كيف ستتوافق تركيا مع سياسة «أمريكا أولاً»؟
يشار ياكيش يشار ياكيش

كيف ستتوافق تركيا مع سياسة «أمريكا أولاً»؟

اشتملت استراتيجية الأمن القومى التى أطلقها الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، يوم 18 ديسمبر على عدة نقاط مهمة يجب ألا تمر دون ملاحظة.

تحتفظ استراتيجية الأمن القومي بالخط السياسي الذي انتهجته الإدارات الأمريكية السابقة، ولكنها تركز على نقاط تختلف قليلا عنها، حيث إن الخط الرئيسي لهذه الاستراتيجية هو ما أكده الرئيس باستمرار خلال حملته الانتخابية: "أمريكا أولا". وهذه السياسة بالطبع جذابة للشعب الأمريكي، لكنها قد لا تكون جذابة لغير الأمريكيين.

إن استخدام قضايا السياسة الخارجية لصرف انتباه الناخبين هو تقليد يلجأ إليه القادة من وقت لآخر، وليس ترامب استثناء من هذا التقليد، كما أن الإعلان عن الأهداف الطموحة يكون دائما جذابا للجمهور المحلي، وتملك القوى العظمى الوسائل لتحقيقها، بيد أن معرفة ما إذا كان تحقيق هذه الأهداف أمر ذو قيمة في مقابل كلفتها المالية والسياسة والدبلوماسية، هو موضوع آخر.

وخلافا لاستراتيجيات الأمن القومي السابقة، التي اعتادت وضع أمن الولايات المتحدة في سلة واحدة مع حلفائها، يؤكد ترامب في المقام الأول على أمن بلده، مع استثناء وحيد هو حلف الناتو. وقد اكتشف ترامب أهمية الناتو بعد أن استخدم، خلال حملته الانتخابية، خطابا قلل من شأن المنظمة. وهناك تغيير آخر يتعلق بروسيا التي عدها ترامب تهديدا، في حين أنه استبعد كونها تهديدا خلال الحملة الانتخابية.

ومن السمات المهمة لاستراتيجية الأمن القومي إعطاء الأولوية للعلاقات مع إسرائيل ومصر والمملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى، باستثناء قطر. ولمواجهة الدور المتزايد الذي تقوم به إيران في المنطقة، تلمح الاستراتيجية إلى تشكيل كتلة مكونة من دول الخليج دون ذكرها بالاسم.

وعلى النقيض من باراك أوباما،لا يرى ترامب أي إزعاج في استخدام الإسلام في سياق الأفكار المتطرفة ويرسل تحذيرا للبلدان التي تدعم الأيديولوجية الإسلامية المتطرفة.

إن تعزيز القوة الناعمة ليس أولوية في الاستراتيجية الجديدة التي لا تتجاهل استخدام القوة الصلبة إذا لزم الأمر.

بعد تفكيك الكتلة السوفياتية، كان من المتوقع أن تصبح الولايات المتحدة الزعيم الوحيد للعالم أحادي القطب، ولكن هذا لم يحدث لأمرين: أولا، لأن روسيا خرجت من ركام الاتحاد السوفيتي لاعبا مهما واستفادت من التدهور الأمريكي في سوريا.

ثانيا، أن الانسحاب المتسرع للجيش الأمريكي من العراق وفر لإيران أرضية مناسبة لتسيطر على العراق أولا ثم سوريا.

وبالإشارة إلى أن داعش لم يقض عليها بعد في سوريا، فإن الاستراتيجية الأمريكية تعطي إشارات عن نية الولايات المتحدة البقاء في سوريا، على الأقل حتى يتم تسوية مسألة دور بشار الأسد في المستقبل، ولكن الولايات المتحدة لا تستطيع بسهولة أن تسير عكس مسار التيار هناك.

كان الرأي العام التركي مهتما على نحو خاص بالاستراتيجية الأمريكية الجديدة بسبب الطبيعة المعقدة للعلاقات التركية الأمريكية. وقال مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي، هربرت ماكماستر، بعد أيام قليلة من إعلان الاستراتيجية، إن تركيا وقطر تدعمان "الفكر الإسلامي الراديكالي". ولما كان ماكماستر أهم شخصية في الفريق الذي صاغ الوثيقة، فإن تركيا تأخذ على محمل الجد كلا من تصريحه بشأن تركيا ونص الاستراتيجية . حاول مكتب ماكماستر في وقت لاحق تقديم توضيحات لتصريحه بالقول إن تركيا حليف للناتو وشريك في القتال ضد داعش، ولكن مضمون التصريح الأولي لم يتغير.

لا توجد إشارة مباشرة إلى تركيا في الوثيقة بأكملها، لكنها تقول في سياق آخر: "تهدف روسيا إلى إضعاف النفوذ الأمريكي في العالم وتفريقنا عن حلفائنا وشركائنا"،وهي ربما تشير بذلك إلى بيع روسيا صواريخ S-400 إلى تركيا. ونشرت وسائل الإعلام التركية تعليقات ساخرة تتساءل عما إذا كان من الأفضل عدم ذكر تركيا على الإطلاق في الوثيقة، لأنها إذا ذكرت لأضرت بمصالح تركيا في ضوء صورتها المشوهة في الولايات المتحدة.

أصبحت تركيا هدفا لانتقادات قاسية من جانب الولايات المتحدة بسبب الدور النشط الذي قام به الرئيس ،رجب طيب أردوغان، احتجاجا على قرار ترامب بشأن القدس.

صدرت تصريحات متذبذبة من الزعيمين التركي والروسي حول صدق التعاون بين هذين البلدين. ومن جهة أخرى، قال رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدريم، بعد محادثاته مع القادة السعوديين إن تركيا والمملكة العربية السعودية اتفقتا على 90 في المئة من الموضوعات التي ناقشها. وفي ضوء هذين المعيارين، يبقى أن نرى ما إذا كانت تركيا قادرة على وضع سياسة متوازنة بين علاقاتها مع الولايات المتحدة وروسيا.

وختاما، فإن وثيقة استراتيجية الأمن القومي مليئة بالنقاط المثيرة للاهتمام التي ينبغي أخذها في الحسبان في جميع أنحاء العالم، وعلى الأخص في الشرق الأوسط.

تنويه: إن الآراء الواردة في قسم «تقارير وآراء»- بما قد تحمله من أفكار ومصطلحات- لا تعبِّر دائماً عن السياسة التحريرية لصحيفة «قاسيون» وموقعها الإلكتروني