تغيرات مقولات الخطاب الغربي إزاء النموذج الصيني
«الشعب الصينية» «الشعب الصينية»

تغيرات مقولات الخطاب الغربي إزاء النموذج الصيني

رافقت مسيرة تقدم التنمية الصينية مقولتين رئيسيتين تناوبتا الأدوار داخل فضاء الخطاب الغربي حيال التنمية الصينية. فتارة يميل الخطاب الغربي إلى "التبشير بإنهيار الصين"، وتارة أخرى يتحدث عن "التهديد الصيني" و"احتواء الصين". لكن في الفترة الأخيرة، شهد مسرح أدبيات الخطاب الغربي دخول مقولة جديدة تطرح سؤال "منافسة الطريق الصيني للنظام الذي ابتكره الغرب". طبعا، علينا أن ندرك بأن تشكل مثل هذه المقولات في الخطاب الغربي، يعد ظاهرة طبيعية في ظل التنمية السريعة التي تشهدها الصين.

شدّد الرئيس شي جين بينغ على أن "التمسك بإستقلالية القرار، يستوجب التمسك بمبدأ تقرير ومعالجة الشعب الصيني لشؤونه الخاصة. إذ ليس هناك نموذجا محددا يمكنه أن يكون قابلا للتطبيق على نطاق واسع، كما ليس هناك طريق تنمية غير قابل للتغيير. فالظروف التاريخية المختلفة من بلد إلى آخر، قد حتّمت تنوع الخيارات بالنسبة لمختلف الدول في اختيار طرق التنمية المناسبة. وعلى امتداد التاريخ البشري، لم تكن هناك أي أمة أو دولة في العالم بإستطاعتها تحقيق نهضة من خلال التبعية للآخرين أو من خلال إقتفاء خطوات الآخرين. فهذا الطريق إذا لم يقد نحو الفشل، سيقود حتما إلى التبعية."

الرسانة السياسية وعدم الوقوع داخل التجاذب حول طريق التنمية

لذا، مهما تعددت مقولات الخطاب الغربي الموجهة نحو الصين، يجب التحلي بالرسانة السياسية وروح التواضع في التعلم من مختلف منجزات الحضارة البشرية، إلى جانب تفعيل محفزات "النمو المتأخر". لكن في ذات الوقت يجب عدم نسخ نماذج الدول الأخرى، لأن التجربة التاريخية قد أثبتت بأن مختلف محاولات التقليد قد بائت بالفشل. كما أن الصينيين لا يقبلون إطلاقا محاضرات الأمر والنهي من الدول الأخرى، إذ هناك خلفية تاريخية وشروط وبيئة هي التي تقرر طريق التنمية لكل دولة. كما أن الشعب هو الطرف الوحيد المخول له الحق في اختيار طريق التنمية الذي يريده. ويمثل طريق التنمية الصينية، أفضل خيار للتنمية في الصين الراهنة، شكلته الصين وفقا لتغير مهام التنمية.

صعوبة تأسيس الطريق الصيني تعزز ثقتنا وحرصنا عليه

يقول الرئيس شي جين بينغ: "إن الطريق يحدد المصير، وإيجاد طريق صائب لايعد مهمة سهلة. فالإشتراكية ذات الخصائص الصينية لم تسقط من السماء، بل هي ثمرة جهود وتضحيات كبيرة أسداها الحزب والشعب."

حينما ننظر إلى التاريخ الصيني، سيما الفترة الحديثة، نجد أن أجيال متعاقبة قد حاولت مختلف الطرق لإنقاذ الدولة، ومارست في مابينها تجاذب مرير. من هونغ شيو تشوان قائد ثورة دولة تاي بينغ، مرورا بكانغ يووي وليانغ تشي تشاو رائدا حركة ووشي الإصلاحية، وصولا إلى سون يات صن قائد ثورة شينهاي. كل هذه المحاولات دفعت بتطور الصين، لكنها لم تتجنب مصير الفشل، إلى غاية إكتشاف الصينيين للماركسية وتطويعها مع الواقع المحلي، مافتح باب الإستقلال والتحرر القومي على مصراعية.

في مرحلة البناء الإشتراكي، لم تكن المهمة سهلة وموفقة، فقد دفعنا نقص التجربة إلى الدخول في عدة منعرجات. إلى غاية الجلسة العامة الثالثة من المؤتمر الحادي عشر، حينما تم تركيز ثقل عمل الحزب والدولة على الملف الإقتصادي، وإتخاذ القرار التاريخي بإطلاق تجربة الإصلاح والإنفتاح. وهو ما أحدث تغيرا عميقا في صورة الشعب الصيني، وصورة الصين الإشتراكية وصورة الحزب الشيوعي الصيني.

تختزن الإشتراكية ذات الخصائص الصينية طموحات وإستكشافات عدة أجيال من الحزب الشيوعي الصيني. وتعبر عن تطلعات أعدادا لا تُعد من المناضلين النزهاء، كما تجمع نضالات وتضحيات ملايين من الشعب الصيني، وتعد خيارا حتميا لتطور الإشتراكية الصينية منذ العصر الحديث.

الطريق الصيني قدّم الحكمة والرؤية الصينيتين في معالجة القضايا البشرية

لا يمكن الإنكار بأن الصين قد شهدت منعرجا كبيرا خلال 40 سنة من الإصلاح والإنفتاح. وبالنظر من الناتج الإجمالي، تظهر بيانات البنك الدولي لعام 2017، بلوغ الناتج المحلي الإجمالي الصيني في عام 2016 11.199 تريليون دولار، كثاني إقتصاد عالمي. وبلغ متوسط الدخل الفردي للشعب الصيني 8123 دولار، حيث يأتي في المرتبة الـ 77 عالميا، مايمثل 79.92% من المتوسط العالمي. في حين كان الناتج المحلي الإجمالي الصيني في عام 1978 يمثل 5% فقط من الناتج الإجمالي العالمي. أما متوسط الدخل الفردي فكان في حدود 224 دولار، بإعتبار التقديرات الرسمية العالية في ذلك الوقت.

إن الثمار التي حصدتها الصين من تجربتها التنموية، قد أعطت خيارا جديدا بالكامل إلى تلك الدول والأمم التي ترغب في تسريع نموها مع المحافظة على إستقلاليتها. كما طرحت الحكمة والرؤية الصينيتين في معالجة القضايا البشرية.

في ذات الوقت، تمتد جذور الطريق الصيني في عمق الأرض الصينية الواسعة، ويعد هذا الطريق نتاجا للواقع الصيني الخاص. فكل دولة يمكنها أن تتعلم من التجارب الأخرى أثناء مسيرتها التنموية، لكن لا يمكن ممارسة التقليد المباشر. وكل تجربة تقليد لاتراعي الواقع المحلي، لن تواجه غير الفشل المحتوم.

وكما قال الرئيس الصيني شي جين بينغ، خلال مؤتمر الأحزاب السياسية العالمية، إن الصين لا ترغب في استيراد النماذج الأجنبية، كما لاترغب في تصدير النموذج الصيني، ولن تطلب من أي دولة نسخ الطريقة الصينية.

تنويه: إن الآراء الواردة في قسم «تقارير وآراء»- بما قد تحمله من أفكار ومصطلحات- لا تعبِّر دائماً عن السياسة التحريرية لصحيفة «قاسيون» وموقعها الإلكتروني