الاستغلال الخفي| العمالة المجددة غير المأجورة
إيفا سويدلر إيفا سويدلر

الاستغلال الخفي| العمالة المجددة غير المأجورة

 إن كتابات كارل ماركس نفسها كانت قد وصفت أنواعاً أخرى من العمالة في ظلّ الرأسمالية غير تلك التقليدية المعروفة، ولطالما دفع المنظرون الماركسيون لتوسيع فهمنا للاستغلال إلى أبعد من علاقات الإنتاج المأجورة الكلاسيكية.

تعريب: عروة درويش

لطالما استخدم الرأسماليون أكثر من صيغ الأجور وحدها لانتزاع ناتج الفائض من العمّال، لكنّ هذا القرن تحديداً كان مميزاً من حيث نموّ الاعتماد على وسائل بديلة لانتزاع الفائض. لقد حان الوقت بالنسبة للماركسيين لإعادة التفكير في استغراقنا في الأجور، وتطوير نظريّة تشمل أرضيّة عامّة للاستغلال على طول علاقات الانتزاع واسعة التنوّع في ظلّ الرأسمالية. قد يكون لهذا الاعتراف بالاستغلال أهميّة أساسيّة إن كان بإمكان «الطبقة بذاتها» الواقعة تحت الاستغلال، أن تصبح «طبقة من أجل ذاتها» قادرة على التوحد والعمل بشكل متضامن.

لقد حلل ماركس نفسه نمطين أساسيين في استغلال الرأسمالية للعمّال خارج صيغة الأجر: ما يدعى «التراكم البدئي» والعمالة المجددة. فقد كتبت روزا لوكسمبورغ في عام 1913 في كتاب تراكم رأس المال، بأنّ التراكم البدئي (والأفضل أن نسميه التراكم الأصلي) ليس حدثاً مفرداً من الماضي، بل هو عمليّة مستمرّة في ظلّ الرأسمالية. فقد قالت بأنّ النمو الرأسمالي يتطلّب توسعاً مستمراً داخل الفضاءات «اللا-رأسمالية»: «التراكم أكثر من مجرّد علاقة داخلية بين أفرع الاقتصاد الرأسمالي، إنّه بشكل أساسي العلاقة بين رأس المال والبيئة غير الرأسمالية».

ومن الجدير بالذكر هنا أنّ النقاش حول التراكم الأصلي يميل للتركيز على الأشياء الماديّة التي يتمّ تخصيصها، مثل الاستيلاء على حقول نفط أو خصخصة المياه أو المعادن أو الأرض. لكن أكثر التراكم الأصلي، وهو ما يسمّى أحياناً بالتراكم بالسلب أو التراكم بالسرقة، يستولي على كلا المواد الأوليّة والعمالة بشكل متزامن. فعندما يتمّ نهب البنى التحتيّة مثل السكك الحديدية أو المنتجات مثل السفن والأدوات والأبنية أو المحاصيل أو الأراضي أو المعادن المدفونة...الخ، يتمّ كذلك سلب العمالة التي اعتادت تحويل والحفاظ على هذه الموارد.

يمكن فهم نوع آخر من استحواذ الرأسماليين على العمالة، وهو العبودية، أيضاً بوصفه أحد صيغ التراكم الأصلي، لكونه سرقة مباشرة لقوّة العمل البشرية. لقد تمّ التطرق للحاجة الرأسمالية الجوهرية للعبيد منذ 1944 على الأقل، على يد إيريك ويليامز، رغم أنّه افترض خطأ في حينه بأنّ العبودية كانت صيغة عمالة من الماضي. فإن نظرنا إلى تجارة النساء العالمية وإجبارهن على ممارسة الجنس، وإلى مصادرة جوازات سفر خدم المنازل، وإلى الأطفال الممنوعين من الحركة والذين يعملون في مزارع الكاكاو، فمن الواضح بأنّ العمالة غير الحرّة ليست مجرّد آثار رأسمالية سابقة على الرأسمالية، بل هي مستمرة بالازدهار.

وقد درس ماركس إضافة للتراكم الأصلي، دور العمالة المجددة في الرأسمالية: فالعمل غير المأجور المطلوب لتجديد قوّة العمل، الذي يتم عبر إنجاب وتربية الأطفال، وعبر إطعام وإكساء وتأمين المأوى والعناية بالعمّال البالغين. وقد اعتاد الماركسيون الأرثوذكسيون على رسم خطّ فاصل حادّ بين العمالة المنتجة والمجددة، مقترحين بأنّ العمالة المجددة ضرورية لعمل الرأسمالية وتوسعها، لكنّها لا تولّد القيمة الإضافية لرأس المال بالمفهوم الاقتصادي.

بدءاً من سبعينيات القرن الماضي، قارعت حركات مثل النسوية الماركسية وحملة الأجور لربات المنازل هذا التيار المهيمن عبر المجادلة بأنّ عمل النساء المنزلي ليس مأجوراً ولكنّه عمل منتج للسلع، فهو بكل تأكيد يخلق ويديم أهمّ سلعة على الإطلاق: قوّة العمل. لقد كان عمل النساء «المجدد» أساسياً في حقيقة الأمر للاستغلال الرأسمالي، ونشاطاً إنتاجياً إلى حدّ كبير. ورغم ذلك لا يزال «عمل النساء» غير مرئي بوصفه عمالة إلى حدّ كبير، ولا يزال يعرّف بأنّه «عمل حبّ» يحدث بشكل طبيعي، وبأنّه ينتمي للفضاء الخاص وليس للفضاء الاقتصادي. وكما أشارت ماريا مايز في عملها الشهير «البطريركية والتراكم على نطاق عالمي» عن تصنيف «ربّات المنازل» في ظلّ الرأسمالية: «يتمّ اعتبار عمالة المرأة كمورد طبيعي، متاح بشكل حرّ، مثله مثل الهواء والمياه».

تنويه: إن الآراء الواردة في قسم «تقارير وآراء»- بما قد تحمله من أفكار ومصطلحات- لا تعبِّر دائماً عن السياسة التحريرية لصحيفة «قاسيون» وموقعها الإلكتروني