رجل المال يستثمر في المشاكل التونسية
د. آمال موسى د. آمال موسى

رجل المال يستثمر في المشاكل التونسية

يبدو لنا أن زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى تونس الأسبوع المنقضي تستحق التوقف عندها والتمعن في لغة الخطاب الرسمي الفرنسي الذي رافق هذه الزيارة، الأمر الذي جعلها حسب تقديرنا أكثر من زيارة دولة عاديّة ذات مقاصد دبلوماسيّة لا أكثر ولا أقل.

هناك عناصر أوليّة ذات معنى تفرض علينا التعامل مع هذه الزيارة بشكل خاص: أولاً لقد اختار ماكرون أن تكون تونس أول بلد عربي يؤدي له زيارة دولة منذ تاريخ فوزه في الانتخابات الفرنسيّة في مايو (أيار) 2017. العنصر الثاني الذي في اتصال مباشر مع العنصر الأول يتمثل في أن فرنسا كما قال ذلك رئيسها في مقابلة لجريدة «الشروق» التونسيّة هي أول شريك اقتصادي وتجاري لتونس، وهي أول بلد يتوجه إليه الطلاب التونسيون، وأول بلد أيضاً من حيث التبادل الثقافي والعلمي.

لنأتِ الآن إلى السياق، الذي بُرمجت فيه هذه الزيارة، والذي توقفت عنده الصحف الفرنسية، وهو أنّها زيارة جاءت مباشرة على أثر ما حصل في بداية شهر يناير (كانون الثاني) الماضي من تجاذبات اجتماعية سياسية واحتجاجات شعبية كان العنف مظهرها الأساسي.

من جهة أخرى هناك معطى آخر مهم مرتبط بهذه الزيارة، ونقصد به زيارة رئيس الوزراء إدوارد فيليب إلى تونس في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، التي أعلن فيها عن خطة فرنسا بالنسبة إلى تونس، والتي كانت خطة اقتصادية بالأساس، تضمنت تركيز فرنسا حول ملف إمكانيات تشغيل الشباب التونسي وكيفية زيادة الاستثمار في القطاعات المستقبلية.

إذن كما نلاحظ فنحن أمام زيارة مدروسة التوقيت والأهداف، علاوة على أهميتها الموضوعية بحكم طبيعة العلاقات التاريخية بين البلدين، مع الإشارة إلى أنه كان يمكن أن تكون زيارة المغرب أو الجزائر سابقة لزيارة تونس، باعتبار التقاطع التاريخي المشترك، لذلك فإن للاحتجاجات والوضع الاقتصادي ضغطاً خاصاً جعل من تونس ليس فقط الوجهة العربية الأولى، بل إن الأكثر أهمية ودلالة هو أن تكون الوجهة المغاربيّة الأولى.

اللافت للانتباه أنّ المهيمن على خطاب الرئاسة الفرنسيّة هو صراحة التوصيف وتضمنه - أي هذا التوصيف - جرعة نقديّة واضحة ومقصودة. ويظهر ذلك في المقولات التالية:

- وصفت الرئاسة الفرنسيّة العملية الانتقاليّة الديمقراطية في تونس بالهشاشة.

- قال الرئيس ماكرون، خلال جلسة في مجلس نواب الشعب في تونس الخميس الماضي، إن الثورة التونسية لم تنته بعد، وإن تونس أمام تحديات تحويل الربيع التونسي إلى ربيع اقتصادي اجتماعي.

- وصف الاقتصاد التونسي بأنه يمر بأزمة عميقة.

- ذكر في مقابلة صحافية أشرنا إليها سابقاً أنّه على الدولة التونسية القيام بإصلاحات كي تصبح تونس وجهة أكثر جاذبيّة للاستثمارات الأجنبية.

إنّ رسائل الرئيس الفرنسي التي أطلقها خلال زيارته إلى تونس كانت نقدية وصريحة وواثقة وذكية. فكيف ذلك؟

بالنسبة إلى الذكاء، فلقد نجح ماكرون في فرض نبرته السياسية الخاصة، مقدماً نقداً هادئاً في نبرته، حاداً في مضمونه. كما أنّه لم يقع فيما وقع فيه الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي مثلاً في مناصرته للسلطة الحاكمة في مرحلة ما قبل الثورة، خصوصاً في أواخر أيامه، حيث نلاحظ أن الرئاسة الفرنسية استوعبت درس ساركوزي وانتصرت ولو صورياً للفئات المحتجة من خلال التلميح الصريح إلى أن الربيع التونسي لم يكتمل ما دام الحيف الاقتصادي والاجتماعي حاصلين، والاقتصار فقط على الإشادة بالشق السياسي التشريعي من مطالب الثورة. بمعنى آخر فإن نقده للاقتصاد يستبطن شرعنة غير صريحة للاحتجاجات وتفهماً لمشاغل الشباب، وهو ما يفيد أيضاً حرص فرنسا الحالي على صنع صورة مغايرة عند الشعب التونسي.

أما الثقة التي أشرنا إليها، فالظاهر أنّها تعود إلى ضعف تونس الاقتصادي في الوقت الحالي، ودقة إلمام فرنسا بمواطن التأزم ومؤشراته الكمية الدقيقة، مثل نسبة البطالة البالغة 15 في المائة، وكيف أنها في صفوف أصحاب الشهادات تفوق 30 في المائة.

أيضاً هذه الثقة في النقد الهادئ الصريح مرّدها أن فرنسا تنوي تقديم خدمة إلى تونس عبّر عنها الرئيس ماكرون باستعداد بلاده لبحث سبل تحويل الديون الفرنسيّة إلى مشاريع استثماريّة في تونس. ولكن هذه الخدمة لن تكون بلا مقابل، ولعل ارتفاع النبرة النقدية الجزء الأول الرمزي من هذا المقابل. أما الأهم فهو مطالبته الدولة التونسية بالقيام بإصلاحات كي تكون وجهة تحديداً للاستثمارات الفرنسية في مجال تكنولوجيا الاتصالات، وإن كان حديثه تناول الاستثمار الأجنبي بشكل عام.

إذن هي زيارة المساعدة بمقابل وبشروط، مع العلم أن فرنسا وهي «تساعد» تونس إنّما تستثمر في الأزمة الاقتصادية التونسيّة وترتب شروط تفاوض قوية ومريحة لمستثمريها.

تنويه: إن الآراء الواردة في قسم «تقارير وآراء»- بما قد تحمله من أفكار ومصطلحات- لا تعبِّر دائماً عن السياسة التحريرية لصحيفة «قاسيون» وموقعها الإلكتروني