بريطانيا: توتير العلاقات مع روسيا لتحقيق تقدم في الداخل
فينيان كونينغهام فينيان كونينغهام

بريطانيا: توتير العلاقات مع روسيا لتحقيق تقدم في الداخل

كتب فينيان كونينغهام مقالاً يحلل فيه تأثير الخطوة الدرامية التي اتخذتها حكومة المحافظين في بريطانيا عبر التصعيد العدائي مع روسيا، على الداخل البريطاني، وتحديداً إعادة إحياء سياسات الحرب الباردة بوصفها مصيدة لإيقاع زعيم حزب العمّال والمعارضة وراءه فيها. فقال: «في حين تمّ التهليل لتيريزا ماي على خطابها الهجومي على روسيا، تعرّض زعيم حزب العمّال جيرمي كوربين إلى اتهامات شريرة من أطراف متعددة في مجلس العموم، ومن بينهم بعض نواب حزبه».

تعريب وإعداد: عروة درويش

فقد اتخذت بريطانيا عند طردها 23 دبلوماسياً روسياً أخطر إجراء دبلوماسي ضدّ موسكو خلال ثلاثين عاماً، وتعهدت موسكو بأنّها سوف تتخذ إجراءات أخرى غير طرد الدبلوماسيين البريطانيين للردّ، حيث يبدو بأنّ البلدان يدخلان دوامة يصعب الخروج منها.

وتعتمد كامل الاتهامات الرسمية البريطانية لموسكو بالهجوم المزعوم على سيرجي سكريبال البالغ من العمر 66 عاماً وابنته يوليا البالغة من العمر 33 عاماً في سالزبري، على ادعاءات غير مثبتة حول غاز للأعصاب من الحقبة السوفييتية، وعلى افتراضات بريطانية جامحة. لكنّ الحملة الشرسة التي أطلقها سياسيو النظام القائم البريطانيون ووسائل الإعلام المرتهنة له، تهاجم كلّ من يعترض على هذه الحملة لكونها بلا أدلة بأنّه: «تابع ذليل للروس».

وكمال يقول الكاتب: «وهذا تماماً ما حدث عندما وقف جيرمي كوربين في مجلس العموم وجرؤ أن يطلب من رئيسة الوزراء «أدلّة» على ارتباط الغاز من الحقبة السوفييتية بالأفعال التي اتهموا الدولة الروسية فيها». وكذلك جرؤ كوربين على الطلب إلى السلطات البريطانية أن تزوّد المحققين الروس بعينات من الغاز المستخدم كي يُجروا تقييمهم الخاص عليه، «وهو الإجراء الإلزامي وفقاً للاتفاقية الدولية في عام 1997، والمعروفة باسم معاهدة الأسلحة الكيماوية».

إنّ ما طلبه زعيم العمّال هو أمر بسيط ومنطقي وعادل. وإذا ما أخذنا في اعتبارنا التوترات الجيوسياسية بين دول الناتو بقيادة الولايات المتحدة من جهة وروسيا من جهة أخرى، فيمكننا أن نرى بأنّ من شأن هذه المطالب أن تنزع فتيل انفجار نزاع مسلح كارثي. وقد شدد كوربين المشاغب من جديد: «يجب على ردنا أن يكون حاسماً وملائماً ومبنياً على أدلّة واضحة»، رافضاً شجب روسيا على أنّها مذنبة تبعاً لنقص الأدلّة الجرمية في هذه المرحلة.

لكنّ صوت العقل يكون مرهقاً في حضرة كلّ ذلك الجنون، فكما قال الكاتب: «بالكاد كان بإمكان زعيم العمّال أن يُسمع صوته بسبب كلّ الهجومات البذيئة والصراخ [عار، عار] من مقاعد حزب المحافظين». حتّى أنّ كلير بيري، إحدى وزراء المحافظين، صرخت بصوت عالٍ في تحفيز للغوغاء حولها: «أنت عار على حزبك».

وبكل تأكيد، تبع الإعلام المرتهن الصيحة، محاولاً إشعال نار الحرب الباردة مع روسيا، ومستهدفاً كلّ من يعارضها وعلى رأسهم كوربين. فصحيفة الصن التي كانت تطالب باتخاذ إجراء عسكري ضدّ روسيا منذ أسبوع، وضعت عنواناً عريضاً على صفحتها الأولى: «دمية بوتين». وملأت صحيفة الفضائح المملوكة لمردوخ صفحاتها بشرح غاضب «يفسّر» السبب الحقيقي «لرفض كوربين شجب روسيا»، ولتشكيكه «بالأدلّة» على ضلوع الروس بالهجوم على سيرجي سكريبال.

وفي صحيفة الفضائح الأخرى: الديلي ميل، حملت الصفحة الأولى عنواناً عريضاً كتب فيه: «كوربين: تابع الكرملين الذليل». لتتابع بعنوانها الفرعي: «وزراء حزب العمّال المتمردون يتهمون كوربين بمحاباة بوتين».

ولا تفوّت بي.بي.سي مثل هذه الحمّى بكل تأكيد، وهي التي أعلنت بأنّ صانعي السياسات الرئيسيين ضمن فريق كوربين، يصاعدون من تمردهم على زعيمهم بسبب «رفضه لوم روسيا» على حادثة التسميم في سالزبوري.

وليس أعداء حزب العمّال هم المستفيدون من شيطنة كوربين ومحاولة حصره في الزاوية فقط، فكما أكّد الكاتب: «يتمّ اليوم الهجوم على زعيم السياسات التقدمية والاشتراكية بوصفه [تابعاً ذليلاً] للروس. وهذا يدعم خصوم كوربين السياسيين داخل حزبه، وأتكلم هنا عن يمينيي الحزب الذين مقتوا صعوده الناجح للزعامة، وهم يستغلون مناخ الحرب الباردة هذا من أجل محاولة كسره».

لكنّ كلّ ما قيل لا يعني البتّة بأنّ الرأي العام البريطاني سيوافق وينقاد نحو أجندة الحرب التي لا تخدمه، وتغطي على فشل الحكومة والنظام القائم. ولهذا فعلينا أن ننتظر ونترقب آثار هذه الحملة على الرأي العام، فهي إن لم تدعم المحافظين وأجندتهم، فلا بدّ ستجرّ عليهم وعلى النظام القائم ردود فعل شعبية رهيبة.

تنويه: إن الآراء الواردة في قسم «تقارير وآراء»- بما قد تحمله من أفكار ومصطلحات- لا تعبِّر دائماً عن السياسة التحريرية لصحيفة «قاسيون» وموقعها الإلكتروني