمة التجارة العالمية)، فلا يزال الغرب يعامل روسيا على أنّها دخيل، أو مجرّد ضيف على طاولة القوى العالمية الكبرى. فقد ساد الاعتقاد بأنّ روسيا لا ضمانات كافية لديها بأن لا تجري عمليات ارتداد عن المراحل التي وصلت إليها والتي كانت ضدّ مصلحتها.

ازداد عدد النزاعات الإقليمية التي بدأت أو تتابعت دون أخذ اعتبار لموقف أو مخاوف روسيا منها منذ أواخر التسعينيات وصاعداً. لقد انتقلت الحروب التي أشعلها الناتو أو ساعد بها من يوغسلافيا السابقة في 1999 إلى العراق في 2003 إلى ليبيا وسوريا في 2011. وفي كلّ واحدة من تلك الحالات تمّت شرعنة القيام بالعمل العسكري بشكل انتقائي بناء على حالات تمرد ضد القوى الموجودة، مدعين أنّ وحشية النظام والاشتباكات المدنية تهدد بالتحول لحرب أهلية. وبغض النظر عن الخصوصيات الأساسية للاضطرابات أو التشظيات الاجتماعية في كل بلد، فقد استغلّ مؤيدو الغرب هذه المشاكل بوصفها مطالبات بالديمقراطية.

لقد أظهر الزمن بأنّ الغارات الأجنبية ضدّ سلطة الدولة ليست وحدها التي كانت محكومة بالفشل، وهو ما يؤكد وجهة نظر روسيا، بل أيضاً أنّ الأدلّة التي استخدمت لتبرير التدخلات كانت بلا أساس حقيقي، كما هو الأمر في أسلحة الدمار الشامل لدى العراق، أو الأمور التافهة الأخرى التي كان يمكن التعامل معها بممارسة بعض الضغوط بشكل أجدى من إثارة حرب.

تنويه: إن الآراء الواردة في قسم «تقارير وآراء»- بما قد تحمله من أفكار ومصطلحات- لا تعبِّر دائماً عن السياسة التحريرية لصحيفة «قاسيون» وموقعها الإلكتروني