إيطاليا تتحرك خطوة بعيداً عن أوروبا
فيرناندو غيغليانو فيرناندو غيغليانو

إيطاليا تتحرك خطوة بعيداً عن أوروبا

ثمة سبيلان للنظر إلى نتائج الانتخابات العامة الإيطالية التي أعلنت الأحد. يتمثل الأول في التركيز ببساطة على الجانب الحسابي. ومن هذا المنظور، لا تبدو النتائج مختلفة عما كان متوقعاً، ذلك أنه لم يكن هناك فائز صريح في الانتخابات. وقد أخفق كل من ائتلاف يمين الوسط ويسار الوسط وحركة «الخمس نجوم» المعادية للمؤسسة السياسية في حصد غالبية المقاعد. وتمخضت نتائج الانتخابات عن برلمان معلق، الأمر الذي سيخلق صعوبة كبيرة أمام جهود تشكيل حكومة، ناهيك بحكومة مستقلة.

بيد أن الجانب الحسابي البسيط لا يكشف حقيقة النتيجة الدراماتيكية التي أفرزتها الانتخابات، ذلك أن هذه النتائج تشكل انتصاراً للقوى المعادية للمؤسسة السياسية لا يقل في ضخامته عن استفتاء «البريكست» أو فوز دونالد ترمب في الانتخابات الرئاسية الأميركية. وعلى ما يبدو، فإن قوتين شعبوتين في طريقهما معاً لضمان الحصول على نصف الأصوات. وتبدو حركة «الخمس نجوم» في طريقها لأن تصبح الحزب الأكبر وبفارق كبير عمن يليها داخل إيطاليا، مع حصدها أكثر من 30 في المائة من الأصوات. داخل تكتل يمين الوسط، تبدو «الرابطة» الحزب المهيمن، متقدمة بذلك على «فورزا إيطاليا» الذي يتزعمه سيلفيو برلسكوني.
وثمة جدال مشتعل داخل إيطاليا اليوم حول ما إذا كان كل من حركة «النجوم الخمسة» و«الرابطة» بإمكانهما التعاون معاً وتشكيل تحالف مناوئ للاتحاد الأوروبي. ومن المحتمل أن تتمكن هذه الشراكة من تشكيل حكومة، ومع هذا سيكون من الصعب سياسياً الإبقاء عليها. يذكر أنه رسمياً تعتبر «الرابطة» ائتلافاً حاكماً مع يمين الوسط وتجلس اليوم في مقعد القيادة. وباعتبارها الحزب الأكبر، فإن بإمكانها اختيار مرشحها المفضل لمنصب رئيس الوزراء. أما قاعدة حركة «الخمس نجوم»، فتتألف من كثير من اليساريين الذين سيعارضون الدخول في تحالف مع «الرابطة» وفي أول تصريحات له في أعقاب الانتخابات، قال ماتيو سالفيني، زعيم «الرابطة»، إنه يعارض الدخول في شراكة مع حركة «الخمس نجوم». ومع هذا، فإنه بصورة ما يبدو كل هذا دونما أهمية، بينما تكمن النقطة الكبرى في أن غالبية الناخبين اختاروا أن يديروا ظهورهم للمسار الذي اتخذته إيطاليا منذ ذروة أزمة الديون السيادية. الملاحظ أن الحكومة التكنوقراط التي قادها ماريو مونتي والإدارات الثلاث التي تشكلت حول الحزب الديمقراطي تشاركت في سمة واحدة؛ فقد سعوا جميعاً نحو تحديث الاقتصاد الإيطالي - عبر رفع سن التقاعد وتمرير إصلاحات بسوق العمل.
من ناحيتهما، لا ترغب «الرابطة» وحركة «الخمس نجوم» في سماع أي من ذلك. وتتضمن برامجهما تقديم منح سخية أو تقليص سن التقاعد، الأمر الذي يتعذر تحقيقه دونما إقرار تخفيضات كبيرة في الإنفاق. باختصار، يرغب الاثنان في تجاوز القواعد المالية الأوروبية.

وتنطوي هذه المسألة على معضلة كبرى بالنسبة لباقي أطراف منطقة اليورو، وتتجلى المفارقة في أن ذلك يحدث في الوقت الذي بدأت تتاح فيه نافذة لإصلاح تكتل العملة الموحدة. من ناحيته، كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في انتظار قدوم إدارة جديدة في برلين (جرت الموافقة عليها بالفعل، الأحد) لاختبار أفكاره بخصوص الإقدام على قدر أكبر من التشارك في المخاطر بين الدول الأعضاء بمنطقة اليورو مقابل إدارة أكثر حزماً للشؤون المالية العامة. إلا أن النتائج التي خرجت بها الانتخابات الإيطالية تشكل تحدياً لهذا التوجه.
من ناحيتهما، يمكن لألمانيا وفرنسا تقديم رد فعل لهذا الموقف على نحوين: بإمكانهما وقف عملية مزيد من الاندماج بين دول اليورو، بالنظر إلى أنه من غير المحتمل أن يلقوا حماساً من قبل إيطاليا. أو يمكنهما التعامل مع إيطاليا باعتبارها الطفل المشاكس والمضي قدماً في تنفيذ الحل المفضل لديهما، ثم يطالبان روما بالانضمام إلى أي شيء يتفقان عليه. أما المؤكد فهو أن إيطاليا ستضطلع بدور ضئيل للغاية في تصميم القواعد الجديدة

تنويه: إن الآراء الواردة في قسم «تقارير وآراء»- بما قد تحمله من أفكار ومصطلحات- لا تعبِّر دائماً عن السياسة التحريرية لصحيفة «قاسيون» وموقعها الإلكتروني