أوروبا والقلق من تكرار «الملحمة» اليونانية
فيرناندو غيغليانو فيرناندو غيغليانو

أوروبا والقلق من تكرار «الملحمة» اليونانية

إذا كان هناك أي مثال على كيفية «عدم» التعامل مع أزمة الديون السيادية، لكانت اليونان هي أبرز الأمثلة على ذلك. ومنذ ما يقرب من عشر سنوات على طلب أثينا المساعدة من شركائها في منطقة اليورو ومن صندوق النقد الدولي، لا يزال الاقتصاد اليوناني يكافح من أجل التعافي. وحتى بعد عملية إعادة الهيكلة الحادة، لا تزال الديون السيادية اليونانية غير مستدامة. وإذا لم تعانِ اليونان بسبب أعباء ديونها، فسوف يتعيّن على الحكومات الأوروبية قبول المزيد من تدابير تخفيض الديون، على رأس قرارات تمديد مواعيد الاستحقاق، وخفض أسعار الفائدة التي وافقت عليها بالفعل.

إذا كان هناك أي مثال على كيفية «عدم» التعامل مع أزمة الديون السيادية، لكانت اليونان هي أبرز الأمثلة على ذلك. ومنذ ما يقرب من عشر سنوات على طلب أثينا المساعدة من شركائها في منطقة اليورو ومن صندوق النقد الدولي، لا يزال الاقتصاد اليوناني يكافح من أجل التعافي. وحتى بعد عملية إعادة الهيكلة الحادة، لا تزال الديون السيادية اليونانية غير مستدامة. وإذا لم تعانِ اليونان بسبب أعباء ديونها، فسوف يتعيّن على الحكومات الأوروبية قبول المزيد من تدابير تخفيض الديون، على رأس قرارات تمديد مواعيد الاستحقاق، وخفض أسعار الفائدة التي وافقت عليها بالفعل.
ولذلك، ليس من المستغرب أن أحد النقاشات الرئيسية بشأن مستقبل منطقة اليورو تتعلق بكيفية تسهيل إعادة هيكلة الديون السيادية. ولا شك أن فرض الخسائر على الدائنين في مرحلة مبكرة، كما يقترح البعض، سوف يزيد من فرصة نجاح برنامج المساعدات المالية لليونان. ومع ذلك، يجب لمنطقة اليورو أن تتوخى الحذر من القرارات التلقائية، فإنهم بذلك يجازفون بإشعال الأزمة نفسها التي حاولوا تفاديها.
وينطوي النقاش بشأن مستقبل إعادة هيكلة الديون في منطقة اليورو إلى حد كبير على موقفين بارزين. أولا، وعلى نحو ما هو شائع في ألمانيا على نطاق واسع، رؤية الآلية المنظمة لإعادة هيكلة الديون باعتبارها الخطوة التالية الضرورية بالنسبة لمنطقة اليورو. فعندما تتقدم دولة من الدول بطلب المساعدة المالية من آلية الاستقرار الأوروبية، ينبغي على الدائنين مواجهة شكل من أشكال إعادة الهيكلة الفورية. ومن شأن ذلك ضمان التوزيع الأفضل للمخاطر بين أصحاب الديون وآلية الاستقرار الأوروبية. والتهديد بوقوع العجز سوف يجعل المستثمرين أكثر بصيرة من حيث الإقراض، الأمر الذي يسهم في الانضباط المالي ضمن داخل منطقة اليورو.
وأشار وزير المالية الألماني الأسبق، وولفغانغ شوبيل، إلى جملة من هذه الأفكار في «وثيقة غير رسمية» حول مستقبل الاتحاد النقدي، وهي الورقة التي انتشرت على نطاق واسع بعد مغادرته منصبه. ولقد دعا مجموعة من خبراء الاقتصاد، بمن فيهم أعضاء المجلس الألماني لخبراء الاقتصاد، إلى إنشاء آليات تلقائية تربط بين مختلف أنواع قرارات إعادة هيكلة الديون والمستوى العام للديون.
وهناك مدرسة فكرية أخرى، وهي تتضمن كثيرا من الأكاديميين والسياسيين في إيطاليا، تشكك للغاية في جدوى فكرة إعادة هيكلة الديون. ولقد تم إيجاز هذا الرأي ببلاغة فائقة على أيدي غيدو تابليني، أستاذ الاقتصاد في جامعة بوكوني، في مقالة كتبها مؤخراً إلى موقع «فوكس». ويعتقد البروفسور تابليني أن الأسواق آلية غير مثالية لانضباط الحكومات ذات السيادة، حيث تميل إلى الاستجابة البطيئة للغاية وعلى نحو مفاجئ للغاية.
وعلاوة على ذلك، يقول البروفسور تابليني إن الأدلة قليلة للغاية بشأن المخاطر الأخلاقية بالنيابة عن الحكومات، كما تبين من الركود اليوناني، فإن تكاليف أزمة الديون السيادية لا ترغب أي حكومة في تحملها والمرور بمصاعبها. ويدعو البروفسور تابليني إلى استحداث شكل جديد من السندات المرتبطة بالناتج المحلي الإجمالي، التي سوف تواجه الخسائر في حالة وقوع الأزمة. وسوف يكون الدين التقليدي في محل الإشراف على هذه السندات ولسوف تُترك من دون أن يمسها أحد.
وفي حين تبدو السندات السيادية المرتبطة بالناتج المحلي الإجمالي جذابة من الناحية النظرية، فمن غير الواضح أن هناك قبولا لها في الأسواق. وحتى إن كان هناك قبول لها، فسوف تستغرق كثيرا من السنوات في بناء كميات ذات مغزى من هذه الأوراق المالية الجديدة. وفي الأثناء ذاتها، سوف يتعين التعامل مع أزمات جديدة باستخدام أدوات قديمة.
وفي الوقت نفسه، فإن تحديد العتبات التلقائية لإعادة هيكلة الديون، كما يقول المستشارون في المجلس الألماني لخبراء الاقتصاد، ليس هو المسار الصحيح للمضي قدما. وفي البداية، ليس هناك رقم سحري يصبح الدين فيه غير مستدام، وهذا الأمر يعتمد على كثير من العوامل، بما في ذلك الثقة بالأسواق، ومن يملك أكبر قدر من السندات. ثانيا، تعيين رقم محدد يعني تعريض أسواق الديون للنبوءات ذاتية التحقق، نظراً لإحجام المستثمرين عن شراء الديون أعلى من هذا المستوى. ومن شأن هذه الفكرة أن تكون أكثر منطقية إذا ما بدأت جميع دول منطقة اليورو عند مستوى منخفض للغاية من الديون. وهناك دول كثيرة، مثل إيطاليا والبرتغال، عندها مستويات من الديون أعلى من مائة في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وهي العتبة التلقائية التي قد تسفر عن حالة فورية من عدم الاستقرار.
ولا شك في أنه ينبغي على منطقة اليورو التحسين من تعاملها مع أزمات الديون السيادية. وعندما تبلغ مستويات الديون في دولة من الدول حداً غير مستدام، فإن خفض هذا المستوى هو من الشروط السابقة لضمان أن الدولة لديها آفاق أفضل من حيث العودة إلى النمو. وفي سياق منطقة اليورو، فإن آلية إعادة هيكلة الديون هي من الخطوات الضرورية لبناء الثقة عن طريق زيادة تقاسم الموارد. وإذا رغبنا في مطالبة الدول بزيادة مساهماتها في آلية الاستقرار الأوروبية، فمن الإنصاف أن نضمن أن تكون برامج المساعدة المالية أكثر فاعلية مما كان الأمر عليه في حالة اليونان.
وتغيير القواعد بغية فرض المزيد من الخسائر على الدائنين من الأمور المنصفة، ويمكن أن يساهم في تعزيز مؤسسات منطقة اليورو. ومع ذلك، ينبغي على السلطات الاحتفاظ بدرجة من السلطة التقديرية بشأن توقيت البدء في إعادة هيكلة الديون. وهذا المزيج من العقوبات الأكثر إيلاماً والمحفزات المرنة من شأنه أن يقطع شوطاً طويلاً للحيلولة دون تكرار ملحمة اليونان المؤسفة.

تنويه: إن الآراء الواردة في قسم «تقارير وآراء»- بما قد تحمله من أفكار ومصطلحات- لا تعبِّر دائماً عن السياسة التحريرية لصحيفة «قاسيون» وموقعها الإلكتروني

آخر تعديل على الخميس, 11 كانون2/يناير 2018 01:42