«الحرب التجارية»... ثمة مساحة للمناورة
دانيال موس دانيال موس

«الحرب التجارية»... ثمة مساحة للمناورة

رغم الإسراف الذي نشهده في استخدام شعار «الحرب التجارية» اللافت، فإنه لحسن الحظ لا يزال الأمر في حقيقته أشبه بمناوشات. وفي الوقت الذي يجري تبادل البيانات والتصريحات بين واشنطن وبكين، فإن ما قيل - وما لم يقل - يحمل في طياته فرصاً لخفض التصعيد.

مثلاً، انظروا إلى إعلان إدارة ترمب بخصوص التعريفات على واردات الصلب والألمونيوم. اللافت هنا الإعفاءات الممنوحة التي تتمثل في المكسيك وكندا والاتحاد الأوروبي وأستراليا والبرازيل، ومن المؤكد انضمام أسماء جديدة للقائمة. وفي الوقت الراهن، تبدو التعريفات الجديدة كأنها تستهدف الصين على وجه التحديد. ورغم ذلك، تسمح العملية برمتها بمساحة واسعة للمناورة.
ومن الممكن أن يحدث خفض تصعيد كذلك في أعقاب إعلان البيت الأبيض هذا الأسبوع عن تعريفات ضد الواردات من الصين (ومقترح بكين فرض تعريفات على مواد بعينها قادمة من الولايات المتحدة).
باختصار، يتعين على الجميع التزام الهدوء الآن والاسترخاء لبعض الوقت.
أولاً: كشف بيان صادر عن الممثل التجاري للولايات المتحدة عن أن الإجراءات بعيدة كل البعد عن كونها فورية، ذلك أنه لا يزال أمام الممثل 15 يوماً لإعلان قائمة «مقترحة» بالمنتجات التي ستخضع للتعريفات. وبعد ذلك، تأتي فترة 30 يوماً لتلقي التعليقات العامة على المقترحات. وبعدها، يعكف الممثل على مراجعة التعليقات واستغراق بعض الوقت في وضع النتائج النهائية التي خلص إليها.
ثانياً: دعا البيت الأبيض لفرض تعريفة بنسبة 25 في المائة على واردات صينية بعينها، لكن يبقى التساؤل: 25 في المائة مم؟ ركزوا على هذا السؤال ودعونا نفترض أن تفاصيل توقيت وأسلوب تنفيذ هذه التعريفات سيكونان، مثلما الحال مع كل شيء داخل واشنطن، محط جهود ضغط.
ومن المجموعات التي من المؤكد أنها انطلقت نحو العمل الشركات متعددة الجنسيات، التي تتخذ الكثير منها الولايات المتحدة مقراً لها. جدير بالذكر أن الكثير مما تشتريه الولايات المتحدة «من الصين» لا ينتمي في الأصل إلى هناك، وإنما يجري تجميعه من عناصر ومكونات صنعت في أماكن أخرى. من جانبهم، يقدر الخبراء الاقتصاديون داخل «دويتش بانك إيه جي» أن ما يزيد بكثير على ثلث الواردات الأميركية من الصين جرى إنتاجه فعلياً داخل دول ثالثة. والآن، هل يمكنك تخيل أي شركة متعددة الجنسيات قد تشرع في المقامرة على هذا الصعيد؟ على سبيل المثال، يوجد مقر شركة «آبل إنك». في كوبرتينو بكاليفورنيا. كما أن المنتجات التي تأتي لك في النهاية في صورة قطعة واحدة تخوض طريقاً معقدة حتى تصل إلى متجر «آبل».
علاوة على ذلك، فإن ثمة أمرين آخرين أعلنهما الرئيس ترمب سوف يستغرقان بعض الوقت، ذلك أن وزارة الخزانة لا يزال أمامها شهران لصياغة استجابة للممارسات الصينية الاستثمارية في تكنولوجيات حساسة. ونصيحتي ألا تنتظروا تغييرات كبرى من وراء هذه المراجعة. وحتى في ظل القواعد القائمة، هل تظن أي شركة صينية بجدية أن باستطاعتها شراء شركة تكنولوجية أميركية؟
بجانب ذلك، فإن الولايات المتحدة ستعترض على قواعد الترخيص التكنولوجي الصينية من خلال منظمة التجارة العالمية (عملية طويلة أخرى).
أما المقترح الانتقامي الصيني بفرض ضرائب على الواردات من الولايات المتحدة فيأتي فقط على سبيل الاستجابة لتعريفات فرضها الرئيس ترمب سابقاً على الصلب والألمونيوم. وبالنظر إلى عنصر التوقيت، كان من السهل الخلط بين جميع هذه الأمور، لكن الصين كانت حذرة إزاء ذلك. في الواقع، يمكن قراءة «الإجراء الانتقامي» تجاه تعريفات الصلب والألمونيوم باعتباره إشارة تحمل رسالة مفادها: نحن نراقب وننتظر، ونؤكد أننا لن نرضخ لضغوط، لكننا لن نتورط في تشاحن يضر بمصلحتنا، إلا إذا اضطررنا إليه ولم نجد دونه مفراً.
ومع هذا، فإن أياً من ذلك لا يعني أن الصين تستحق الإشادة عن ممارساتها التجارية - في الواقع هي بعيدة تماماً عن ذلك - أو أن الولايات المتحدة ينبغي ألا تحرك ساكناً حيالها، وإنما يعني أنه بالنسبة لكلا الجانبين لا تزال ثمة مساحة واسعة للمناورة وإعلان النصر.

تنويه: إن الآراء الواردة في قسم «تقارير وآراء»- بما قد تحمله من أفكار ومصطلحات- لا تعبِّر دائماً عن السياسة التحريرية لصحيفة «قاسيون» وموقعها الإلكتروني