لمواجهة منظومة الاستغلال برمتها
كيفين أندرسون كيفين أندرسون

لمواجهة منظومة الاستغلال برمتها

أجرت مجلّة «3 AM Magazine» حواراً مع بروفسور علم الاجتماع والعلوم السياسيّة في جامعة كاليفورنيا كيفين أندرسون:

تعريب وإعداد: عروة درويش

  • كيف تشرح صعود رموز «الجناح اليميني» أمثال ترامب وحزب الاستقلال البريطاني وماريان لوبان؟

- أعتقد بأنّ ترامب ظاهرة هجينة. إنّه يشبه إلى حدّ ما حزب الاستقلال البريطاني ولوبان من ناحية الشعبويّة اليمينيّة التي تناصر قضايا ذات صبغة فاشيّة، لكنّه أيضاً بشكل جزئي مجرّد امتداد للنيوليبراليّة القديمة ولكنّه متخفي، وخاصّة إذا ما رأينا الأشخاص الذين عينهم في الحكومة. تبدو الاستمراريّة أكثر وضوحاً بكثير من الفروق.

  • إذاً ما هي الفروق التي نتحدث عنها هنا؟

- الفروق هو أنّ اليمين القديم في الثلاثين والأربعين عاماً الماضية قد اتصلت بالنيوليبرالية، عبر أشخاص مثل ريغان وتاتشر. واتصلت أيضاً بشكل أقل في الولايات المتحدة وفي بعض المناطق الأخرى من العالم باشتراك الدين في السياسة بطريقة رجعية، مثل التيار المسمّى «اليمين المسيحي» في الولايات المتحدة.

  • هلّا استرسلت بالشرح؟

- لقد وضع أغلبيّة اليسار بيوضه في سلّة مقاومة النيوليبراليّة، لكن علينا باعتقادي أن ننظر أبعد من النيوليبراليّة لنرى الرأسماليّة ذاتها. يعني هذا أن ننظر إلى الممارسات الاجتماعيّة للصيغة الحالية من الرأسمالية، التي تبتعد عن النيوليبرالية وتتجه ناحية نوع من الشعبوية اليمينيّة. من الواضح بأنّ هذا الخطّ هو الاستجابة للتناقض البديهي للنيوليبرالية المتجلي في الكساد الكبير.

  • إذاً متى حدثت النقلة التي تبتعد عن النيوليبرالية، وما الذي يعنيه هذا للرأسماليّة بشكل أكبر اتساعاً؟

- منذ عام 2008 ونحن ننتقل مبتعدين عن عدد من الجوانب الحاسمة للنيوليبرالية. ففي حين أنّ النيوليبراليّة قد أخذتنا خارج نمط دولة الرفاه الرأسمالية التي تلت الحرب العالمية الثانية، وهيمنت منذ 1975 حتّى 2008، فمن المحتمل بأنّنا أمام مرحلة جديدة من نوع ما من الرأسمالية التي تلت الحرب العالمية الثانية.

  • كيف تعتقد بأنّ على القوى التقدمية أن تتصرّف في الردّ على هذه الظاهرة؟

- لهذه الظاهرة عدّة أوجه، لكن عن قرب أراهما فقط وجهان أساسيان. أحدهما هو اشتداد المقاربات العنصريّة والتمييز الجنسي ومناهضة الهجرة والإسلام-فوبيا. يمكنك رؤية ذلك بشكل خاص لدى أحزاب اليمين الرئيسيّة في أوروبا، وكيف يقرعون الطبول بالعداء للمهاجرين. أمّا التمييز الجنسي الصاخب لدى ترامب والمجاهرة بالصياح بمناهضة الهجرة والعداء للإسلام المصحوب بمنع المسلمين، فهو أمر جديد. ولا أعتقد بأنّ هذا يشكّل بالضرورة نقلة نوعية، بل هو نقلة كميّة لما كان يحدث بالفعل، ومجرّد تشديد عليه.

أظنّ بأنّ النقلة الهامّة هنا هي تلك التي تتجه ناحية السياسة الطبقيّة اليمينيّة التي تخاطب جزءاً من الطبقة العاملة، وأقصد هنا الجزء «الأبيض». وذلك رغم أنني لا أحبّ عبارة «الطبقة العاملة البيضاء»، حيث أنّ طبقة العمّال في مختلف الصناعات والمهن تميل لتكون مختلطة عرقياً. ورغم ذلك فإنّ هناك مقاربة لما يسمّى بالطبقة العاملة «البيضاء»، وهي متركزة إلى حدّ ما في «المناطق الريفيّة». ينجح ترامب في هذه المناطق أكثر، وينطبق هذا الأمر كذلك على جميع المجموعات الباقية التي تشبهه.

  • ما رأيك بما يسمونه: نزعة ترامب الحمائيّة الوطنية المناهضة للمؤسسة الرسمية؟

- هناك مقاربة طبقيّة لدى ترامب تجعله مرتبطاً بالحمائية الوطنية وبمناهضة النيوليبرالية وبمناهضة الهجرة. هذا النوع من المقاربات هو الذي تمكّن من هزيمة كلينتون. كانت كلينتون ستتمكن من هزيمة مرشح نيوليبرالي جمهوري نمطي مثل رومني. لست أقول بأنّ ترامب حقق نصراً كبيراً، ولكن من الواضح بأنّ الأمر كان صادماً حصوله على أكثر من 20% نظراً للطابع الرجعي لسياساته. ولكن كما يذكرنا والتر بنجامين، فإنّ التاريخ لا يأخذ دوماً اتجاه التقدميّة.

  • إذاً ما هو دور اليسار في المقاومة؟

- أظنّ بأنّ على اليسار أن يُدرك الموضوع من كافّة جوانبه. لا يمكننا أن نقوم بما يفعله بعض الأشخاص اليمينيين من الحزب الديمقراطي. لا يمكننا أن نقدم تنازلات عن أيّ من قضايانا الجوهرية مثل العرق والجنس والميول والإسلام-فوبيا ...الخ. أعتقد بأنّ علينا أن نفكّر حقاً بكيفيّة مخاطبة طبقة العمّال البيض، ولكن أيضاً بالريفيين عموماً لأنّ الانتفاضة الاشتراكيّة ليست حول الأعداد وحسب، فهي تدور أيضاً حول المكانة الاستراتيجيّة.

  • هل تشكّل الاستجابة المسمّاة بالشعبيّة، مثل بيرني ساندرز وميلانشون، حلّاً يمكن الوثوق به، أم أنّ علينا أن نستهدف شيئاً آخر؟

- تقوم بعض الحركات بفعل ما يحتاجه اليسار بخصوص التركيز على القضايا الطبقيّة. لكنّ ما يقوله ساندرز هو أنّه بإمكاننا الرجوع إلى دولة الرفاه الكينزيّة القديمة. لكنّ المشكلة في هذا المنطق أنّ السبب الذي أوصلنا إلى النيوليبرالية في المقام الأول، هو أنّ صيغة حكومة دولة الرفاه قد تمّ استنزافها. إن نظرت إلى كامل القرن الماضي، فسيظهر لك بأنّه فترة استثنائيّة في الرأسمالية.

يعتقد ساندرز بأنّنا إن تمكنّا من تغيير بنية الضرائب وتوقفنا عن كوننا نيوليبراليين، فسنتمكن عندها من العودة إلى نمط أكثر إنسانيّة من الرأسماليّة. هذا خطأ. فلو كان هذا ممكناً، كانت بلدان مثل السويد أو ألمانيا على سبيل المثال لتؤدي بشكل أفضل. وعليه فإنّ هذا النوع من الحركات مناهض للنيوليبرالية أكثر من مناهضته للرأسمالية. أظنّ بأنّ نموذجه الاقتصادي ليس قابلاً للحياة. ورغم أنّ هذا قد يبدو محبطاً، فإنّ علينا أن ندركه بدون تورية.

  • ما الذي ينقصنا اليوم في خطاب العرق والطبقة؟

- نحن نتحدث كماركسيين كثيراً عن كيفيّة تقسيم العرق للحركة العمّالية. يتضمن هذا انفصالاً طبقياً، وهو انفصال هام. لكن إن أردنا الحديث عن الطبقة، فيجب أن يكون هناك فرصة للتضامن الطبقي عابر للتقسيمات العرقيّة والإثنيّة. يتمّ اليوم رؤية هذا الأمر كاحتمال ممكن ليس فيه مشكلة.

تنويه: إن الآراء الواردة في قسم «تقارير وآراء»- بما قد تحمله من أفكار ومصطلحات- لا تعبِّر دائماً عن السياسة التحريرية لصحيفة «قاسيون» وموقعها الإلكتروني