ميزانية ضد الفقراء
محمد عصمت محمد عصمت

ميزانية ضد الفقراء

وفقا لتقديرات البنك الدولى، كل إنسان يحصل على دخل يومى أقل من 1.9 دولار فهو يقع تحت خط الفقر، وبحسبة بسيطة فإن كل مواطن مصرى يحصل على 34 جنيها فى اليوم أو 1015 جنيه شهريا على اعتبار أن الدولار يساوى 17.75 تقريبا فهو فقير، وبالتالى فإن أى أسرة مكونة من 5 أفراد ينبغى ألا يقل دخلها عن 5075 جنيها شهريا حتى تصل إلى خانة المستورين.!

لا أحد فى الحكومة يدرى أو حتى يهتم أن يعرف كيف يعيش رب أسرة يعول 4 أو 5 أفراد بهذا الحد الأدنى إذا أسعده الحظ وأعطته له الشركة التى يعمل بها، صحيح أن معظم الفقراء ومحدودى الدخل يعملون فى وظيفتين وأحيانا ثلاث وظائف لمجرد توفير لقمة العيش لأطفالهم، لكن هذا الوضع لا يتوافر إلا للفقراء الأسعد حظا، فالغالبية منهم تتصارع للحصول على وظيفة.

الحكومة تستطيع إذا أرادت أن تنهى هذا الوضع البائس، وأن تقلل من نسب الفقر فى مصر والتى تقول التقديرات المحايدة إنها سوف تبتلع أكثر من 50% من المصريين مع تطبيق الزيادات فى أسعار السلع والخدمات الأساسية فى يوليو المقبل، هناك اقتراحات قديمة بأن يكون الحد الأقصى للأجور 15 ضعفا للحد الأدنى، ومع ذلك فلم تستطع حكومة واحدة أن تنفذه، أو تواجه سيل الاستثناءات التى فرغت هذا المقترح من مضمونه، لتعيد تصحيح الاختلالات الرهيبة فى توزيع الأجور فى مصر.

هناك الكادرات الخاصة التى تستحوذ على نسب كبيرة من الأجور، وهناك البدلات التى تصرف بكرم حاتمى كبير لبعض الموظفين الكبار، وهناك فئة المستشارين الذين يتقاضى يعضهم الكثير على الرغم من وصولهم لسن المعاش ، وهناك إعفاءات ضريبية بمبالغ فلكية تقدمها الحكومة لكبار الأغنياء، كان يمكن أن توجهها لإصلاح هيكل الأجور المختل.

فى مسودة ميزانية العام المقبل التى يناقشها البرلمان، جاء فى بيان أصدرته وزارة المالية العديد من المؤشرات التى تبدو إيجابية مثل استهداف تحقيق فائض 2% من الناتج المحلى الإجمالى، وخفض التضخم إلى 10 %، وزيادة دعم السلع التموينية والمزايا الاجتماعية للطبقات الفقيرة، لكن انعكاس هذه المؤشرات على تحسين الأوضاع المعيشية المزرية التى يعانى منها ملايين الفقراء ومحدودو الدخل سيبقى محل شك، لأن من يدفع فاتورة هذه المؤشرات هم هؤلاء الفقراء ومحدودى الدخل، ولا أحد غيرهم بهذه الزيادات الحكومية المتتالية فى الأسعار.

روشتة صندوق النقد الدولى لما يسمى الإصلاح الاقتصادى هى السبب الرئيسى وراء الحرب التى تشعلها الحكومة على محدودى الدخل، بل إن الحكومة أهدرت النصوص الدستورية حول المخصصات التى ينبغى توجيهها إلى الصحة والتعليم، دون أن يحاسبها أحد فى البرلمان.

ميزانية الحكومة المقبلة سارت على نفس الطريق، الاتباع الصارم لتعليمات الصندوق، والتجاهل التام لكل الدعوات المطالبة بإصلاح هيكل الأجور، كل ما اهتمت به الميزانية هو تحقيق إنجازات مالية على الورق، دون أن تبدى أى اهتمام بالمعاناة التى يكابدها ملايين المصريين من هذه الإنجازات الورقية فى حياتهم.

قد يكون عقد مؤتمر قومى لإصلاح منظومة الأجور فى مصر تشارك فيه كل التيارات الاقتصادية والسياسية، وتنشر مناقشاته على الرأى العام ليشارك فيها سواء عبر الاستطلاعات أو وسائل الإعلام، خطوة جادة لحل مشكلة الفقر فى مصر، أو على الأقل لبحث البدائل الأخرى لسياسات الحكومة التى تقدم لنا أسعارا عالمية ولكن بأجور محلية!

تنويه: إن الآراء الواردة في قسم «تقارير وآراء»- بما قد تحمله من أفكار ومصطلحات- لا تعبِّر دائماً عن السياسة التحريرية لصحيفة «قاسيون» وموقعها الإلكتروني