من البادئ في سباق التسلّح الروسي-الأمريكي؟
حوار مع ستيفن كوهين حوار مع ستيفن كوهين

من البادئ في سباق التسلّح الروسي-الأمريكي؟

قام آرون ميت بمحاورة ستيفن كوهن، بروفسور الدراسات الروسيّة في جامعة نيويورك وبرينستون، حول سباق التسلّح الروسي-الأمريكي.

تعريب وإعداد: عروة درويش

 

  • آرون: ما الذي يسعى إليه بوتين في العلاقات مع الولايات المتحدة؟

كوهين: دعنا نبدأ بالقول بأنّه لم يكن هناك أيّ وقت لم يرد فيه بوتين علاقات جيدة بالولايات المتحدة، وذلك حتّى في أسوأ الأوقات. ولطالما أشار إلى القادة السياسيين الأمريكيين بكلمة «شركائي» حتّى في أسوأ الأوقات. وهذا بالمناسبة كان يثير استياء المتصلبين في المؤسسة الأمنية، فكانوا يقولون له دوماً: لماذا تدعوهم شركائك؟

بوتين شخص أتى إلى السلطة مع أمل ونوايا حقيقيّة ببناء علاقة اقتصاديّة-سياسيّة فاعلة مع الولايات المتحدة. ورغم أنّه قد يكون يأس من تحقيق هذا الأمر، فهو لا يزال يدعو إليه. إنّ الخطاب الذي ألقاه في الأوّل من آذار لهو ذو أهميّة كبرى.

ففي ثلثي الخطاب الأوليين كان يتحدث بشكل أساسي عن برنامجه الانتخابي. تطرّق لقضايا محليّة يأمل فعلها لصالح الشعب الروسي. كان خطاباً شبيهاً جدّاً بذلك الذي نسمعه في انتخابات الولايات المتحدة. تحدّث عن التعليم وعن البنية التحتيّة وعن تعويضات التقاعد وعن الرعاية الصحيّة.

لكنّه أطلق على الثلث الأخير من الخطاب لقب تاريخي، وأنا أوافق على ذلك. فمنذ امتلاك أمريكا والاتحاد السوفييتي القدرة على تحميل الصواريخ الباليستيّة رؤوساً نوويّة، يمكنها اجتياز البحار وضرب بلدٍ آخر، دخلت واشنطن وموسكو في اتفاق استراتيجي يدعى «التدمير المتبادل المؤكد». وعنى هذا أنّه في حال إطلاق واشنطن صاروخاً على موسكو فستقوم موسكو بالردّ خلال دقائق، والعكس صحيح، وبهذا ستتأثر البلدان بشكل مرعب إن لم تتدمرا بالكامل. ورغم أنّ هذا الاتفاق قد يبدو مرعباً، فقط حافظ على السلم النووي حتّى أتى أحدهم بفكرة القدرة على بناء أسلحة مضادة للرؤوس النووية، أي صواريخ دفاعية، وهو الأمر الذي بدأ مع ريغان.

ومن أجل منع ذلك، تمّ في عام 1972 على ما أذكر توقيع معاهدة الصواريخ المضادة للصواريخ البالستيّة، وهي ما عنى بأنّ كلا الطرفين ممنوعان من استخدام أنظمة الصواريخ المضادّة للصواريخ البالستيّة لديهما، وذلك من أجل الحفاظ على «التدمير المتبادل المؤكد» الرادعة. وكان الاستثناء الوحيد الذي منح للبلدين هو السماح لموسكو بنشر صواريخها المضادة في روسيا فقط، وواشنطن في أمريكا. لكن إدارة الرئيس بوش الابن انسحبت من المعاهدة في عام 2002، وألغتها من جانب واحد.

ومنذ ذلك الحين والولايات المتحدة تمضي في ننشر المزيد من الصواريخ الدفاعيّة ضدّ روسيا. هناك منصات في بولندا ورومانيا، وهناك أنظمة صواريخ محمولة على سفن تبحر في البحر الأسود وبحر البلطيق، أي على الحدود الروسيّة تماماً.

ولهذا وبالعودة لما قاله بوتين، فإن افترضنا بأنّ نصف ما قاله حقيقي فقط، وأنا متأكد بأنّ الحقيقة فيه أكثر من النصف بكثير، فقد أعلن بأنّهم طوروا عدّة أسلحة لا تعتمد على المستوى الباليستي، أي تطير عالياً في السماء وتعود للهبوط، بل تطير على ارتفاعات منخفضة أكثر، وبسرعة أكبر بكثير، ويمكنها تجنّب أي نظام دفاع صاروخي أنفق الأمريكيون ترليونات الدولارات على تطويره. لقد أعلن بأنّ الأمريكيين الذين طوروا الأنظمة الدفاعية بهدف شنّ هجوم على روسيا دون الخوف من انتقامها كانوا خياليين منذ البداية، لكن الآن مع هذه الأسلحة الجديدة بات الأمر مستحيلاً على الإطلاق. وانتهى بالقول بأنّه طالما استعدنا الآن التوازن العقلاني، دعونا نجلس ونتحدث في القضايا النووية الكبرى من جديد.

 

  • أظنّ بأننا ننسى غالباً بأنّ أنظمة الصواريخ الدفاعية هذه، أو أيّاً كانت تسميتها، قد تمّ تطويرها في ظلّ إدارة جورج بوش الابن، وبأنّهم برروا تطويرها بأنّها موجهة ضدّ إيران وليس روسيا، وهو الأمر الذي يصعب قبوله عندما ننظر لنشر الأنظمة بالقرب من روسيا.

لم يكن هذا الأمر أكثر من زائف ومضلل وجزء من البروباغندا الأمريكية. الحقيقة هي كالتالي: لقد احتجت روسيا على انسحاب واشنطن من معاهدة الصواريخ المضادة للصواريخ البالستيّة، واحتجوا على الأنظمة التي كانت تبنيها واشنطن. وعندما قال الأمريكيون: لماذا أنتم قلقين؟ ليس لهذا الأمر علاقة بروسيا، بل هو موجه نحو إيران. فأجاب الروس عندها: حسناً، إن كان الأمر على هذا النحو، دعونا نبني الأنظمة الدفاعية معاً. لدينا منشآت رادار أفضل من التي لديكم، سنبني الأنظمة ونديرها معاً. لكنّ الأمريكيين رفضوا ذلك بشكل ممنهج.

لقد رفضت واشنطن كلّ محاولة روسيّة للانضمام لنظام الصواريخ الدفاعية، وأن تحمل الروس بعد كلّ ذلك على أن يصدقوا بأنّ الأمر موجه نحو إيران، هو مثل حملهم على التصديق بوجود أرنب الفصح.

تنويه: إن الآراء الواردة في قسم «تقارير وآراء»- بما قد تحمله من أفكار ومصطلحات- لا تعبِّر دائماً عن السياسة التحريرية لصحيفة «قاسيون» وموقعها الإلكتروني