من يسيطر على العالم؟
مجاهد قمران مجاهد قمران

من يسيطر على العالم؟

كتب البروفسور مجاهد قمران مقالاً يتساءل فيه عمّن يسيطر على العالم، ويحاول البحث عن إجابة له. وبدأ مقاله باقتباس عن رئيس الولايات المتحدة الثامن والعشرين وودرو ويلسون: «منذ دخلت مجال السياسة، أكثر ما رأيته هو أشخاص يكشفون لي عن أسرارهم. إنّ بعضاً من أهم رجالات الولايات المتحدة في مجالات التجارة والتصنيع، يخشون من شيء واحد. إنّهم يعلمون أنّ هناك قوّة في مكان ما منظمة جداً وبارعة جداً وحذرة جداً ومعقدة جداً وكاملة جداً وواسعة جداً، بحيث يفضلون خفض صوتهم جداً عندما يتحدثون عنها».

تعريب وإعداد: عروة درويش

إنّهم باختصار العوائل الأكثر ثراء على وجه الكوكب، والتي تتركز الثروة بيدها. إنّها هي من قادت صناعة أسلحة الدمار الشامل عبر توجيه الإعلام والتعليم والعلوم ناحيتها. وهؤلاء الأثرياء لا تعرف سطوتهم حداً، فهم يعتبرون جميع البشر مجرّد قمامة. فكما اقتبس الكاتب قول البارون ماير روتشيلد الذي عاش في عهد قوّة بريطانيا العظمى: «أنا لا أهتم أبداً بالدمية التي ستجلس على عرش إنكلترا من أجل حكم الإمبراطورية البريطانية التي لا تغيب عنها الشمس. فالرجال الذين يسيطرون على موارد مال البريطانيين هم من يحكمون الإمبراطورية البريطانية، وأنا الذي أسيطر على موارد مال البريطانيين». وما هو صحيح بالنسبة للإمبراطورية البريطانية، صحيح أيضاً بالنسبة لإمبراطورية الولايات المتحدة التي يسيطر عليها النخبة المالكة للبنك الاحتياطي الفدرالي.

ويقتبس المقال عن البروفسور كارول كيغلي: «إن قوى الرأسمالية المالية لديها هدف أبعد بكثير، وهو لا يقلّ عن إنشاء نظام عالمي تكون فيه السيطرة على التمويل للقطاع الخاص، بحيث تكون قادرة على الهيمنة على النظام السياسي في كلّ دولة في العالم... وقد أتاح نموّ الرأسمالية المالية لمركزة الاقتصاد العالمي ولاستخدام هذه السطوة لمنفعة الممولين المباشرة، رغم تسبيبها لضرر غير مباشر لبقيّة المجموعات الاقتصادية».

  • العصبة العليا التي تحدث عنها كينيدي:

قال كينيدي في تصريح صحفي عام 1961: «إن كلمة سري لهي بغيضة في مجتمع حر ومنفتح، ونحن شعب نناهض بشكل متجذر المجتمعات السريّة والعهود السرية والإجراءات السريّة. وبما أننا نناهض عالماً تحكمه مؤامرة متجانسة لا رحمة فيها، فهذا يعني بأننا نناهض كذلك وسائلها المخفية لتوسيع فضاءات نفوذها. فهي تعتمد على الخبث وليس على الاجتياح، وعلى الدسائس بدلاً من الانتخاب، وعلى الترهيب بدلاً من الخيار الحر. إنّها نظام يجنّد كميات هائلة من الموارد والبشر لبناء آلة محكمة التنظيم تؤدي عمليات عسكرية ودبلوماسية ومخابراتية واقتصادية وعلمية. وهذه العمليات مخفية وليست علنية. يتم إخفاء أخطاء هذا النظام، ويتم إسكات منتقديه... وأنا أطلب عونكم في المهمة الهائلة في إطلاع وتحذير الشعب الأمريكي منه».

لقد أصدر كينيدي في الرابع من حزيران 1963 أمراً لوزارة المالية بطباعة دولاراً يكون بديلاً عن دولار البنك الاحتياطي الفدرالي (الأمر التنفيذي رقم 11110). وقد اشتمل الأمر كذلك على أن يتم سحب عملة البنك الفدرالي من التداول حال وضع عملة الدولة الأمريكية مكانه. بعد عدّة أشهر، وتحديداً في 22 تشرين الثاني 1963، تمّ اغتيال كينيدي في ضوء النهار وعلى مرأى من العالم أجمع. وقام خلفه ليندون جونسون بسرعة بإبطال الأمر، ليظهر بشكل جلي سبب اغتيال كينيدي.

وهناك أمر آخر تمّ إبطاله بعد موت كينيدي: إنّه أمر سحب «خبراء» الجيش الأمريكي من فيتنام. فبعد أزمة الصواريخ الكوبية، أراد كينيدي سلاماً مع الاتحاد السوفييتي، وعنى هذا أنّ الحروب قد تتوقف في العالم. لقد خشي كينيدي بأنّ الحرب القادمة ستكون حرباً نووية، ولن يكون هناك فيها أيّ رابح.

وبكلمات الكاتب: «إنّ صناعة العسكرة والمصارف التي تطبع لها المال، مملوكان كلاهما من قبل النخبة، وهذه النخبة تحدث دوماً [نزاعات متحكم بها] ... لقد كانت كلا الحربان العالميتان بالنسبة للنخب [نزاعات متحكماً بها]. إنّ غرور هذه النخب وقدرتها على اللامبالاة وتركيزها على مصالحها وعدم اهتمامها بالحياة البشرية وقدرتها على التخطيط لعقود للأمام وعلى تعديل الخطط لتناسبها، هو أمر يجعل يجعلنا مرتبكين».

لقد قال أندرو جاكسون، رئيس الولايات المتحدة بين عامي 1829 و1837، بعد أن أغضبته تكتيكات المصرفيين: «أنتم وكر أفاعي. أنا أنوي أن أهزمكم بالاستعانة بالإله الأزلي. لو علم الشعب مدى اللامساواة في نظامنا المالي والمصرفي، فستقوم الثورة منذ الصباح».

  • البنية المعقدة-المستمرة لسيطرة النخب:

اقتبس الكاتب عن كتاب النظام العالمي ليوستاس مولينز: «تحكم عائلة روتشيلد الولايات المتحدة ومؤسساتها ومجلس العلاقات الخارجية ونظام البنك الاحتياطي الفدرالي، دون وجود أي تهديد على سطوتهم. يتم إطلاق [الحملات السياسية] باهظة الثمن بشكل روتيني، مع مرشحين مراقبين بشكل جيد وملتزمين بالنظام العالمي القائم. وإن قاموا بشكل عرضي بالانحراف عن البرنامج الموضوع لهم، فسوف تحصل لهم [حوادث]. يمكن لهذه الحوادث أن تكون فضائح جنسية أو تهم جنائية أو يتم اتهامهم بقضايا مالية».

لكن وكما يتساءل الكاتب: «إنّه لأمر مذهل كيف بإمكان [هؤلاء] أن يمارسوا سطوتهم وأن يجدوا دوماً من يلتزم ببرامجهم، وكيف يتخذون على الدوام القرارات [الصائبة] في الوقت المناسب. إنّ هذا الأمر ممكن فقط عبر البرامج المخفية لتجنيد وتدريب الكوادر بشكل عقلي وإيديولوجي وفلسفي ونفسي على مدى فترة طويلة من الوقت، وزرع هؤلاء الكوادر في مراكز القوى في بلدان مثل الولايات المتحدة وبريطانيا ...الخ. يبدأ التدريب في عمر مبكر عموماً، وضمن منهجيّة متسقة ومستمرة...». لكن كيف يحدث هذا؟

يبحث الكاتب في أعمال أشخاص أكاديميين عانوا للوصول إلى الحقيقة ولكنهم لم يستسلموا: «أمثال أنتوني سوتون ويوستاش مولينز وجون كولمان... أينما تتبعت موارد المال لمبادرات كبرى تهدف لإشعال حروب كبيرة، فستجد سياسات مستقبلية تعزز هيمنة النخب على البشرية. وستجدها متصلة بشكل حتمي بما يسمّى عائلات المصرفيين والمؤسسات المثيرة للضحك العاملة بإمرتهم».

ويشدد المقال لشرح الاستمرارية في السيطرة: «جميع الشباب الذين يدرسون في جامعات البرستيج العاجي، وفي غيرها من الجامعات، عليهم أن يُبقوا في أذهانهم أنّهم على الدوام محل مراقبة من بعضهم أساتذتهم-الكشافين من أجل اختيارهم من بين المجموع، ليتسلموا مهام خدمة النخب، وليصبحوا جزءاً من الشبكة العالمية المعقدة والمخفية التي تنطق باسمها مؤسسات ومجتمعات علنية تسعى لتثبيت النظام العالمي... إنّ هؤلاء الذين وقع عليهم الاختيار وتمّ عزلهم عن البقية وأوكلوا بالمهام، سوف يتم مكافئتهم بالمزايا وبالتقدم المهني، وسيتم قتلهم إن هم تداعوا أو انحرفوا عن المسار... فالسريّة والولاء المطلق شرطان رئيسيان لاستمرار نجاح البرنامج».

تنويه: إن الآراء الواردة في قسم «تقارير وآراء»- بما قد تحمله من أفكار ومصطلحات- لا تعبِّر دائماً عن السياسة التحريرية لصحيفة «قاسيون» وموقعها الإلكتروني