الدعارة الخيريّة:  الجدل حول أوكسفام
بينوي كامبمارك بينوي كامبمارك

الدعارة الخيريّة: الجدل حول أوكسفام

لقد تفوقت أوكسفام على نفسها. ففي مجال الأعمال القذر الضبابي الذي تطارده المؤسسات الخيرية، رسخت نفسها في مناطق الكوارث مثل فيروس، واحتلت مكانة عالية. من الناحية الكميّة، فإنّ عدد الانتهاكات الذي يرتكبه قطّاع الأعمال الخيرية يزداد بشكل مطرد، وتحتل أوكسفام البريطانية مرتبة متقدمة في الأمام في هذا السياق.

تعريب وإعداد: عروة درويش

أدّى ما انكشف الشهر الفائت عن قيام طاقم المؤسسة الخيرية باستغلال ضحايا زلزال هايتي عام 2010 بشكل جنسي، وهو الأمر الذي تمّ التستر عليه، إلى إشعال عاصفة من الحنق العام. ومن ضمن أعضاء الطاقم مدير المؤسسة النشيط هناك: رولاند فان هاورميرن، والذي انكشف اشتراكه في حفلات عربدة أثناء مزاولته لعمله الإنساني. كما أنّ الادعاءات حول حدوث انتهاكات جنسية في مكاتب الشركة قد تركت بصمتها أيضاً.

خسرت المؤسسة أكثر من سبعة آلاف مانح منذ الكشف عن الأحداث، وظهر الرئيس التنفيذي للمؤسسة: مارك غولدرينغ وهو يعتذر للعامّة أثناء مقابلة مع الغارديان، وذلك بعد أن أدلى بملاحظة مهمة عن كون المؤسسة تتعرض للهجوم: «كما لو أنّنا قتلنا الأطفال في أسرتهم. من المؤكد بأنّ حجم وشدّة الهجمات لا تتناسب مع مستوى ما حدث. أنا أجاهد لأفهم ما الذي يجري».

وكان التعقيب الرسمي الذي صدر عن المؤسسة أكثر تواضعاً، وإن كان ذلك مصحوباً بإصرار على أنّه تمّ تنفيذ تدابير إصلاحية: «من الواضح بأننا لم نفعل ما يكفي لتغيير ثقافتنا الخاصة، وإنشاء السياسات الأكثر شدّة من أجل حماية الناس الذي نعمل معهم حول العالم. نحن نقوم بذلك الآن، لكن علينا أن نفعل أكثر من ذلك، وأن نتصرف بأسرع ما نستطيع».

وهناك على الجانب المقابل للمنقذ الأخلاقي، المعتدي مساعد-الذات. تحتاج مثل هذه الأفكار ليتم استدعائها. إنّها الحقيقة البشعة التي ستتجلى قريباً. فقابلية الوقوع ضحيّة أكبر منها قابلية الخلاص، محشوراً في العلاقة القائمة بين الضحية ومنقذيها من السماسرة. بأي حال، يمكن رؤية مهمة الإنقاذ من الناحية التاريخية بوصفها جزءاً من الفكرة القديمة عن مشروع التحضير (النقل من الهمجية إلى الحضارة). مشروع الإنسانية المعاصر هو استعماري-كولونيالي من حيث المشاعر والذنب الإباحي الذي يجد ملجأ له في الحاجة واليأس.

فمثل هذه المهمة التمدينيّة بالتحديد هي ما قيل بأنّها تثير الذعر. فالمسؤولون عن عملية التحضير، وأثناء اضطلاعهم بأعباء مهماتهم، سوف يواجهون بيئات قاسية وجغرافيا عنيدة ومحليون يفتعلون المشاكل.

ومثل هذه الخلفية بالتحديد هي من تمنح الحجّة والمبرر للمسؤولين عن التمدين والتحضير من البيض، عن سلوكهم السيء الذي يصبح في هذا السياق مجرّد حوادث جانبيّة أثناء مواجهة الضرورات بنبل. قال الجغرافي إليزوارث هونتنغتون في كتابه التمدين والطقس عام 1915، بأنّ المناطق المعتدلة تولّد تحفيزاً ذهنياً، في حين أنّ المناخات الاستوائية تسبب «جموداً ذهنياً».

لقد ركّز أمثال هذا الجغرافي من الدجالين المتحمسين على الانحلال المبرر بوصفه من مخاطر المهنة. تمّت صياغة عبارة «الوهن العصبي الاستوائي» من قبل تشارلز وودروف في عام 1905 في كتاب: «تأثير الشمس الاستوائية على الرجل الأبيض»، ليبرر الجنون الحاصل بين جنود الولايات المتحدة المتواجدين في الفلبين. (محاولاً إظهار أنّ الموجودين في أماكن أكثر برودة هم أقلّ إثارة للمشاكل): «وفقاً لتعقيدات الإنسان ومقاومته العامّة للإرهاق الناجم عن الاستقلاب الزائد، فإنّ تأثير الشمس يمكن أن يكون منسلاً ليظهر الضعف العصبي أو التوتر لدى الرجال الأكبر سناً خصوصاً».

وتساعد مثل هذه المؤلفات عالم الاجتماع البريطاني بينجامين كيد في تعزيز وجهة نظره القائلة بأنّ الشعوب القادمة من أماكن معتدلة مناخياً غير قادرين على التأقلم مع المناخات الاستوائية.

إن أخذنا مثل هذه العناصر في الحسبان، فإنّ عمّال الإغاثة المعاصرين الذين يدمى القلب لمعاناتهم، أصبحوا في مكان الرجال الذين بنوا المستعمرات. هذا الوجه هو جزء من صناعة الإغاثة المعاصرة، والتي تتخفى وراء الممارسات الخيرية. وفقاً لأفوا هيرش، فإنّ مثل هذه النظريات عن الوهن العصبي الاستوائي كان يجب أن تسقط بعد الحرب العالمية الثانية: «لكن وحتّى اليوم فإنّ فهمنا للدول التي تتلقى مساعدات إنسانية لا يزال يقف على أرضية شبيهة بالتفكير الاستعماري-الكولونيالي».

وحتّى أولئك الذين يعتبرون بأنّهم متنورون ويقرؤون أبعد من أنوفهم، يجدون مساحة، ولو كانت صغيرة، يدافعون فيها عن هكذا بعثات. فالفقر والكوارث يستدعيان الافتراضات. فكما قالت ماري بريد من جامعة كامبريدج: «أتساءل عن كمّ المشقة التي يجب احتمالها من أجل الحفاظ على القيم [الحضارية] في المناطق المنكوبة». ولن تكونوا مخطئين إن تكهنتم بأنّ مثل هكذا تصريح سيكون متبوعاً بالقول: «وهذا بكل تأكيد لا يجعلنا نتغاضى عن السلوك [المزعوم] لطاقم أوكسفام في هايتي أو أي مكان آخر».

وبعد أن تلقت بيرد انتقادات غاضبة واسعة النطاق على مصطلحاتها، والتي اعتبرت الفواصل والأقواس حولها غير ذات قيمة، استتبعت تصريحها هذا بتصريح آخر يعيدنا إلى جوّ الاستعمارية-الكولونيالية. فبعد أن أعلنت بأنّه «تمّ اختزال كلماتها ممّا جعلها مضللة»، قالت مستنتجة: «يسهل علينا أن نتخيّل بأننا أفضل من أولئك الذين يقومون بالعمل الذي نخشى القيام به». إنّ فحوى مثل هذه المشاعر المؤطرة ضمن شعور ملزم نبيل، واضح. فهي تقول بأنّ الذين يقومون بأعمال الإنقاذ والتحضير غير الواعي هم بشر أيضاً. هذا يعني بأنّ الأخلاق الأرستقراطية النبيلة حيّة وتحرّك أذرعها في نهاية المطاف.

تنويه: إن الآراء الواردة في قسم «تقارير وآراء»- بما قد تحمله من أفكار ومصطلحات- لا تعبِّر دائماً عن السياسة التحريرية لصحيفة «قاسيون» وموقعها الإلكتروني