الشركات متعددة الجنسيات والدول القوميّة الإمبرياليّة
جوني بيلامي فوستر جوني بيلامي فوستر

الشركات متعددة الجنسيات والدول القوميّة الإمبرياليّة

لطالما هيمن على النقاشات المتعلقة بالشركات متعددة الجنسيات، سواء لدى اليمين أو اليسار، ثلاث قضايا متداخلة: (1) أسباب نشوئها [لمعلومات أكثر انظر: أصل الشركات متعددة الجنسيات – قاسيون]. (2) التمييز بين الشركات متعددة الجنسيات والعمليات الدولية للشركات، وأيضاً إمكانيّة ظهور شركات عابرة للحدود الوطنيّة بشكل كلي. (3) المدى الذي يمكن فيه لهذه الشركات العملاقة المتداخلة عالمياً أن تحلّ محلّ الدول نفسها. إضافة إلى ذلك، وفي إطار النظرية الماركسية، درج سؤال عن كيفيّة نشوء مثل هذه الشركات التي أوجدها التمويل الأجنبي المباشر، والتي يمكن لها أن تحوّل نظريّة لينين عن الإمبرياليّة التي ركزت على تصدير رأس المال، بشكل رئيس عبر صيغ استثمار سندات ماليّة. اليوم، تزودنا التحليلات المبكرة عن علاقة الشركات متعددة الجنسيات بالإمبرياليّة، والتي طورها المنظرون الماركسيون في الستينيات والسبعينيات، بالأدوات الناقدة اللازمة لفهم الإمبريالية الجديدة لرأس المال المالي العالمي الاحتكاري، والمتجذرة في الموازنة بين العمالة العالميّة.

تعريب وإعداد: عروة درويش

إنّ الطبيعة المرتبكة والمبتذلة والاختزاليّة والمثاليّة وغير المتماسكة عموماً، للرواية المهيمنة عن الشركات متعددة الجنسيّات، مستمدّة جميعها من المتطلبات الإيديولوجيّة المفروضة على المؤسسة الرسميّة: كان عليهم بطريقة أو بأخرى أن يبرروا واقع العلاقات الاقتصاديّة-السياسيّة الدوليّة، وذلك مع استبعاد السمة الهيكليّة الرئيسة لهذا الواقع، وهي تحديداً النظام العالمي الإمبريالي. إنّ قضيّة الإمبرياليّة في عالم رأس المال الاحتكاري هي التي كانت محلّ تركيز الباحثين الماركسيين والراديكاليين الآخرين.

أوضح ماغدوف في كتاب: «عصر الإمبرياليّة» بأنّ التوسّع الكبير للاستثمار الأجنبي المباشر قد تزامن مع صعود القيادة الأمريكيّة للنظام العالمي الإمبريالي في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، خاصّة في مجال التصنيع: «ففي حين أنّ الحاجة الملحّة لتطوير موارد المواد الخام الأجنبيّة قد ساهمت في حركة تصدير رأس المال بعد الحرب، فإنّ تسارع الاستثمار في مشاريع التصنيع الأجنبيّة أضاف بُعداً جديداً إلى تدويل رأس المال». لقد كان هدف العمليات الأجنبيّة للشركات العملاقة الاحتكاريّة (أو الاحتكاريّة-الأقليّة oligopolistic) أن تدخل صناعات جديدة وأسواقاً جديدة، وكذلك أن تستغلّ الفروقات العالميّة في الأجور والتكاليف المنخفضة في المناطق الأخرى.

وليس من المستغرب أنّ الاستثمار الأجنبي المباشر قد جلب عائدات دخل صافية إلى الولايات المتحدة، وذلك بكميات تفوق بكثير صادرات رأس المال نفسها. استنتج باران وسويزي في كتاب «ملاحظات على الإمبرياليّة» بأنّه تبعاً للعائدات المرتفعة لهذه الاستثمارات، «فإنّ الشركات، ناهيك عن كونها تصدّر رأس المال، تعدّ مستورداً كبيراً ومستمرّاً لرأس المال إلى الولايات المتحدة». عنى هذا بأنّ هذه الاستثمارات، بالإضافة لكونها وسائل لنقل الثروة من الجنوب العالمي إلى الشمال العالمي، كانت أيضاً تمكّن «الأثرياء من توسيع سيطرتهم على اقتصادات الفقراء». وبالنظر إلى التدفقات الداخلة والخارجة للدخل المرتبط باستثمارات الشركات متعددة الجنسيات في الولايات المتحدة في الخمسينيات والستينيات، لاحظ باران وسويزي: «يمكن للمرء أن يستنتج فقط بأنّ الاستثمار الأجنبي، ناهيك عن كونه مخرجاً للفائض المولّد محلياً، فهو أيضاً الأداة الأكثر فاعليّة لنقل الفائض المولّد في الخارج إلى البلد الذي قام بالاستثمار».

يقول باران وسويزي في كتاب «ملاحظات حول الشركات متعددة الجنسيات»، بأنّه بمجرّد قيام الشركات متعددة الجنسيات باختراق بلد ما: «فإنّها تسيطر على كلا حجم واستعمال الفائض الذي يمرّ في أيدي الآخرين، الذين هم مالكو ومشغلو رأس المال من جنسيات مختلفة». وبما أنّ حجم واستعمال فائض الدولة هو أمر مركزي لتطوير اقتصادها، فيمكننا القول: «إنّ الشركات متعددة الجنسيات هي العدو. ربّما ليست العدو لجميع أنواع التنمية التي تحصل في البلدان المضيفة، ولكن للتنمية التي تتفق مع مصالح أيّ طبقة أو مجموعة داخل تلك البلدان غير تلك التي تمّت خصخصتها واختيارها لتخدم رأس المال الأجنبي».

لقد قال جيمس أوكونور في كتابه لعام 1974: «الشركات والدولة» بأنّ الاحتكارات متعددة الجنسيّة ضغطت على حكومة الولايات المتحدة وعلى القوى الأوربيّة وعلى الوكالات الدوليّة التي تهيمن عليها الولايات المتحدة من أجل «صياغة وتنفيذ سياسات اقتصاديّة-سياسيّة تخلق بيئة جاذبة للاستثمارات في الخارج، وتحديداً في البلدان غير المستغلّة». وفي ظلّ تعزيز التنمية الاقتصاديّة، كانت القوى الإمبرياليّة تحاول دمج هذه «البلدان النامية بشكل أوثق في بنية الرأسماليّة العالميّة». وبالتالي فإنّ ما يسمّى بالتنمية الوطنية في بلدان الأطراف كان يتمّ توجيهه أكثر فأكثر عبر المصالح الخاصّة للشركات متعددة الجنسيات. ولهذا كان دور دولة مثل الولايات المتحدة أن تقنع البلدان «النامية» بأنّ زيادة دخول رأس المال الأمريكي لهذه البلاد هو «نافع وضروريّ من أجل نموّها الاقتصادي وتنميتها».

ورغم أنّ الكثير قد تغيّر فيما يتعلّق بدور الشركات متعددة الجنسيات على مدى العقود الأربعة الماضية، فإنّ هذه الحقيقة الأساسيّة لا تزال قائمة. وكما شدد سمير أمين في كتابه «التراكم على مقياس عالمي»: تمارس الشركات الاحتكاريّة، جنباً إلى جنب مع الدول الإمبرياليّة التي تدعمها، سطوتها على الدول القوميّة في الأطراف.

تنويه: إن الآراء الواردة في قسم «تقارير وآراء»- بما قد تحمله من أفكار ومصطلحات- لا تعبِّر دائماً عن السياسة التحريرية لصحيفة «قاسيون» وموقعها الإلكتروني