مؤشر لجوهر الصراع والحل
الأسير أحمد سعدات الأسير أحمد سعدات

مؤشر لجوهر الصراع والحل

مقالة للأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الرفيق أحمد سعدات، بعنوان " يوم الأرض الخالد مؤشر لجوهر الصراع والحل" خصها للرفاق في الاتحاد العام التونسي للشغل، ونشرت بتاريخ 28/3/2018 في الجريدة المدنية الناطقة باسم الاتحاد.

لم يكن يوم الأرض في الثلاثين من آذار عام 1976 حدثاً عابراً أو عادياً في تاريخ ثورتنا الفلسطينية، أو مجرد حلقة نوعية من سلسلة حلقات الدفاع عن الأرض المتواصلة منذ أكثر من قرن على بداية الغزو الاستيطاني الاستعماري لفلسطين؛ فالتفاعل المتسلسل لهذه الهبة التي عمت كل مناطق فلسطين التاريخي وتفاعل معها فلسطيني المهجر في كل أماكن تواجدهم أعاد التأكيد على جوهر الصراع بين مشروعين المشروع القومي الفلسطيني التحرري والمشروع الامبريالي الصهيوني العنصري.

بمعنى آخر فقد شكّلت الأرض منذ بداية الغزو الصهيوني لفلسطين جوهر الصراع بين مشروعين شأن أي صراع بين السكان الأصليين وأشكال الاستعمار الاستيطاني العنصري الذي شهدها تاريخ البشرية حتى يومنا هذا.

وكما هو معروف فإن الاستعمار الاستيطاني اختلف من حيث الجوهر عن أشكال الاستعمار الاستغلالي الذي استهدف نهب الأرض واستغلال السكان والأرض، أما الاستعمار الاستيطاني فقد استهدف الاستيلاء على الأرض وطرد السكان الأصليين من خلال الإبادة الجسدية كأساس كما حدث في أمريكا الشمالية وأستراليا أو محاولة الإبادة الثقافية والعزل والاقصاء والتهميش كما حصل في جنوب أفريقيا وزيمبابوي ومناطق أخرى في أفريقيا؛ فشعار الحركة الصهيونية الذي ردده العديد من مؤسسيها " فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض" يترجم هذه الحقيقة، كما أن السياسات التي لا زالت تمارس ضد شعبنا تعيد التأكيد عليها وتطرح العديد من الأسئلة على مشاريع " السلام" التي استهدفت حل الصراع القائم في فلسطين أو احتوائه.

دلالات يوم الأرض الخالد أبلغ وأعمق من اعتبارها مجرد امتداد لنضال شعبنا الوطني وتجاوزاته؛ فالحديث لا يدور عن الجزء المحتل من فلسطين عام 1967 بل عن قلب الكيان الصهيوني هذا الجزء الذي روجت فيه أدوات الكيان الصهيوني عن تعايش السكان الأصليين مع المشروع الاستيطاني بعد منحهم المواطنة في الدولة الصهيونية العتيدة ووصفهم بعرب "إسرائيل"، الذين يتمتعون بحقوق متساوية مع جميع سكان الكيان الصهيوني، حيث ينخرط العديد من زعمائهم وأقربائهم في الأحزاب الصهيونية ولهم ممثلون في الكنيست الصهيوني، ويمارسون حق الترشح والانتخاب...الخ. وأول من صعق وأصابته الصدمة واضطر لمراجعة سياساته تجاه السكان العرب أصحاب الأرض الأصليين هو الكيان الصهيوني؛ فاحتلاله لما تبقى من أرض فلسطين التاريخية مكنّه من تبهيت القلق الأمني الذي كان يسكن المستوطنين الصهاينة؛ فالدولة الصهيونية بدت في أعين سكانها القوة التي لا تقهر والمؤهلة لحفظ أمنهم واستقرارهم والتمتع بما سلبوه من سكانه الأصليين، كما استطاعت جزئياً من تحريك أوضاع اليهود الشرقيين الذين كانوا يعانون من التمييز العنصري ويعيشون من تناقض ثنائية الهوية والانتماء القومي، فقد أوجد فتح الأراضي الجديدة العديد من الوظائف في مؤسسات الاحتلال التي أقيمت فيها وأبقت قدراً من الاستقرار الاقتصادي والطمأنينة النسبية، لكنها في الوقت نفسه فاقمت من أزمتها الداخلية بعجزها عن احتواء أو أسرلة أو إعادة صياغة أو صهر السكان الأصليين أصحاب الأرض؛ فالاحتلال الجديد أعاد توحيدهم فيزيائياً مع أبناء شعبهم وأمتهم وأعاد صياغة معادلة وحدة الأرض والشعب والهوية والمصير جغرافياً وديمغرافياً مواكباً لنهوض حركة المقاومة الفلسطينية الممثلة بمنظمة التحرير الفلسطينية، وأدى إلى تجاوز شعارات نضالهم المطلبية من أجل المساواة وعودة المهجرين ووقف تهويد الأرض والاعتراف بالقوى والبلدات غير المعترف بها، أو الحقوق المدنية، فقد مثلت هذه المطالب السقف الأعلى في برنامج اليسار الراديكالي الذي مثله الحزب الشيوعي؛ فالشعارات التي رفعها المنتفضون تجاوزت هذه المطالب وأكدت على حقوقهم القومية في إطار الحقوق القومية لشعبهم والتي تلخص مضمون برنامج منظمة التحرير الفلسطينية ممثلهم الشرعي والوحيد، الأمر الذي وجد تعبيراته بنشوء العديد من الحركات القومية التي أعلنت جهاراً بأن نضالها جزء من النضال الوطني الفلسطيني بدايةً بحركة أبناء البلد مروراً بالحركة التقدمية والعديد من الأحزاب والمنظمات والتجمعات العربية التي مثلت التيارات الإسلامي في فلسطين، وصولاً إلى تشكيل التجمع الوطني الديمقراطي الذي حاول تجاوز قصور الرؤية السياسية التي ميزت برنامج القائمة الشيوعية الجديدة وإطارها الجبهوي الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة بحكم نشأة هذا الحزب التاريخي في إطار الحزب الشيوعي الاسرائيلي، أو التزامه برؤية الاتحاد السوفيتي لطبيعة الصراع العربي الفلسطيني الصهيوني والاعتراف ب"إسرائيل"، وفي نفس الوقت دعم حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره في إطار الاستقلال الوطني في دولة فلسطينية على حدود العام 1967، أو قضايا التحرر القومي العربي الأخرى.

لكن هذا الحزب لم يستطيع الخروج برؤية من حيث الجوهر؛ فشعار تحويل " إسرائيل إلى دولة ديمقراطية لكل مواطنيها ظل غامضاً ولم يتجاوز شعار المساواة في الحقوق المدنية، كما أنشأ شعبنا أداته النضالية الُمعّبر عنها بلجنة المتابعة العربية التي عملت في إطار تكوينها على المطالبة بالحقوق الجمعية القومية لشعبنا وباتت تمثل بهذا القدر أو ذاك برلماناً فلسطينياً يعكس المطالب القومية لشعبنا.

وقد شكّل يوم الأرض وعنوان " نحن هنا" رسالة مزدوجة موجهة إلى كل الدولة الصهيونية ومنظمة التحرير، الأولى تعلن دون مواربة أن شعبنا هم أصحاب الأرض الأصليين وأن أية حلول أو سياسات تتجاوز هذه الحقيقة وأي محاولة للتعامل معها كمواطنين من الدرجة الثالثة أو الرابعة في دولة " اثتوقراطية" كما وصف " أورن يفتاحئيل" الدولة الصهيونية في كتابه " الاثنوقراطية" سياسات الأرض والهوية في فلسطين" إسرائيل".

هذه السياسات أخفقت وعجزت عن صهر الوعي الفلسطيني وتبديد هويتهم القومية أو تحويلهم إلى طوائف لأنها تقفز عن جذور الصراع في فلسطين، والثانية إلى قيادة منظمة التحرير عنوانها نحن عرب فلسطين جزء طبيعي من الشعب العربي الفلسطيني والحركة الوطنية يجمعنا وحدة الأرض والهوية والمصير.

وفيما استوعبت الدولة الصهيونية مضمون هذه الرسالة التي تخصها فإن منظمة التحرير الفلسطينية لم ترى في هذه الهبة سوى مصدر قوة لها داخل الكيان الصهيوني، لا يختلف من حيث الوظيفة عن دور القوى الديمقراطية اليهودية لدعم البرنامج المرحلي لبناء الدولة الفلسطينية. هذا البرنامج الذي تآكل في محطات التفاوض إلى المستوى الذي وصله اليوم، فقد أدركت القيادة الصهيونية وهم استئصال أو إقصاء أو تبديد ما تبقى من سكان فلسطين الذين صمدوا وثبتوا جذورهم في أرضهم وشأنهم شأن أي مشروع استعماري استيطاني لم تجد فيه في جعبتها سواء إجراءات القمع وتنويع أشكال العزل والاستيطان، فهي لم ترى فيها منذ البدء سوى قنبلة ديمغرافية تنمو ككرة الثلج المتدحرجة مع مرور السنين وتهدد بانفجارها الوجود الصهيوني برمته، وتقوض من حيث الجوهر سعي المشروع الصهيوني لبناء دولة يهودية ديمقراطية نقية كهدف أسمى للبرنامج الصهيوني، فقد أصبح عددهم اليوم يناهز المليونين الأمر الذي يفقد مقولة الدولة اليهودية منطقها وواقعيتها فمن خلال هذا الوجود قصراً فإن حقيقة أن المجتمع الناشئ بفعل الاستعمار الاستيطاني ليس أكثر من مركب غير متجانس متعدد الهويات عجزت ماكنات العصر والطحن وأدوات إعادة البناء عن تشكيله ووضعه في الاتجاه الذي يقود لإنتاج ما سُمي بالأمة اليهودية، وإذا تجاوزنا عدم واقعية وصوابية الأمة اليهودية قيد التكوين والتي ليس لها أي سند تاريخي أو جذر واقعي يوتدها ويكسبها منطقها الطبيعي فإن الكيان الصهيوني لا يعكس في أحسن الأحوال أكثر من كيان مزدوج القومية، علماً أن كل الجهود لصهر اليهود العرب الشرقيين في بوتقة ما سُمي بالأمة اليهودية لم تكلل بالنجاح حتى اليوم؛ فالتناقض الأبرز لازال يعكس الانقسام العمودي بين اليهود العرب الشرقيين "المزراحيم" ويهود أوروبا "الاشكناز"، ويشهد الواقع اليوم صحوة بين النخب الثقافية لليهود الشرقيين إلى العودة للذات خاصة الفئات المناهضة للصهيونية، وهذا مؤشر على احتمالية توسع هذا الصدع، لكن التناقض الأهم والأكثر خطورة على الكيان الصهيوني هو التناقض مع العرب، حيث لم يبقَ في جعبة هذا الكيان سوى الإبادة أو الطرد، وهذه الخيارات من غير الممكن اللجوء إليها أو استخدامها أو تبريرها للمجتمع الدولي، وبالتالي لابد من تشديد العقوبات بحقهم ضمن الإطار الممكن.

وفي هذا السياق جاءت ما سُميت بوثيقة " كينت" التي قدمها " يسرائيل كنيت" على الحكومة الصهيونية لإقرارها وتضمنت سلسلة من إجراءات توسيع نطاق مصادرة الأراضي والتضييق على فرص العمل وتقليص الخدمات المقدمة للمجالس المحلية وتصاريح البناء والقبول في الجامعات والتوظيف في المؤسسات الحكومية وتحريم تعدد الزوجات للحد من النمو السكاني، وتشديد إجراءات القمع للاحتجاجات، وصولاً لإطلاق النار والقتل والاعتقال بما في ذلك الاعتقال الإداري والاقامات الجبرية والمنع من السفر، وكل إجراءات القمع والتي تستهدف التضييق على العرب ودفعهم للهجرة ومغادرة البلد.

وقد أضيف لهذه الإجراءات منع شمل الأزواج إذا ما كان أحد الزوجين من سكان المناطق المحتلة أو عرب من الخارج في إطار تعديل قانون المواطنة الذي يستثني اليهود، حيث تكفل حقوقهم من خلال قانون العودة الصهيوني.

ومع عنف هذه الإجراءات واتساعها لم تستطع وقف تنامي النضال القومي لجماهير شعبنا في هذا الجزء من فلسطين، لأنه يستمد منطقه من التناقض الموضوعي الذي يشكّل الأساس الذي يحكم معادلة الصراع بين المشروعين العربي الفلسطيني التحرري والمشروع الصهيوني الاستعماري الاستيطاني العنصري.

وفي هذا الجانب الفلسطيني فقد سبق هبة يوم الأرض عدد من التحوّلات النوعية التي أثرت على المسار اللاحق للثورة الفلسطينية، أهمها التحولات الطبقية البنيوية داخل النظام المصري بعد وفاة عبد الناصر والدخول في حقبة أنور السادات والتي انتقلت فيها مصر من المعسكر الثوري الذي كانت تقوده إلى المعسكر الرجعي الذي هيمن فيه جناح اليمين في السلطة على هرم السلطة، وقد ساعد في هذا التحّول أموال البترودولار الخليجي بوجه عام وتصفية الاتجاه القومي داخل الاتحاد الاشتراكي العربي.

وقد أدى هذا التحّول إلى تصفية كل إنجازات الثورة الاجتماعية، وتبني نظام السادات لسياسة الانفتاح الاقتصادي وما سُمي " بالاقتصاد الحر" وتوج هذا المسار بتوقيع النظام المصري اتفاقية "كامب ديفيد" وخروجه من معادلة الصراع العربي الصهيوني وخضوعه للهيمنة الأمريكية. في نفس الوقت فإن هيمنة القيادة البرجوازية البيروقراطية لتحالف منظمة التحرير ذو النزعة القطرية ومن خلال الدعم السعودي الخليجي الذي وفر له الهيمنة على القرار الوطني الفلسطيني كل ذلك أسس لتماهي هذه القيادة مع ميل النظام الرسمي العربي إلى استكمال خروجه من دائرة الصراع العربي مع الكيان الصهيوني الذي بدأ بهزيمته في حرب حزيران عام 1967 والقبول بالقرار الأممي لمجلس الامن 242 كسقف لحل الصراع مع الكيان الصهيوني، وتنامى هذا الميل لدى القيادة المتنفذة في المنظمة وتقاطعه مع تحلل الأنظمة العربية من واجباتها القومية اتجاه القضية الفلسطينية وسعت للبحث عن موطئ قدم في التسوية المحتملة التي روجت لها الأنظمة العربية في أعقاب حرب أكتوبر التحريكية وأسس لتبني (م.ت.ف) لما سُمي بالشعار المرحلي المعبر عنه بالعودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على التراب الوطني الفلسطيني وعاصمتها القدس.

وقد مكّن هذا الشعار المنظمة من انتزاع الاعتراف بها كممثل شرعي ووحيد لشعبنا في كافة أماكن تواجده، وحسم الصراع عربياً مع الأردن على التمثيل لصالح المنظمة وفيما بعد على الصعيد الأممي باعتراف الجمعية العامة للأمم المتحدة بالمنظمة ممثلاً وحيداً لشعبنا ومنحها صفة مراقب في الجمعية العامة، وصدور القرار 3236 والذي اعترف بحق شعبنا في تقرير مصيره، وفيما بعد القرار الأممي في الجمعية العامة باعتبار الصهيونية حركة رجعية صهيونية ووسع دائرة التأييد الدولي لنضال شعبنا وأسس لانحسار دائرة تأثير الكيان الصهيوني عالمياً.

هذه النجاحات التي راكمت لتحّول حركة المقاومة الفلسطينية إلى ثورة شعبية عبرّت عنها الهبات المتلاحقة داخل فلسطين المحتلة وفي إطارها هبة يوم الأرض وأسست لانتقال مركز ثقل النضال الفلسطيني إلى الداخل، بعد انفجار الانتفاضة الكبرى عام 1987، لكن التعاطي البراغماتي الفهلوي للقيادة الفلسطينية مع هذا الشعار ونزعتها لوضع أرجلها في مسار التسوية السياسية التي عززها التغيير النسبي في موازين القوى الذي أحدثته الانتفاضة اختزل كل هذه الإنجازات بالقبول بالقرار 242 كأساس في الحل والتحرك السياسي الفلسطيني في الدورة التاسعة عشر للمجلس الوطني عام 1988، وفي ذروة صعود الانتفاضة والتأسيس لفتح مسار مدريد بعد حرب الخليج الثانية والذي توج بتوقيع اتفاق أوسلو سئ الصيت ومسار التفاوض على أساس نصوصه ومرجعياته الذي أنتج بعد ربع قرن الأزمة والمأزق الفلسطيني الراهن.

وفي إطار المراجعة والتقييم فإن صياغة الشعار المرحلي بمعزل عن النوايا شكّل خطوة متقدمة في تكتيك إدارة الصراع السياسي مع الاحتلال، وحقق العديد من الانجازات السياسية وانطوى على الاعتراف بالقضية الفلسطينية من جهة ومن جهة أخرى عزز ميل القيادة البرجوازية البيروقراطية المتنفذة في منظمة التحرير الفلسطينية باستخدام المال العربي للخروج من دائرة الصراع والتصالح مع الكيان الصهيوني، وقد رجحت القيادة الفلسطينية الميل الثاني الذي ترتب عليه من تقديم تنازلات مجانية للتكيف مع المطالب الصهيونية والأمريكية والعربية للحصول على دور مهما كان بائساً في مسار الحراك السياسي بالمنطقة، وربطاً بهبة الأرض التي أكدت على وحدة الشعب الفلسطيني المعبر عنها بوحدة الأرض والهوية والمصير كهوية تاريخية لا تقبل الجدل.

جاء اتفاق أوسلو والذي كان أهم اسقاطاته الكارثية تفكيك هذه الوحدة وفي مقدمتها حذف جماهير شعبنا في الجزء المحتل من فلسطين عن مركبات الشعب الفلسطيني عبر الاعتراف بشرعية الكيان الصهيوني على 78% من أرض فلسطين التاريخية، وتهميش دور جماهير شعبنا في دول الشتات بما يعني الإسقاط العملي لحق العودة، وبالتالي تفكيك مكونات البرنامج الوطني الفلسطيني المعبر عنه في الشعار المرحلي العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة وتحويلها إلى ملفات للتفاوض تحت عنوان " قضايا ما سُمي بالحل النهائي في اتفاق أوسلو، وفي ظل موازين قوى محلية وإقليمية ودولية راجحة لصالح الكيان الصهيوني.

وإذا كانت هذه هي الخلاصة العامة فإن التفاصيل تعكس أبعاداً أعمق وأكثر خطورة على مستقبل الوطن الفلسطيني، ويمكن انجاز المسائل التالية في إطار تقييم المسار السياسي الفلسطيني خلال المرحلة المنصرمة وهي:

1) غابت عن الرؤية الفلسطينية أو تناسى القائمون على المنظمة طبيعة المشروع الصهيوني ومضمونه الاستيطاني الاستعماري العنصري التي أكدت تجارب الشعوب التي خاضت نضالها ضد أنماط هذا الشكل الاستعماري تناقضه أو عدم قابلتيه أو استعداده للتصالح مع السكان الأصليين بحكم طبيعته العنصرية والاقصائية والإحلالية. وبالتالي فإن حل الصراع معه غير ممكن بدون تفكيك مشروعه وهزيمته.

2) أسقطت الرؤية الفلسطينية الدور الوظيفي الامبريالي للمشروع الصهيوني الذي يميزه عن غيره من أشكال الاستعمار الاستيطاني الأخرى؛ فالمشروع لا يستهدف فلسطين والشعب الفلسطيني وحده بل الأمة وسعيها لاستقلالها القومي والوحدة والتقدم، وبالتالي فقد أسقط اتفاق أوسلو البعد القومي في الصراع من أجل هزيمة هذا المشروع، وشرعن في تطبيع العلاقات العربية مع الكيان الصهيوني والتصالح معه، وبعد ذلك التحالف الاستراتيجي معه في مواجهة أهداف الحركة القومية العربية التقدمية. وما يجري اليوم من تناغم بين النظام العربي الرسمي وهذا الكيان يؤكد هذا الاستخلاص. وما يميز الاستعمار الاستيطاني في فلسطين عن غيره من أشكال الاستعمار الاستيطاني وخاصة في أفريقيا هو أنه استمرار للدور الوظيفي للإمبريالية، ففي أفريقيا تقلص دوره الوظيفي الامبريالي النسبي بتفكيك مشاريعه الداخلية من جهة، ومن جهة أخرى نجاح الدول الاستعمارية الكبرى في تقسيم أفريقيا إلى دول قبلية تابعة يحكمها الصراع الدائم على الحدود. وأخيراً سقوط الاتحاد السوفيتي ودول المنظومة الاشتراكية فيما لا زال الدور الامبريالي للكيان الصهيوني مطلوباً لعدم استكمال انجاز المشروع الامبريالية الأمريكي لأهدافه في المنطقة التي يسعى نظام "ترامب" لتحقيقها عبر ما سُمي بصفقة القرن التي تهيئت لها الظروف الإقليمية بعد تردي الوضع العربي وتنشيطه بعد حرف مسار الحراك الشعبي العربي عن أهدافه الحقيقية.

3) وعلى المستوى التكتيكي فقد أسس اتفاق أوسلو إلى استبدال المرجعية الدولية ممثلة بالأمم المتحدة بالمرجعية الأمريكية والدولية الشكلية عبر ما سُمي بالرباعية الدولية، وأسقط ضرورات تنفيذ قرارات الشرعية الدولية واستبدالها بالمفاوضات المباشرة غير المتكافئة حول ملفاتها الحدود والقدس والعودة والمياه والدولة والأسرى. وفي ظل موازين قوى ترجح بامتياز لصالح الكيان الصهيوني الأمر الذي يعني طغيان القراءة الصهيونية للاتفاق بما يحقق مشروعه الاستيطاني الاستعماري العنصري. وقد عبّر عن هذه الحقيقة القائد الشهيد الحكيم جورج حبش في مداخلته في المجلس الوطني التاسع عشر عشية القبول بقرار مجلس الامن 242 كأساس لبرنامج السلام الفلسطيني بقوله " إني لا أعارض القرار 242 لأسباب استراتيجية أي كونه يتضمن اعترافاً بالكيان الصهيوني وحسب، بل وأيضاً لأسباب تكتيكية وأخشى ما أخشاه أن نطالب اليوم بتطبيق هذا القرار ونهبط عن سقفه غداً" وقد صدق الحكيم في استخلاصه.

4) نقل التناقض إلى الداخل الفلسطيني بدلاً من تركيزه في جبهة التناقض الرئيس مع الاحتلال ومشاريعه وسياساته العدوانية تجاه شعبنا وأمتنا؛ فالمضمون الأمني بهذا الاتفاق أسس لرفع درجة الصراع الداخلي بين منهج المقاومة ومنهج المصالحة وأنتج الانقسام الذي يعيشه شعبنا وقضتينا الوطنية الذي يشكل تهديداً وخطراً على مستقبل نضالنا ضد المشروع الصهيوني. ولعل ما يعيشه الشعب الفلسطيني من أزمة مستعصية جعل التركيز بهذه القراءة لا تنفرد بها المعارضة الوطنية الفلسطينية وحسب بل أن العديد من أصوات المفكرين والكتاّب المناهضين للصهيونية تقاطعوا مع جوهر هذا التحليل؛ فالكاتب اليهودي التقدمي والمناهض للصهيونية " يهودا شنهاف " استخلص هذه النتيجة في كتابه " مصيدة الخط الأخضر" حيث أكد أن آفاق حل الصراع الفلسطيني على أساس حل الدولتين لا ترجمة عملية له على الأرض وتؤكده القراءة التاريخية لطبيعة هذا الصراع، فمشروع حل الدولتين فصلاً تعسفياً بين زمنين لا يمكن الفصل بينهما، الأول هو زمن الـ48 أي زمن هيمنة وسيطرة المشروع الصهيوني على 78% من الأرض الفلسطينية وتهجير أغلبية أصحاب الأرض، وقد حاكم هذا الكتاب المسألة من الوجهة الأخلاقية التي ترفض شرعنة الجريمة الصهيونية والاجحاف بحق اللاجئين وإلحاق الظلم التاريخي بهم ووجهة الممكن والمستحيل فيما ترفض "إسرائيل" الإقرار بمسئوليتها التاريخية والأخلاقية عن النكبة وتشريد اللاجئين والاقرار بحق العودة يتمسك الفلسطينيون بهذه المسألة ولا يستطيعون قبول أي حل نهائي يقفز عن مسئولية " إسرائيل" عن النكبة وضرورة إنهاء الظلم التاريخي بحق اللاجئين أصحاب الأرض الأصليين. وخلص إلى أن طبيعة هذا الصراع لا تزكي سوى حل واحد يمكن أن يكون نهائياً ودائماً وشاملاً هو حل الدولة الديمقراطية الواحدة التي تكفل الحقوق الفردية في فلسطين لجميع سكان فلسطين وحق العودة للاجئين والحقوق الجماعية للمركبات الأثنية التي تشّكل المجتمع القائم، وطرح رؤية موسعة لبناء النظام السياسي للدولة الواحدة الذي لا مجال للخوض فيه في هذا المقال.

وتأسيساً عما سبق فإن الإخفاق الذي جناه الفلسطينيون بعد مسيرة ربع قرن من المفاوضات العبثية لا يمكن تجاوزه دون استخلاص الدروس من الأسباب التي قادت عليه، وفي مقدمتها بناء البرنامج الوطني الاستراتيجي على أساس القراءة الواقعية لطبيعة المشروع الصهيوني الاستعماري الاستيطاني الذي يرفض بطبيعته العنصرية منطق المصالحة مع الآخر أو الاعتراف به والارتكاز في نضالنا الوطني إلى ضرورات هزيمته وتفكيكه وطرح البديل الديمقراطي المؤهل لحل الصراع من جذوره، بعيداً عن الأماني والأوهام التي ليس لها سند واقعي يبررها؛ فحل الدولة الديمقراطية الواحدة هو مشروع للنضال الوطني والقومي التحرري من أجل السلام الدائم والشامل والعادل المستند إلى الحل الديمقراطي الجذري للتناقضات العملية والبناء الديمقراطي للنظام السياسي البديل القائم على الاعتراف بالحقوق الفردية التي تكفلها دولة المواطنة والحقوق الجمعية لمن يرغب في العيش في فلسطين مع أصحاب الأرض الشرعيين التي يحميها القانون الديمقراطي، وهي أيضاً جزء من الرؤية الديمقراطية لبناء النظام السياسي العربي الذي يكفل الحقوق الفردية والجمعية لجميع مواطني على اختلاف انتماءاتهم الأثنية بعيداً عن الدمج والالحاق القصري أو الإقصاء، وهي أيضاً مشروع للنضال التقدمي المشترك بين الشعب الفلسطيني وكل اليهود المناهضين للمشروع الصهيوني وطابعه الاستعماري الكولنيالي.

وعليه، وانطلاقاً من دروس المرحلة السابقة والتأسيس لمواجهة المشروع الأمريكي الصهيوني القادم، المعنون بصفقة القرن والذي يعتقد الأمريكيون والصهاينة بأن موعد حصاد ما أنجزته المرحلة السابقة من تراكمات قد حان، واستبقت مسارها السياسي باعتراف "ترامب" بالقدس عاصمة أبدية لدولة الكيان الصهيوني بما يعنيه هذا الاعتراف من مس بالمكانة الدينية والتاريخية للقدس، واستمرار التوسع الاستيطاني في نطاق المشروع الصهيوني الُمسمى بالقدس الكبرى، التي تقطع عشرات آلاف الكيلومترات من مساحة الضفة، إضافة إلى مساحة القدس الشرقية في حدود حزيران التي سبقت الحرب، فضلاً عما تسرب من أفكار بشطب حق العوة وتكريس الاستيطان وفرض الرؤية الصهيونية لأي تسوية، وأشمل من هذا الاطار فإن هذه الصفقة أوسع من أن تحصر في الملف الفلسطيني وتستهدف الوضع العربي برمته فهدفها حصاد الإنجازات التي أسس لها خلفائها وأدواتها في المنطقة من خلال ركوب موجة الحراك العربي وحرفه عن الاتجاه الصحيح، وإدارة الحرب في سوريا واليمن والعراق وليبيا وفرض التقسيم والصراع المذهبي والطائفي والقبلي لتجسيد الفوضى الخلاقة التي روجت لها " كونداليزا رايس" والتأسيس لتشكيل حلف إقليمي رجعي يتوسط الكيان الصهيوني على غرار حلف بغداد البائد، حلف يستهدف حلف مقاومة المشروع الأمريكي كما الشرق الأوسط الجديد وذريعة الخطر الإيراني وكسر التوازنات التي أحدثها دخول روسيا كلاعب رئيسي في المنطقة. أما الملف الفلسطيني فالمطروح تسجيله كعقبة يعيق مسار تشكيل هذا التحالف.

وعليه، فإن مسئولية الحركة الشعبية القومية التقدمية الراهنة هي مواجهة صفقة القرن باعتبارها العنوان الذي يكثف الهجوم الامبريالي الأمريكي الجديد، وتقديم الرؤية النهضوية القومية التقدمية لمواجهة الحرب المفروضة على الأمة، وبناء أدوات المواجهة على المستوى القومي العام وامتداده على المستوى القطري في هذه المعركة، وحشد الجهود الشعبية لخوضها يشكل مفتاح المعركة الديمقراطية من أجل التغيير وأساس لملء الفراغ الذي ملأه التدخل الخارجي من كل لون في الشئون الداخلية العربية، والدفع نحو إنهاء التدخل الخارجي في شئون اليمن وسوريا وليبيا وفتح الطريق لحل سياسي يجسد وحدة هذه البلدان شعباً وأرضاً ويستجيب للمصالح الديمقراطية لشعوبها.

وعلى الصعيد الفلسطيني وانطلاقاً من أن معركة تحرير فلسطين هي قومية بالأساس قبل أن تكون فلسطينية وقطرية مطلوب إطلاق مبادرة شعبية عربية تتبناها القوى القومية الديمقراطية العربية التقدمية عنوانها إسقاط المبادرة العربية لحل الصراع العربي الصهيوني باعتبارها المظلة التي تغطي عملية التطبيع مع الكيان الصهيوني، والنضال من أجل تعميم المقاطعة العربية للكيان الصهيوني، والضغط لطرد السفراء الكيان وسحب سفراء العرب من دول منه، فضلاً عن المقاطعة الشاملة التي تقودها الحركة الشعبية لمقاطعة الكيان الصهيوني على طريق نزع الشرعية عنه. وعلى قيادة منظمة التحرير الفلسطينية إعادة بنائها على أسس وطنية ديمقراطية كمفتاح رئيسي لإنهاء الانقسام وبناء الوحدة الوطنية، أما على صعيد القوى الثورية الفلسطينية فالمطلوب المهام الراهنة وهي:

1) الإعلان عن فشل اتفاق أوسلو الذي انتهى سقفه الزمني في 4/5/1999 والتحلل من التزاماته السياسية والأمنية وقطع العلاقات مع الكيان الصهيوني وفي مقدمتها التنسيق الأمني وسحب الاعتراف بدولة الكيان، والإعلان عن انتهاء المرحلة الانتقالية والإعلان عن الأراضي المحتلة دولة تحت الاحتلال.

2) وقف المراهنة على تجديد المفاوضات تحت أي عنوان أو مرجعية دولية ملتبسة والاعلان عن أن مرحلة المفاوضات انتهت بعد أن جربت على مدار ربع قرن وكان حصادها صفر، ومطالبة المجتمع الدولي وهيئة الأمم بتحمل مسئولياتها في وضع دولة الكيان الصهيوني تحت طائلة القانون الدولي وإلزامه وفق البند السابع على تنفيذ قرارات الشرعية الدولية، وأن تستجيب لحق شعبنا في العودة والاستقلال الوطني الناجز؛ فالمطلوب من المجتمع الدولي بعد أن وصلت المفاوضات إلى طريق مسدود في محطات التفاوض على ما تم التفاوض عليه أن يتخذ قرارات واضحة لتأمين الحماية الدولية لشعبنا ووضع آليات واضحة وبسقف زمني محدد لإنهاء الاحتلال وتطبيق حق العودة، أي توفير كل المقدمات لممارسة شعبنا حقه في تقرير مصيره وعودة اللاجئين تنفيذاً للقرار 194 وتجسيداً لاستقلاله الوطني.

3) ولأن قوة المنطق تحتاج لإسنادها بمنطق القوة، فالحقوق تنتزع ولا تستجدى ولا تحققها النوايا الحسنة والدعوات الطيبة، بل تعديل موازين القوى التي تحكم معادلة الصراع يتطلب اعتبار جبهة التناقض الرئيسي مع الاحتلال بمحاورها وخنادقها في الوطن والشتات المركز الذي يجب أن تحشد فيه قوى شعبنا كافة وإطلاق لعنان لمقاومة شعبنا بكل الأساليب واعتبارها الرافعة الأساسية للنهوض الوطني ومراكمة الإنجازات على طريق تحقيق اهدافنا الوطنية والقومية، مع ضرورة التنويه على التوافق الوطني على الأسلوب الرئيسي الناظم لكل أساليب المقاومة الأخرى.

4) النضال من أجل طي ملف الانقسام وتسريع عملية المصالحة الوطنية وإخراجها من دائرة المناورات والصراع الفئوي غير الديمقراطي؛ فهي المدخل لبناء أدوات شعبنا السياسية والقيادية في السلطة ومنظمة التحرير، مع التأكيد على أن مفتاح تنفيذ هذه المصالحة وتحقيق وحدتنا الوطنية والشراكة الوطنية الديمقراطية هي إعادة بناء (م.ت.ف) على أسس وطنية وديمقراطية وتجديد شرعية مؤسساتها القيادية وفق آليات الانتخاب الديمقراطي المباشر من تجمعات شعبنا كافة في الوطن والتشات تطبيقاً لاتفاق القاهرة في آذار 2005 وكل التوافقات الوطنية التي بنُيت عليه لاحقاً وتكريس دورها كقيادة سياسية كفاحية ومرجعية عليا تمثيل جميع ألوان الطيف السياسي والاجتماعي؛ فهي الحلقة المركزية التي إذا ما تم الإمساك بها يفتح لما تبقى من ملفات مجرد تفاصيل يمكن حلها بيسر.

5) وقف كل العقوبات الظالمة التي فرضتها قيادة السلطة على أهلنا في قطاع غزة وإخراجهم من دائرة التجاذبات السياسية، فضلاً عن توفير المناخات الدائمة لبناء الثقة الداخلية وفي مقدمتها وقف الاعتقالات السياسية على خلفية الانتماء أو الرأي أو مقاومة الاحتلال.

6) بناء جبهة مقاومة وطنية موحدة تضم كل المنظمات الكفاحية الفلسطينية، ووضع برنامج متوافق عليه لإدارة مقاومة شعبنا ضد الاحتلال مرجعيته (م.ت.ف) القيادة السياسية العليا لشعبنا في كل أماكن تواجده.

7) تشكيل حكومة وحدة وطنية وظيفتها إدارة الشأن الفلسطيني الداخلي والإعداد لانتخابات رئاسية وتشريعية والمجلس الوطني الفلسطيني حيثما أمكن.

8) إقرار برنامج تنموي يستهدف تعزيز صمود شعبنا ومقاومته ويستجيب لاحتياجات فقراء شعبنا كأساس وترشيد الانفاق وتعزيز الاعتماد على الذات لمواجهة الضغوطات التي تستهدف اخضاع قرارات شعبنا لاحتياجات إطلاق مسار عربة صفقة القرن.

9) تعزيز البعد القومي الشعبي للقضية الفلسطينية ببناء علاقة (م.ت.ف) مع القوى الشعبية العربية كأساس، وانطلاقاً من أن معركة تحقيق أهداف شعبنا هي مسئولية عربية تكون الحركة الوطنية الفلسطينية رأس حربتها.

10) تعزيز البعد الأممي والعلاقات مع القوى والشعوب والتجمعات التي تناهض العولمة الرأسمالية وتؤيد نضال شعبنا وتعزيز الحركة الشعبية لمقاطعة الاحتلال الصهيوني على طريق نزع الشرعية عن كيانه العنصري البغيض.

وأخيراً، لابد من التأكيد أن المهمات ليست سوى المهمات التي تشكّل القواسم المشتركة بين جميع قوى وتيارات شعبنا السياسية والاجتماعية وهي حسب رؤيتنا لا تتناقض مع نضالنا من أجل تفكيك المشروع الصهيوني وبناء الدولة الفلسطينية العربية الديمقراطية الواحدة كحل للصراع في فلسطين وحول فلسطين، مع التأكيد أن من يناضل من أجل تحقيق الدولة الواحدة أو إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية على جزء من فلسطين لا مجال أمامه ولم يترك له العدو أو المجتمع الدولي من خيار سوى المقاومة أولاً لطبيعة الكيان الصهيوني الاستئصالي الاستعماري الاستيطاني وثانياً لغياب موازين القوى التي تجعل من مشروع الاحتلال مشروعاً مكلفاً ومن يجد في هذه الرؤية تناقضاً فإنه لا زال يلهث حول سراب التسوية والبحث عن آليات جديدة لتجديد دورة الدماء في المفاوضات العبثية حفاظاً على مصالحه، أو أنه لا يرى رابطاً بين تحقيق عودة اللاجئين من شعبنا وحقهم بالتعويض وبين إقامة الدولة المنشودة، فالوقائع على الأرض تؤكد خطيئة أوسلو وعقم المسار السياسي التفاوضي، ولا يوجد اليوم عاقل فلسطيني أو عربي أو مراقب يمكن أن يزكيه كخيار تحت عناوين أو يافطات جديدة، مهما كانت جذابة؛ فالمفاوضات استنفُذت ولا يمكن أن تنتج سوى السراب والوهم مهما تغيرت مرجعياتها؛ فالحقوق الوطنية ليست موضوعات للتفاوض ولا تقبل القسمة على أي رقم.

تنويه: إن الآراء الواردة في قسم «تقارير وآراء»- بما قد تحمله من أفكار ومصطلحات- لا تعبِّر دائماً عن السياسة التحريرية لصحيفة «قاسيون» وموقعها الإلكتروني