داء «المحسنين» الرأسماليين
تي. ريفرز تي. ريفرز

داء «المحسنين» الرأسماليين

كتب تي. ريفرز مقالاً يتناول فيه الوجه الحقيقي لمحسني الرأسمالية وأعمالهم الخيرية، والتي لا تصب إلّا في خدمة مصالحهم الشخصية، وتحويل كلّ ما تمسه أيديهم إلى ذهب يمكنهم عبره تحطيم المجتمعات التي «يحسنون» فيها. ويبدأ المقال بمثال بارز من هؤلاء المحسنين الرأسماليين هو هاورد بوفيه: «الذي لا يمكنك أن تمشي خطوة في شرق جمهورية الكونغو دون أن تمس أحد مشاريعه... وبوفيه هو المدير السابق لشركة كوكا-كولا وابن ثالث أثرى رجل في العالم».

تعريب وإعداد: عروة درويش

ويقول الكاتب: «رغم أنّ المحسنين يقولون بأنّهم يساعدون الفقراء، فإنّهم في الحقيقة وكما هو موثق يساعدون أنفسهم. لقد أنشأ رجال الأعمال الأثرياء أوّل مؤسسة خيريّة أمريكيّة في بداية القرن العشرين من أجل تحصين أنفسهم من الضرائب، ومن أجل البرستيج، وللحصول على صوت في الشؤون العالمية. ومنذ ذلك الحين، بدأ المحسنون يحتلون بشكل متزايد موقعاً مهيمناً في التنمية الاقتصادية، ويمارسوا تأثيرهم على الحكومات والمنظمات الدولية على السواء».

وكما يقتبس المقال عن بروفسور التنمية الاقتصادية بيهروز مورفاريدي: «المحسنون الرأسماليون ملتزمون سياسياً وإيديولوجياً بالمقاربات السوقية». فهم ينفقون مبالغ هائلة من المال في حلّ المشاكل المعقدة تاريخياً: عبر توسيع القطاع الخاص والاستثمار في الإصلاحات التقنية. وهم يمررون فكرة أنّ الرأسمالية ليست هي السبب في مآسي العالم، بل هي الحل لها.

  • دعمهم لنظام يخدمهم:

يعقب ريفرز: «لكنّ المشكلة في ادعاءات المحسنين الرأسماليين بالحل، أنّها متجذرة في ذات النظام الاقتصادي الذي سمح لهم بتوليد هذه الثروة الهائلة في المقام الأول. يظهر مارتينز وسيتز في دراستهما أنّ المنح الخيريّة تمثل: [الوجه الآخر لازدياد اللامساواة بين الأثرياء والفقراء]. فهذه المنح تكشف عن صلة مباشرة بين: [تراكم الثروة المتزايد، والإجراءات الضريبيّة المترهلة، والتمويل الموجه لحماية مصالح المحسنين]».

فالحلول التي يعطيها هؤلاء المحسنون الرأسماليون في مجالات مثل الصحة العامة والتعليم والزراعة تؤدي وتقوم أساساً على تقليص الإنفاق العام وتحويل الانتباه عن الأسباب الهيكليّة التي أدّت إلى الفقر: ففي الزراعة مثلاً، يضع هؤلاء المحسنون عوائق بنيوية مثل اتفاقيات التجارة الحرة التي تزيل الرسوم الجمركية وتسمح للدول الثريّة بشراء المنتجات بأزهد الأسعار، وإلى استنفاذ الأرض مثلما حدث في عام 2016 حيث أثّرت مثل هذه التغييرات البنيوية على قرابة ثلاثين مليون هكتار من الأراضي.

ورغم بعض الاختلافات الشكلية بين هؤلاء المحسنين، مثل انتقاد بوفيه لفرض النموذج الصناعي الأمريكي للزراعة في إفريقيا، وهو الذي دافع عنه زميله في «نادي المحسنين الرأسماليين» بيل غيتس، فإنّ استثمارات بوفيه في الكونغو الشرقية ورواندا كانت مصممة لتدعم أنظمة التوجه نحو السوق: «فقد تعاون بشدّة مع [شركاء لأجل البذور في إفريقيا] و[برنامج أنظمة بذور إفريقيا]، وكلاهما ممّن يدعم شركات البذور الخاصة التي تبيع بذور معدلة جينياً وأسمدة كيمياوية للمزارعين. وهي العمليات التي تمّ انتقادها لكونها تقوّض ممارسات المزارعين الخبيرة المتصلة بالأرض وتقضي على تنويعها وحفظها وتبديلها. إنّ كلا البرنامجين شركاء في التحالف المشبوه [الثورة الخضراء في إفريقيا] والذي يعزز بتعزيز مجال الأعمال الكبرى في القارة واستغلاله لقوانين الملكية الفكرية من أجل تثبيت سيطرة الشركات على البذور».

وفي ذات اتجاه زميله بيل غيتس، استثمر بوفيه 47 مليون دولار في مشروع مشترك مع عملاق الصناعات الزراعية سيئة السمعة مونسانتو، وذلك تحت الهدف المعلن «تطوير تنوّع محاصيل الذرة الفاعلة بما يخص المياه، والمخصصة للمزارعين الصغار». لكن الهدف الحقيقي من هذا المشروع هو تحويل زراعة وإنتاج بذور وتسويق الذرة إلى القطاع الخاص، ليضمنوا بعدها قيام المزارعين الصغار المشتتين بالاعتماد بشكل كلي على بذور الذرة المعدلة جينياً مع ما يصحبها من أسمدة ومبيدات حشرية تنتجها شركات الكيميائيات الزراعية.

  • دولة البلوتوقراط:

كما يقول الكاتب: «إن وضعنا جانباً السخرية في أن يقوم أحد مدراء كوكا كولا وحاملو أسهمها بتمويل الأبحاث من أجل تخفيض آثارها الخطرة، فيجب أن نتذكر بأنّ بوفيه، الذي يقرر كيف يجب على فلاحي إفريقيا أن يزرعوا محاصيلهم، قد كان أحد أعضاء مجلس إدارة عملاق الأغذية [كونغرا فودز]، التي تواجه تهم قضائية بالإساءة للعمّال وللقوانين البيئيّة».

ومن الواضح بأنّ هذه المؤسسات باتت تشكل «دولة داخل دولة». فمؤسسة بوفيه مثالاً: رغم استخدامها لنفوذها لمنع التنقيب عن النفط في مناطقها وهو الأمر الذي يخدم التنوع الحيوي، فقد ضغطت على السطات لتهجير السكان الأصليين من قراهم وطردهم منها. وهناك أيضاً مسألة ثمن الكهرباء الذي تولدها محطّة توليد الطاقة الكهرومائية المملوكة للمؤسسة، والتي ارتفعت مؤخراً من 5 دولار إلى 50 دولار للاستعمال المنزلي. وتبدو قوّة هذه المؤسسات السياسية في توسط مؤسسة بوفيه وتمويلها لمحادثات السلام بين متمردي M23 وحكومة أوغندا، خاصة عندما أعلن فريق خبراء الأمم المتحدة بأنّ حكومة رواندا هي من تدعم هؤلاء المتمردين، وقفت مؤسسة بوفيه ضدّ إيقاف المساعدات عن رواندا. إنّ نعت هذه المؤسسات لنفسها بأنّها غير سياسيّة لا يعني بأنّها تقول الصدق.

وينسحب الأمر على بقية المؤسسات مثل مؤسسة بيل وميليندا غيتس الخيريّة، فقد أشارت الكاتبة الاقتصاديّة جوان باركينز إلى أنّ المشكلة في المؤسسات الخيريّة الخاصة أنّها: «غير ديمقراطيّة بالمرّة، إن لم نقل بأنّها مناهضة للديمقراطية... فهي تتدخل في الحياة العامّة، ولكنّها تقف فوق محاسبة العامّة لها. إنّها تحكم بشكل خاص، ولكنّها مدعومة من القطّاع العام ومعفاة من الضرائب. وهي تعزز بشدّة مشكلة البلوتوقراطية: أي أن تصبح السلطة بيد من يملك الثروة».

  • الكلمة لمن يدفع:

لا تبخل هذه المؤسسات السخيّة في دعمها كذلك لوسائل الإعلام المتنوعة، العالميّة منها والمحليّة. ورغم أنّ هذه المؤسسات لا تنفكّ تخبرنا بأنّ دعمها لوسائل الإعلام المتنوعة بالإعانات والتبرعات هو في صلب عملها الخيري، فقد أنشأت مجال عمل خيري آخر هو وسائل الإعلام التي تنطق عنها. فرغم تأكيد جنيفر هايمن، مسؤولة العلاقات العامّة في منظمة النساء الدولية الخيرية التي تلقت الكثير من النقد لقمعها أيّ أخبار ناقدة لنظام كاغما في رواندا: «إن دعمنا للصحافة الأجنبيّة التي تبثّ من رواندا لا يناقض حرية تلك المؤسسات في قول ما تشاء، وتقوم المنظمة بتدريب مراسلين محليين في البلاد الموجودة فيها على ذات الأسس». وقد تلقت المنظمة، مع غيرها، نقداً على جميع وسائل إعلامها في دول مثل كولومبيا والبحرين وأذربيجان.

ويعقّب الكاتب: «عند إلقاء نظرة عن قرب على المنظمات التي تتبرع لحريّة الصحافة، فيمكننا أن ننظر إلى قائمة المتبرعين عام 2013 التي تضم شركات متعددة الجنسيات مثل عملاق الأدوية فايزر، وهي التي تواجه تهماً بالإساءة للعمالة ولحقوق الإنسان وللبيئة، ومن بين هذه التهم استخدامها لأطفال من نيجيريا كي تختبر دواء مضاد لالتهاب السحايا أدّى لموت أحد عشر طفلاً. أو مثل والمارت سيئة السمعة وممارستها المسيئة للعمّال. أو مثل شركة دول للأغذية، المتهمة بفرض ظروف عمل غير إنساني على عمالها، وتعريض عمّال المصانع في نيكاراغوا لسموم ممنوعة. أو مثل عمالقة النفط أوكسيدنتال وشيفرون، أو مثل إيفانكا ابنة دونالد ترامب...»

وينهي المقال بالاقتباس عن مورفادي: «إنّ المنظمات الخيرية، ومن بينها المنظمات الإعلامية، تعزز إيلاء الأولويّة لنخبة المحسنين الرأسماليين، وعليه تساهم في بناء الأجندة السياسية التي تدعمها». ويكفي أن ننظر إلى الأموال التي يخرجها أمثل هاوارد بوفيه من إفريقيا ومن أماكن تواجدهم الأخرى لندرك أنّ نظرتهم وعملهم يتركز بكامله على الخصخصة كدرب للتنمية، مقوضين بذلك كفاح الأشخاص العاديين في بناء مستقبل أفضل.

تنويه: إن الآراء الواردة في قسم «تقارير وآراء»- بما قد تحمله من أفكار ومصطلحات- لا تعبِّر دائماً عن السياسة التحريرية لصحيفة «قاسيون» وموقعها الإلكتروني