الفاشيّة تخرج من جراح الرأسماليّة المتقرحة
3 AM Magazine 3 AM Magazine

الفاشيّة تخرج من جراح الرأسماليّة المتقرحة

أجرت صحيفة «3 AM Magazine» حواراً مع بروفيسور علم الاجتماع في جامعة أوريغون جون بيلامي فوستر:

تعريب وإعداد: هاجر تمام

  • نريد أن نبدأ بسؤالك عن صعود نجم «اليمينيين» أمثال ترامب وحزب الاستقلال البريطاني ولو بان. يدعي هؤلاء بأنّهم ضدّ المؤسسة القائمة وبأنّهم يمثلون آمال الشعب الحقيقيّة. ما رأيك بهذه الظاهرة؟ ما الذي يقوله هذا عن القوى التقدميّة اليوم؟

- إنّنا نشهد أزمة الدولة الرأسمالية. وبالتحديد، نحن نشهد ضعف بنية الدولة الديمقراطيّة-الليبراليّة التي شكّلت الصيغة المهيمنة للدولة الرأسماليّة في السنوات التي تلت الحرب العالمية الثانية.

  • متى بدأت هذه الأزمة برأيك؟

- تعود هذه الأزمة البنيوية في جذورها إلى الركود الاقتصادي المتعمق للاقتصاد الرأسمالي، والذي طفا على السطح مع انفجار الفقاعة الماليّة بين أعوام 2007 و2009. قمت مع روبرت ماكتشيسني في كتابنا «الأزمة اللانهائيّة» بتبيان أنّ النظام يواجه الآن «ركوداً مزمناً secular stagnation» بسبب التراكم المفرط لرأس المال.

  • لكنكما قلتما هذا الكلام منذ عشرة أعوام. هل ترى بأنّ هذا الركود المزمن يسوء أم يتحسن الآن؟

- إنّها تسوء. ليس هناك قدرة في الظروف الجديدة على إعادة إيقاد العمليّة التمويليّة (أو الفقاعة الاقتصاديّة) في سبيل دفع التراكم الرأسمالي، كما كانت الحال في الثمانينيات والتسعينيات.

  • وأنت ترى بأنّ هذا الركود له علاقة بصعود ما يتمّ تسميته «بالفاشيّة»، لكونه يعبّر، ولو بشكل جزئي، عن أزمة الدولة الرأسماليّة؟

- أنا أرى، بشكل واضح، بأننا حالياً في حقبة الأزمة البنيوية للرأسماليّة، والتي تعود جذورها إلى السبعينيات، ولكنّها تتعمّق بمرور الوقت. يقوم الركود الاقتصادي، بالاشتراك مع التقشّف النيوليبرالي، في الوقت الحالي بتقويض خطير لاستقرار الدولة الديمقراطيّة-الليبراليّة، وبالتالي للقطّاع السياسي الأعلى في النظام الرأسمالي. قاد هذا إلى إعادة بعث خطيرة للحركات السياسيّة داخل الفلك الفاشي (الفاشيّة والفاشيّة الجديدة وما بعد الفاشيّة)، ممّا يمثّل طريقة بديلة لإدارة دول النظام الرأسمالي، مناقضة للديمقراطيّة الليبراليّة. يمكن تفسير ترامب ولوبان وحزب الاستقلال البريطاني ضمن هذا السياق، رغم أنّ الديناميّة تختلف إلى حدّ ما من مكان لآخر.

  • كيف برأيك يجب على اليسار أن يستجيب لصعود «اليمين المتطرف»؟

- يصبح اليسار أكثر فاعليّة عندما يفهم الحالة الاستراتيجيّة الحرجة، ويصبح عندها قادراً على تنظيم نفسه وفقاً لها. الأمر الرئيسي هو عدم الوقوع في فخّ النهج الشعبوي الطموح الذي يتجنّب القضايا الحقيقيّة: ممثلة بالاقتصاد الرأسمالي والدولة ومسألة البديل الاشتراكي. ويجب على اليسار كذلك أن يتجنّب الوقف إلى صفّ جزء من الطبقة الحاكمة ضدّ الأخرى، مثال: الوقوف لجانب كلينتون وماكرون ضدّ ترامب ولوبان. إنّ المطلوب بدلاً من كلّ ذلك هو خلق اشتراكيّة بديلة أصيلة قائمة على الطبقيّة ملائمة للقرن الحادي والعشرين.

  • كيف تصنّف الحركات مثل بيرني ساندرز وميلانشون؟

إنّ بيرني ساندرز، الذي يشير علناً إلى نفسه بأنّه «اشتراكي» وديمقراطي-اشتراكي أصيل، هو علامة على الصدع في نظام الولايات المتحدة. لقد أظهر بأنّه يمكن التوجّه يساراً بطريقة حقيقيّة مع استراتيجيّة قائمة على الطبقيّة، رغم أننا لا ينبغي أن نحمل أيّ أوهام تقدمها الديمقراطيّة-الاشتراكيّة، وبأنّ الناس سيحتشدون بعشرات الملايين داخل حركة سياسيّة اشتراكيّة. أمّا ميلانشون في فرنسا، فيبدو بأنّه يجسّد اتجاهاً اشتراكياً أكثر أصالة، يحظى ويستمر بحشد المزيد من الدعم، ممّا يشكّل تهديداً على السلطات. ومن بين جميع قادة الأحزاب السياسيّة في النزاعات الانتخابيّة الجارية حالياً في الدول الرأسماليّة المتقدمة، فإنّ جيرمي كوربين في بريطانيا هو ربّما الأكثر إثارة، وهو على الأرجح أكثر من يجب أخذهم على محمل الجد، وذلك بسبب موقفه القويّ المناهض للإمبرياليّة.

ومع ذلك، لا ينبغي لنا أن نضع جميع بيضنا، أو حتّى أغلبه، في سلّة التسابق الانتخابي، لا سيما بأنّ الصراع الحقيقي يمضي يتجاوز مسألة الانتخابات. يدور الصراع حول الطبقة والهيمنة بشأن بناء قواعد للسلطة. ويجب التركيز على تطوير الحركات الجماهيريّة وعلى الصراع المتجاوز للبرلمانات الذي لا يعني الانطلاق في مسيرات منددة بهدف جذب بضع لقطات يتكرّم إعلام الشركات بعرضها، بل إيجاد الطرق الذي يمكن عبرها اتخاذ أفعال عصيان مدني، أو غير مدني عند اللزوم.

  • بخصوص البيئة، هل يمكنك أن تعطينا تفصيلاً عن الأفكار الماركسيّة التي يمكن اعتمادها كنقد بيئي؟

يمكننا أن نجد لدى ماركس ما يخصّ أكبر مسائل البيئة الأكثر حرجاً في زماننا، بما يتلاءم مع المعطيات الموجودة في القرن التاسع عشر، مثل التغيّر المناخي الإقليمي والتصحّر واقتلاع الغابات وانقراض الأنواع والتلوّث والانقسام بين المدينة والريف وقضايا السكان بفهم غير مالتوسي وانجراف التربة وسوء معاملة الحيوان... الخ.

وكما أشارت نعومي كلاين في حجاجها الشهير بأنّ: «اليمين يبقى يميناً»، فإنّ اليمين المتطرّف يدرك بأنّ حركة التغيّر المناخي مدفوعة بشكل متأصل تجاه مناهضة الرأسماليّة، وبعدم وجود رأسماليّة استرضائيّة تتماشى مع الحفاظ على مناخ مستقر. لهذا اختاروا الوقوف، ربّما في أعظم مثال على الصنميّة السلعيّة التي يمكن للعالم أن يشهدها، إلى جانب اقتصاد التسليع الرأسمالي ضدّ المناخ ونظام الكرة الأرضيّة. لقد قام ترامب وشبكة بريتبارت وكامل اليمين البديل الفاشيّ الجديد بتدمير جميع محاولات التخفيف من تغيّر المناخ، وامتدّ ذلك لعلم المناخ نفسه بجعله العدو. ومن أجل مكافحة هذه الميول المريعة، فمن الضروري إنشاء حركة ثوريّة صديقة للبيئة تهدف إلى تحقيق المساواة الجوهريّة وإلى تحقيق الاستدامة البيئيّة. يجب أن يعكس إحساسانا المتزايد بمجتمع البشريّة والأرض المعنى الأكثر شموليّة للإنسانيّة، وأن يعطي المعنى للكلمات الشهيرة:

«إننا سكرنا من دخانِ *** أسيادٍ سمموا الحياة

أذيعوا دعوة الأمان *** فينا وسحق الطغاة».

تنويه: إن الآراء الواردة في قسم «تقارير وآراء»- بما قد تحمله من أفكار ومصطلحات- لا تعبِّر دائماً عن السياسة التحريرية لصحيفة «قاسيون» وموقعها الإلكتروني