الاستغلال الخفي4| الوجه المتلوّن للعمالة
إيفا سويدلر إيفا سويدلر

الاستغلال الخفي4| الوجه المتلوّن للعمالة

وصفت كتابات ماركس نفسها أنواعاً أخرى من العمالة في ظلّ الرأسمالية، ولطالما دفع المنظرون الماركسيون لتوسيع فهمنا للاستغلال إلى أبعد من علاقات الإنتاج المأجورة الكلاسيكية.

تعريب: عروة درويش

وهناك صيغة أخرى من الاستغلال غير المأجور تسمّى «عمل الظل»، وهو الأمر البغيض الذي ننخرط فيه عادة دون أن نفكر به كعمل، أو حتّى كإحدى وسائل الاستغلال. وكما قال الفيلسوف إيفان إيليش: «يشمل عمل الظل العمالة غير المأجورة التي خلقتها الشركات الرأسمالية، ومع ذلك فهي غير منتجة في حدّ ذاتها، وليس لها غرض سوى تقديم خدمات مجانية للمؤسسات الربحية، ممّا يشكّل نوعاً من «الظل» خارج الاقتصاد. من الأمثلة على النشاطات الدرامية التي لا تزال قادرة على جذب انتباهنا وإدخالنا في الإحباط، هي معاناتنا التي لا تنتهي في إدخال البيانات في شبكات الاتصالات المؤتمتة الخاصة بشركات التأمين الصحي، أو تحميل عددٍ لا نهائيّ من التحديثات على أجهزة الكمبيوتر. ومن أشكال أعمال الظل التي بتنا معتادين عليها كمسلمات هو ما نمرّ به أثناء دفع الفواتير الإلكترونية أو تفقد حسابات البريدية.

باختصار، لقد تمّ توثيق الاستغلال الرأسمالي للعمالة خارج وأبعد من صيغ الأجر لسنوات عديدة. إننا بحاجة لفهم ماركسي للاستغلال الرأسمالي الموسع. هذه ليست مجرّد قضيّة أكاديمية، بل مشكلة ذات آثار عميقة على الحركات والمنظمات المناهضة للرأسمالية في جميع أنحاء العالم.

منذ قرون، كان يعني أن تصبح عاملاً مأجوراً أن تعاني من سوء عامّ في وضعك، وهو الظرف الذي قاومه العمّال بتمسكهم بالعمل المستند على التعاون والتنظيم الذاتي والسيطرة على وسائل الإعاشة. ومع استمرار التراكم الأصلي، تمّت خصخصة كلا وسائل الإنتاج والإعاشة، وتمّ إنكار حقّ الوصول لوسائل الإنتاج هذه للجميع باستثناء الرأسماليين. في هذه المرحلة، ارتفعت مرتبة العمل المأجور بشكل بطيء إلى وضع مميّز نسبياً في هرم الأعمال الطبقي، وأصبح «الوصول إلى الأجر» هو وصول لقوّة أكبر من التي كانت متاحة لبقيّة العمّال. فعندما كان العامل يتلقى أجراً رسمياً، فيتمّ الاعتراف بقيامه بعمل على الأقل، ويمكنه عندها الدخول في علاقة واضحة وملموسة ومتنازع عليها مع أرباب العمل.

في هذه الأثناء تمّ تصنيف العمّال الذي كانوا يمارسون عمالة خارج صيغ الأجر التقليدي، بأنّهم «متخلفون اقتصادياً»، وتمّ نعتهم في بعض الأحيان بأنّهم لا يعملون حتّى. ومن أجل بعض الأمثلة المألوفة، فلنفكر هنا بالمزارعين المستأجرين الذين تمّ تأطيرهم ضمن صنف المتمسكين بالإقطاع، أو فلنفكر بالاختراع البرجوازي المسمّى: «ربّة المنزل». وحتّى عندما كان يعترف بموقعهم المتدني في هرم الرأسمالية، تمّ اعتبار العمّال غير المأجورين بأنّهم «مهمشون» أو «مضطهدون» في أفضل الأحوال، ولكن ليسوا واقعين تحت الاستغلال. في الواقع، وبعيداً عن كونهم محيطيين بالنسبة للرأسمالية، فإنّ عمّال العمالة غير المأجورة هم مركزيون في كلا إنتاج والحفاظ على الأرباح الرأسمالية.

إنّ الوقوف عند «العمالة المأجورة» والتصوّر المرتبط به بأنّ الاقتصاد المعاصر غير قادر على شرح الاضطهاد غير-الاقتصادي والقديم للنساء وللمزارعين المستأجرين، قد يفسّر بشكل جزئي لماذا بدأت الكثير من المجموعات المجتمعية ترى في سياسات الهويّة أفضل طريق لها نحو التقدّم والوضوح العمومي، بدلاً من اعتماد طريق التضامن الاقتصادي. يهشّم الاقتصار على العمل المأجور لبعض العمّال، بالتزامن مع التعمية على حقيقة عمالة آخرين، احتمالات التوحّد بين طبقات العمّال المتنوعة. لقد تمّ استخدام الأجر هنا من أجل تقسيمنا.

يظهر لنا كلّ يوم تقدّم وتوسّع قبضة الرأسمالية المحكمة، وذلك أثناء غزوها وتسليعها للمزيد من مجالات وخبرات حياتنا الشخصية. ومع ذلك فإنّ عدد العمّال المأجورين التقليديين يتقلص بشكل متزايد بالتزامن مع هذا الغزو. ويتزايد عدد وظائف المياومة والتسليم بالقطعة والوظائف غير الرسمية وغيرها من صيغ التوظيف الخطرة. لا يمكن للإصرار على أنّ العمل المأجور هو السمة المميزة للعمالة في ظلّ الرأسمالية أن يكون منطقياً ضمن هذا السيناريو، فيجب أن يكون واضحاً حالياً أنّ فضاء الرأسمالية قد تجاوز بكثير فضاء العمل المأجور.

يملك الرأسماليون دوماً خطّة بديلة. ومع الهجوم النيوليبرالي على النقابات وعلى الحماية العماليّة وعلى دولة الرفاه، ظهرت استراتيجيات رأسمالية جديدة لزيادة توسيع النطاقات القائمة من العمل «غير المأجور». يجب على الطبقات العاملة، المأجورة وغير المأجورة على حدّ السواء، أن تدرك ظروفها المشتركة، وأن ترفض الافتراض بأنّ الأجور هي ما تمثّل مجمل علاقات العمالة الرأسمالية. على العمّال من جميع الأصناف أن يركزوا على حقيقة انتزاع الفائض من عمالتهم، سواء أتمّ ذلك عبر الأجور أو نسب العمل بالقطعة أو الورديات التي يملؤونها دون أجور إضافية أو فوائد الدفعات التي ليست أكثر من ربا أو عمالة الإعاشة أو عمالة الرعاية غير المدفوعة الأجر.

لقد ساهم التنويع المستمر في صيغ العمالة في التشتيت الفعّال عن مهمّة بناء وحدة عمّالية. ويقع على عاتق «المثقفين» أن يساعدوا في كشف الارتباطات المخفية بين أنماط الاستغلال المتنوعة. علاوة على ذلك، نحن نملك ما يكفي من التراكم المعرفي الذي يؤهلنا الكشف عن التاريخ الطويل والغني لكفاح العمّال في ظلّ الأنظمة الرأسمالية المتنوعة، وأن نجد وننشأ نماذج جديدة من الاحتمالات الممكنة، سواء فيما يخصّ المقاومة أو فيما يخصّ خلق اقتصادات مستقلّة ذات دعامات عمّالية.

وبينما ينسحب الرأسماليون من نمط الأجور في القرن الحادي والعشرين، فقد حان الوقت لنوسّع فهمنا للاستغلال الرأسمالي بحيث يدمج كلا صيغ انتزاع الفائض القديمة جدّاً مع الصيغ المستخدمة حديثاً: عمّال العقود المستقلين والمتدربين والاستشاريين وأعمال الظل التي لا تنفكّ تتوسع وأليات التمويل الطفيلية. لقد حان الوقت كي نصل النقاط بين هذه الوسائل الكثيرة من الاستيلاء على الفائض، وأن نبني مؤسسة ثقافية تؤسس لحركة ذات أساس عمّال موحد وموسع، وذلك قبل أن يصبح الوقت متأخراً على ذلك.

تنويه: إن الآراء الواردة في قسم «تقارير وآراء»- بما قد تحمله من أفكار ومصطلحات- لا تعبِّر دائماً عن السياسة التحريرية لصحيفة «قاسيون» وموقعها الإلكتروني