المشهد السياسي الألماني (2)| تداعي يقابله عدم نضوج
إينس شويردتنر إينس شويردتنر

المشهد السياسي الألماني (2)| تداعي يقابله عدم نضوج

  • تداعي الحزب الاشتراكي الديمقراطي:

سواء داخل أو خارج الحزب، فقد توضح في الأسابيع الماضية بأنّ الحزب الديمقراطي الاشتراكي الألماني تنقصه المخيلة السياسية وتنظيماً على مستوى القاعدة الشعبية. لقد باتت منظمة شباب الحزب تعمل بوصفها سلماً مهنياً لقادة الحزب المستقبليين عوضاً عن كونها حاضنة للرؤى السياسية الكبرى. ورغم أنّه يفترض بأنّ المحفز لحملة جناح الشباب «نو-غروكو» هو حركة جيرمي كوربين ذات الزخم، فلا يجب علينا انتظار صعود نتوقع ديناميكية مشابهة. لخصت زعيمة الحزب المعينة حديثاً: أندريا ناليس، هذا عندما وصفت تجديداً، أثناء الوجود في الحكومة، في مؤتمر الحزب الأخير. لقد أوصلت تصريحها المتناقض بنغمة مستعدّة للقتال، لكنّ شخصيات الحزب البارزة ومنصته بقيت كما هي تماماً.

تعريب: عروة درويش

تمّت على سبيل المثال تسمية أولاف شولز وزيراً للتمويل. وبوصفه مهندساً لسياسات الحزب الديمقراطي الاشتراكي النيوليبرالية في بداية القرن، عمل شولز جاهداً ليقمع تظاهرات الجناح اليساري أثناء لقاء مجموعة العشرين أثناء وجوده كعمدة لهامبورغ. ومثلما فعل سلفه ولفغانغ شويبله، فسيلتزم بما يدعى: سياسة «الصفر الأسود» عبر تفادي أيّ إنفاق بالعجز، ولن يسمح بأيّ سياسات كينزية من أجل تحفيز الاقتصاد. إنّ حقيقة أنّ الديمقراطيين الاشتراكيين هم من يديرون الآن الموازنة الفيدرالية، سيحقق اختلافات بالكاد يمكن ملاحظتها. فبعد كلّ شيء، وجوده يدلّل على مدى القرب الذي نما بين الحزبين الكبيرين.

إضافة لذلك، شولز سيسعى لسياسة استقرار مالي-نقدي داخل الاتحاد الأوربي. هذا يعني بأنّه لن يغيّر في الغالب النموذج الذي تعتمده الحكومة الألمانية في التوفير والتقشف. سيستمرّ الائتلاف في الحفاظ على استقرار العملات وعلى القدرة التنافسية لألمانيا ضمن الاتحاد.

أمّا السياسات الموجهة اشتراكياً، مثل الحدّ الأدنى للأجور الأوربي، فتظهر في اتفاق الائتلاف بأكثر التعابير غموضاً. في الواقع بالكاد هناك أيّ إشارات على التجديد على الصعيد الأوربي كليّة. وكنتيجة لذلك، فإنّ فائض التصدير الهائل، وسياسة اللا-دين الخاصّة بها، والسياسات النقدية التي تدفعها في البنك المركزي الأوربي، ستستمرّ جميعها في منع حدوث أيّ توازن اقتصادي أو اجتماعي داخل الاتحاد الأوربي.

  • المعارضة غير الناضجة... بعد:

رغم القوّة الاقتصادية الألمانية الظاهرة، فإنّ علامات الركود تلوح في الأفق. وتتهم جميع أحزاب المعارضة، وهي محقة بذلك، الائتلاف الكبير بالركود وبافتقارهم للأفكار. لكن لم يقم أيّ واحد من هذه الأحزاب بصياغة مشاريع مضادّة جادّة.

ينقسم حزب البديل لأجل ألمانيا إلى جناح ليبرالي-سوقي وآخر اشتراكي-قومي، مع التنويه إلى أنّ الخطاب الشعبوي اليميني يجمع كليهما. أمّا الخضر فقد انتخبوا قيادة جديدة، وهي تحاول إعادة اكتشاف السياسات الليبرالية-اليسارية، لكنّها تبدأ في الحقيقة بتطوير برنامجها الرأسمالي الأخضر من أجل قاعدتها من الطبقة الوسطى. ويحاول الديمقراطيون الليبراليون الأحرار أن يموضعوا أنفسهم وراء برنامج للتحديث وللابتكار التكنولوجي، ووراء كاريزما زعيمهم كريستيان ليندنر.

أمّا حزب «دي لينكه» اليساري فلم يستفد بعد من تراجع الحزب الاشتراكي الديمقراطي. ففي القضايا العامّة، الحزب منقسم بين موقفه من الهجرة ومدى الضغط الذي تفرضه على دولة الرفاه. يُنظر للأمر على أنّه جدال بين زعيمة الحزب كاتيا كيبينغ ورئيسة المجموعة البرلمانية سارة فاغنكنخت. يتمّ إظهارهما في الجدالات الداخلية للحزب على أنّهما وجهان يمثلان فصيلان مختلفان: فكيبينغ تمثّل الفصيل الشابّ العالمي من جهة، وفاغنكنخت تمثّل الطبقة العاملة من جهة ثانية.

يؤدي هذا الانقسام في دي لينكه إلى شلّ القضيّة المركزيّة الأساسية للحزب: وهي كيفيّة تطوير جدول أعمال يساري على المستوى الوطني والأوربي. بأيّ حال، فشلت دعوة فاغنكنخت لتشكيل حركة يسارية واسعة حتّى الآن في تطوير معالم دقيقة مطلوبة، ولا يزال الداعمون المحتملون خارج الحزب مترددين.

تحتلّ جميع الأحزاب المعارضة ما يقارب من 10%، وتتنافس فيما بينها لتكون هي صوت المعارضة الأعلى. وجميعهم يبحثون عن مشروعهم المهيمن وعن الشخص الملائم من أجل هكذا حركة. ولا تزال مسألة التحالفات الممكنة في المستقبل مفتوحة.

في ظلّ هذه الظروف، سيكون من الصعب على ميركل أن تدفع عن نفسها التهديد، الخارجيّة منها والداخلية. فالنمط السياسي الذي تتبعه من المساومة وإدارة السياسات النيوليبرالية، والذي صاغه من قبلها الحزب الديمقراطي الاشتراكي بقيادة غيرهارد شرودر، قد استنفذ مضامينه على الأرجح. ليس من الواضح إن كانت ميركل مع تحالفها سيكونون قادرين على النجاة في الصدمة الخارجية الكبرى التالية، سواء أتمّت تسمية هذه الصدمة بأزمة اللاجئين أم بالانهيار المالي. وفي ذات الوقت، فإنّ الصراعات داخل الحزبين الحاكمين يمكن أن تؤدي بسهولة إلى نهاية التحالف قبل أوانه. وحتّى عندما نأخذ بالاعتبار موافقة أعضاء الحزب الاشتراكي الديمقراطي على التحالف، فمن الصعب التنبؤ فيما إن كانت الحكومة ستبقى لكامل فترتها.

لكنّ الأكيد والواضح بأيّ حال هو أنّ هذا التحالف «الكبير» سيكون آخر تحالف في ظلّ قيادة ميركل. فهو يشير إلى بداية انتقال كبرى إلى تولي حزب جديد للمستشارية وإلى معالم سياسية مختلفة، ولا يزال علينا أن نترقب رسم معالمها بدقة.

تنويه: إن الآراء الواردة في قسم «تقارير وآراء»- بما قد تحمله من أفكار ومصطلحات- لا تعبِّر دائماً عن السياسة التحريرية لصحيفة «قاسيون» وموقعها الإلكتروني