هل تحب اليونان دور الضحية؟
بيتر كوينغ بيتر كوينغ

هل تحب اليونان دور الضحية؟

لماذا هذا العنوان المستفز؟ لأنّه ليس على اليونان أن تستمر بلعب دور الضحية، ولا أن تكون مازوشية راضية، إلّا إن كانت واقعة تحت تأثير متلازمة ستوكهولم: بحيث تحب جلادها. لدى اليونان إمكانية تغيير ذلك. أن تخرج من السجن، أن تخرج من الاتحاد الأوربي ومن منطقة اليورو. يمكن لليونان أن تستعيد عملتها الوطنية السيادية، وبنكها المركزي السيادي، وأن تصوغ من جديد سياساتها النقدية وتطبقها في إطار نظام مصرفي عام سيادي يعمل لصالح الاقتصاد اليوناني وحسب. وفي غضون عشرة أعوام، ستتعافى اليونان وستكون قادرة حتّى على دفع تلك الديون التي فرضت عليها بشكل غير شرعي.

تعريب وإعداد: عروة درويش

ويجب أن نذكر هنا بأنّه وفقاً للقانون الدولي، فإنّ معظم ديون اليونان قد فرضتها عليها الترويكا في ظروف غير قانونية. يتم تسميتها كذلك: «الديون البغيضة Odious debt»، ووصفها: «الديون البغيضة في القانون الدولي، وتسمى أيضاً بالديون غير الشرعية، هي مبدأ قانوني ينصّ على الدين الوطني الذي يتم إنشاؤه من نظام دولة ما، ولا يكون هدفه هو خدمة أفضل مصالح هذه الدولة، لا يعتبر نافذاً. وعليه فإنّ مثل هذه الديون تعتبر وفقاً لهذا المبدأ ديوناً شخصية في ذمّة النظام الذي أنشأها، وليست ديوناً في ذمّة الدولة». لقد تمّت صياغة هذا المبدأ وتضمينه في عقد تأسيس صندوق النقد الدولي، والذي يقول بأنّه لا يجوز لصندوق النقد الدولي أن يقرض أيّ دولة تمرّ في أزمة، والتي من غير المحتمل أن تكون قادرة على ردّ الدين ودفع خدماته.

لا يمرّ يوم دون خبر يحتل العناوين عن الإساءة لليونان من قبل الترويكا (صندوق النقد الدولي وبنك أوروبا المركزي والمفوضية الأوربية غير المنتخبة) ومن قبل الألمان. وآخرها على سبيل المثال لا الحصر: «تدمير اليونان، ونهب اليونان» و «التقشف: المستشفيات العامة تلغي العلاج الكيميائي، وتصرف مرضى السرطان بسبب تخفيض الميزانية» و «أزمة اليونان: المرضى يعانون من انهيار النظام الصحي».

منذ حوالي عام، صدر تقرير يعرض ازدياد معدلات الانتحار، ووفيات الأطفال في اليونان. إنّ المأساة حقيقيّة وتكبر كلّ يوم. تخفيض الأجور وتقليص رواتب التقاعد خمس مرات على الأقل منذ 2010، وتفكيك شبكة الأمان الاجتماعي بشكل كلي تقريباً. إنّ الذين طالهم التخفيض والذين يعتمدون على الشبكة هم فقراء. يعيش أكثر من 4 ملايين شخص من بين عدد سكان حوالي 11 مليون، تحت خط الفقر. يعيش 15% من السكان في فقر مدقع. ويعيش 28% من الأطفال في فقر مدقع، ما يعني أنّهم متأثرين بسوء التغذية وبالأمراض وبإيقاف النمو وتطور الدماغ. إنّ جيلاً كاملاً من اليونانيين على الأقل هم عرضة لمشاكل فكرية ولمخاطر صحية ولتطورات اقتصادية مقيدة على مدى العشرين عاماً القادمة. تتراوح البطالة بين 25% و30%، وهي تقترب من 50% لدى فئة الشباب (ما بين 18 و35 عام). إنّ المشهد محبط وربّما يصبح أكثر إحباطاً.

  • وداعاً للسيادة، وداعاً لكلّ شيء جميل:

إنّ المشافي والمدارس العامة إمّا مخصخصة وإمّا أغلقت لنقص في الميزانية. الأدوية نادرة تبعاً للقيود المفروضة على الاستيراد من قبل جيران اليونان الأحباء في الاتحاد الأوربي، أو من قبل أسيادهم عبر البحار. والأدوية الأكثر ندرة والأغلى ثمناً هي الأدوية التخصصية، مثل أدوية السرطان. يموت الناس في اليونان جراء الإصابة بالأنفلونزا ونزلات البرد والتهاب الرئة، وحتّى من الأمراض المعوية التي يمكن علاجها بشكل روتيني، ولكن ليس عندما لا يكون هناك أدوية مضادات حيوية متوفرة. إنّها مجرّد نتائج للتقشف وتخفيض التكاليف، ولهذا يجب على اليونانيين أن يشكروا من جديد إخوتهم في أوروبا وأسيادهم ما وراء البحار.

لم يعد لليونان أي سلطة على موازنتها بعد الآن. عليها أن تفوّض تلك المسؤولية إلى بروكسل. ومن أجل ماذا؟ من أجل «حزمة إنقاذ» أخرى، هل من شيء جديد؟ كان على البرلمان اليوناني في عام 2016 أن يوافق بشكل عاجل (خلال أقل من أسبوع) على وثيقة تشريعية من ألفي صفحة، تم إعداد مسودتها في بروكسل بالإنكليزية، لتكون غير مقروءة بالنسبة لمعظم أعضاء البرلمان اليونانيين الذين وقعوها، والذين تخلوا من خلالها عن جميع المؤسسات والبنى التحتية المملوكة للقطّاع العام، لصالح منظمة «آلية الاستقرار الأوربي ESM» لمدّة 99 عاماً. وإن لم يكن هذا كافٍ، فقد تخلّى البرلمان أيضاً عن حق سيادي، هو الموازنة اليونانية، لصالح بروكسل.

هل يمكنكم تخيّل حدوث مثل هذا الأمر في القرن الحادي والعشرين؟ لم يحدث مثل هذا الأمر منذ عام 1933 عندما تخلّى البرلمان الألماني البوندستاغ عن كامل سلطة صناعة القرار للفوهرر: أدولف هتلر. هذه فاشيّة صريحة من الاتحاد الأوربي. والعالم يقف صامتاً يتفرج على ذلك، ويرضى كلياً، عن تفكيك سيادة إحدى الدول ومحاصرتها وإفقار سكانها.

إذاً، كان أمام اليونان خيار الانسحاب من الاتحاد الأوربي منذ حزمة الإنقاذ الأولى عام 2010، لكنّها لم تفعل. لماذا؟ ربّما كان الأمر متعلقاً بتهديد عائلة تسيبراس وحكومة سيريزا «اليسارية»؟ لا نعلم، ربّما كان الخوف ممّا قد يفعله الأسياد وراء البحار من قتل واغتيالات وانقلابات، كما شرح جون بيركنز الأمر في كتابه: «اعترافات قاتل اقتصادي».

لكن ماذا عن نزاهة القادة والحزب، والتزاماتهم تجاه الشعب اليوناني؟ نتحدث هنا عن الشعب اليوناني العادي، وليس عن النخب اليونانية التي قامت قبل وقت طويل من انقضاض الترويكا-الألمان بتحويل أموالها بمليارات اليورو إلى سويسرا وإلى غيرها من الجنان الضريبية. أتحدث عن غالبية الشعب المفروض عليه أن يجد طرقاً للنجاة من أجور عمله اليومي الزهيدة ومن معاشاته التقاعدية المأساوية، والذي تمّت خيانته.

إنّ دين اليونان اليوم (كانون الثاني 2018) هو 320.2 مليار يور، أو 190.4% من الناتج المحلي الإجمالي 168.2 مليار يورو، مع فائدة سنوية 17.6 مليون يورو، تتزايد كلّ ثانية بمعدل 557 يورو، أي 48.1 مليون يورو كلّ يوم. لهذا ليس هناك ما يبشر بالخير في الأفق، بغض النظر عن كلّ ما يقوله صندوق النقد الدولي وبقية الخبراء الغربيين. لن تخرج اليونان من جبل الديون الذي يستمر بالتراكم طالما هي عضو في منطقة اليورو وفي الاتحاد الأوربي.

إنّ الأحاديث عن إصلاح منطقة اليورو ما هي إلّا مجرّد ترهات غير قابلة للتحقيق، وليس أمام اليونان إلّا طريق واحد: مغادرة الاتحاد الأوربي، وإنقاذ حياة مواطنيها بشكل حرفي. إمّا ذاك وإمّا تعاسة 80% من سكانها.

تنويه: إن الآراء الواردة في قسم «تقارير وآراء»- بما قد تحمله من أفكار ومصطلحات- لا تعبِّر دائماً عن السياسة التحريرية لصحيفة «قاسيون» وموقعها الإلكتروني