عندما تخسرون، لوموا روسيا!
تايلر دوردن تايلر دوردن

عندما تخسرون، لوموا روسيا!

إن كان هناك انتخابات في أوروبا، وحققت الأحزاب المعارضة للنظام القائم نصراً مذهلاً فيها (كما حدث في إيطاليا أو قبلها ببضعة أشهر في النمسا)، فعلى من يجب أن تلقوا باللائمة؟ على فلاديمير بوتين بكلّ تأكيد.

تعريب: عروة درويش

هذا بالضبط ما فعلته سامانثا باور، واحدة من الدبلوماسيين الرفيعين في إدارة أوباما، عندما شاركت مقالاً من الصحيفة الإسبانية «إل باييس»، يتحدث عن الكيفيّة التي تلاعبت فيها روسيا بالانتخابات الإيطالية لتصبح نتيجتها محسومة، وذلك عبر توجيه الخطاب الإعلامي في إيطاليا إلى الهجرة: «تنضمّ إيطاليا إلى قائمة طويلة من الانتخابات التي تؤثر فيها روسيا. تفعل سبوتنيك ما تفعله بالعادة. والسؤال هو: ماذا ستفعل ديمقراطياتنا بهذا الخصوص؟ هل سيقوم الناخبون بنبذ المرشحين الذين يسعون للاستفادة من التأثير الروسي؟».

نعم هذا الكلام صحيح بكل تأكيد، فليس هناك أيّ ارتباط لما يحدث بنسبة 38% من البطالة بين الشباب، أو بالاقتصاد الراكد، أو بحمولة الديون القياسيّة، أو بالمعدل القياسي للشباب المضطرين ليعيشوا مع أهلهم، أو بالفرص الهامشيّة للتطور الوظيفي، أو بالشعور بأنّ كلّ شيء مزيف. بل الملوم هنا: روسيا.

في الواقع، يبدو منطقياً أن نفترض بأنّه لولا وجود روسيا وتصيدها الهدّام للأخطاء، أو لنشطائها، أو لوسائل إعلام سبوتنيك وروسيا اليوم بكل تأكيد، فإنّ الديمقراطيات الغربية هي المدينة الفاضلة التي لا نهاية لها. فليس لديها أي نزاعات اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية، وليس لديها مصارف مركزية خلقت انقسامات قياسيّة في الثروة والدخل أدّيا إلى استقطاب إيديولوجي وسياسي غير مسبوقين.

وقد اعتمد المقال الإسباني الذي دعمته باور على تحليلٍ لوسائل التواصل الاجتماعي، قامت به شركة خاصة. ادعى المقال بأنّ وسيلة الإعلام الروسية سبوتنيك والعملاء الروس قد أسسوا لخطاب راديكالي بخصوص المهاجرين. فتبعاً للمقال، لا يمكن أن يكون الإيطاليون غير سعداء لكونهم يعيشون في بلد هو المقصد الأول للمهاجرين العابرين للبحر المتوسط والقادمين من ليبيا، وليس لديهم الحقّ في الحنق على سياسات الهجرة التي تعتمدها بروكسل والتي اعتبروها تخونهم، والتي وصلت في الصيف الماضي إلى تهديد إيطاليا «بالخيار النووي» لتجعلها متساوية مع دول أوروبا ذات التصنيف «ب».

ويجب أن نذكر بأنّ باور كانت داعمة «للتدخل الإنساني» العسكري للناتو والولايات المتحدة في يوغسلافيا. وأنّها أثناء وجودها في طاقم مجلس الأمن القومي، ثمّ ترأسها لبعثة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة في عهد إدارة أوباما، أيدت تدخلاً جديداً تمّ من جراءه تدمير ليبيا، وهو الأمر الذي حوّل ليبيا الآن إلى موطن لمهربي البشر. كما أنّ حجّة التدخل الإنساني تمّ استخدامها لتسليح الميليشيات المسلحة في سوريا، ممّا أدى لإشعال حرب هجرت الملايين من بلادهم وجعلتهم يفرون إلى أوروبا.

وقد أثار منشور باور كماً هائلاً من الردود الغاضبة، واتهمها الناس بالنفاق. لكن لا أظنّ أن علينا أن نولي هؤلاء أي اهتمام، فهم في النهاية مجرّد عملاء للروس، يقومون بما يأمرهم فيه الكرملين.

وقد زلزلت انتخابات الأحد في إيطاليا، مثل مثيلاتها في ألمانيا والنمسا، المشهد السياسي، حيث هجر الناخبون أحزاب يسار الوسط، وتحولوا إلى القوى المناهضة للوضع القائم. أتت حركة الخمسة نجوم المتشككة بأوروبا في المقدمة كأكبر حزب فردي بفوزها ب32% من الأصوات، وتخطى حزب ليغا نورد المناهض للهجرة التوقعات وحقق أكثر من 17%. وحصل تكتل يسار الوسط الذي يقوده رئيس الوزراء السابق ماتيو رينزي من الحزب الديمقراطي الإيطالي على 23%.

لقد أوضح المحلل السياسي دانييل بيرناردين بأنّ الناس في إيطاليا صوتوا يوم الأحد للتغيير، ولم يفعلوا ذلك لحزب بعينه: «حظينا في الأعوام الخمسة الماضية بالكثير من تغيير الأحزاب في البلاد. إنّ حركة الخمسة نجوم هي حركة تجمع بين الكثير من الأشخاص الذين يمتلكون وجهات نظر مختلفة». وقد أضاف بأنّ الحزب يمكن أن ينظر إليه على أنّه: «حركة تالية للإيديولوجيا». أمّا ما يجمع الناس مع بعضهم البعض فهو في الواقع: «شعور بالحاجة لتغيير البلاد».

وبعد عدّة ساعات على الهزيمة المذلة التي لحقت بماتيو رينزي باعترافه، قدم استقالته. هذا بكل تأكيد خطأ روسيا أيضاً.

تنويه: إن الآراء الواردة في قسم «تقارير وآراء»- بما قد تحمله من أفكار ومصطلحات- لا تعبِّر دائماً عن السياسة التحريرية لصحيفة «قاسيون» وموقعها الإلكتروني