الموازنة الأميركية وضغط المدفوعات
جستن فوكس جستن فوكس

الموازنة الأميركية وضغط المدفوعات

طوال الجزء الأكبر من العقد الماضي، كان المستثمرون ذوو الدخل ثابت يقولون إلى الحكومة الأميركية: نرجوكم اقترضوا المزيد من المال.

كان الإجراء الكمي البسيط الذي جسّد هذا التوجه هو العائد على سندات الخزانة المرتبطة بالتضخم ذات السنوات الخمس، أو أوراق الخزانة المحمية من التضخم، الذي بلغ أقل من واحد في المائة منذ سبتمبر (أيلول) 2009، واستقر طوال الجزء الأكبر من تلك الفترة منذ ذلك الحين في المنطقة السلبية. نعم صحيح، لقد كان المستثمرون يدفعون للحكومة الأميركية حتى يحصلوا على أموالهم.

ربما يكون استخدامي لكلمة «مستثمرين» هنا مضللاً قليلاً، بالنظر إلى أن أكبر مشترٍ لأوراق الخزانة منذ عام 2010 حتى 2014 كان جهة أخرى تابعة للحكومة الأميركية، وهي مصرف الاحتياطي الفيدرالي، فقد شارك في محاولات تحفيز هائلة تعرف باسم التيسير الكمي. ظلت عائدات على أوراق الخزانة ذات السنوات الخمس تقترب من الصفر حتى بعد امتناع مصرف الاحتياطي الفيدرالي عن زيادة ما يملكه من أوراق الخزانة في أكتوبر (تشرين الأول) 2014، وفي كل الأحوال سمح شراء مصرف الاحتياطي الفيدرالي، والسوق لأوراق الخزانة للحكومة باقتراض مبالغ مالية هائلة بسعر فائدة منخفض إلى حد ما. وارتفع إجمالي الدين الفيدرالي من 9 تريليونات، بما يمثل 61.8 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، في نهاية العام المالي 2007، إلى 20 تريليونا، بما يمثل 105.5 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، في نهاية العام المالي 2017، لكن انخفضت في الوقت ذاته قيمة الفائدة على ذلك الدين كنسبة مئوية من إجمالي الناتج المحلي خلال تلك الفترة.

بطبيعة الحال ارتفعت أسعار الفائدة مؤخراً مرة أخرى. في حين لا يزال العائد على أوراق الخزانة المحمية من التضخم أقل من واحد في المائة، يظل أكبر مما كان عليه في أي وقت منذ عام 2011. وفي الوقت الذي قد تكون فيه الزيادة الأخيرة في عائدات السندات، وما يصاحب ذلك من اضطراب في سوق الأوراق المالية، أمورا عارضة زائلة، هناك على الأقل سببان يدفعان المرء إلى الاعتقاد بأن ما يحدث يمثل نقطة تحول. السبب الأول هو تحول توجه مصرف الاحتياطي الفيدرالي في أكتوبر من زيادة ما يملكه من أوراق خزانة إلى خفضه. السبب الآخر هو أنه مع الزيادة المرجحة لعجز الموازنة، الذي وصل إلى 3.5 في المائة من إجمالي الناتج المحلي في عام 2017، بمقدار 2 في المائة أو أكثر من إجمالي الناتج المحلي بسبب إقرار قانون الضرائب في ديسمبر (كانون الأول)، والموازنة خلال الأسبوع الماضي، سيزداد حجم اقتراض الحكومة خلال السنوات القليلة المقبلة.

يتم التعليق بشكل كبير على احتمال ألا يكون توقيت هذه الزيادة الجديدة في حجم الاقتراض هو الأمثل. ربما كانت زيادة الاقتراض في عام 2011 أو 2012، عندما كان معدل البطالة يتجاوز الـ8 في المائة، وسعر الفائدة الفعلي أقل من الصفر، أكثر منطقية مما هي عليه الآن. كاد أعضاء الحزب الجمهوري في الكونغرس يضرون بالاقتصاد حينها من خلال الدفع بقوة نحو خفض عجز الموازنة. إنهم بإصدارهم تشريعاً بزيادة عجز الموازنة يظهرون كمنافقين منتقدين رغم أنه من غير المؤكد بعد ما إذا كانوا سيضرون بالاقتصاد أكثر مما ينفعونه أم لا.

أقرّ مايك مالفاني، مدير مكتب الموازنة في البيت الأبيض يوم الأحد قائلاً: «من المؤكد أن هناك احتمالاً بأن ترتفع أسعار الفائدة». سواء «ارتفعت» أسعار الفائدة أم لم ترتفع، حدوث ارتفاع ولو طفيف في أسعار الفائدة، وزيادة حجم اقتراض الحكومة، سوف يجعل سعر الفائدة المستحق على الدين الحكومي يشغل جزءاً أكبر من المشهد المالي. بلغت نسبة إجمالي إنفاق الحكومة خلال العام المالي 2017، 20.8 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، أي أكبر قليلا من النسبة المئوية المتوسطة منذ 1980، والبالغة 20.6 في المائة. حتى عندما ينظر المرء في الإنفاق دون احتساب الفائدة، سيجد أن الفجوة بين نسبة الـ19.4 في المائة في عام 2017، ونسبة الـ18.4 في المائة منذ عام 1980، أكبر بشكل ملحوظ. سمح انخفاض أسعار الفائدة بزيادة الإنفاق على الأمان الاجتماعي، والرعاية الصحية، والإعانات الصحية، دون ارتفاع إجمالي الإنفاق الحكومي كثيراً، لكن هذا الوضع على وشك أن يتغير.

وتشكل مدفوعات الفائدة في الثمانينيات والتسعينيات ضغطاً كبيراً على الكونغرس لخفض عجز الموازنة من خلال خفض الإنفاق وزيادة الضرائب. لكن يبدو الوضع السياسي الراهن مختلفاً، حيث لا يظهر أن أياً من الديمقراطيين أو الجمهوريين يشعرون بقلق بالغ إزاء اتساع الفجوة في الموازنة، إذ يبدو أن الأرقام صعبة المراس، حيث لم يعد المال متاحاً بحرية وسهولة للحكومة الفيدرالية، وستبدأ مدفوعات الفائدة في الضغط على الموازنة مرة أخرى.

تنويه: إن الآراء الواردة في قسم «تقارير وآراء»- بما قد تحمله من أفكار ومصطلحات- لا تعبِّر دائماً عن السياسة التحريرية لصحيفة «قاسيون» وموقعها الإلكتروني