الصين والنفط السعودي: «قصّة حبّ» ربّما تكتمل
فالنتين كاتسونوف فالنتين كاتسونوف

الصين والنفط السعودي: «قصّة حبّ» ربّما تكتمل

كتب فالنتين كاتسونوف مقالاً في صحيفة مؤسسة «Strategic culture» يبيّن فيه مأزق السعودية ونفطها على ضوء المتغيرات السريعة في مراكز القوى العالميّة الجارية جاء فيه:

إعداد وتعريب: عروة درويش

فجّرت إدارة شركة أرامكو للنفط المملوكة للدولة قنبلة عام 2016، عند إعلانها عن نيتها خصخصة جزء من الشركة عبر طرحها أسهماً للبيع لأوّل مرّة. لقد اشتمل العرض على بيع 5% من أسهم الشركة. وتداولت وسائل الإعلام العالميّة في حينه تقديرات عن أنّ قيمة أسهم رأس المال تصل إلى عشرة ترليون دولار. لكن في وقت لاحق تمّ تحديد رقم أكثر منطقي لقيمة أسهم رأس المال هو 2 ترليون دولار. ومن أجل المقارنة فإنّ قيمة أسهم رأس مال شركة إكسون-موبيل، أكبر شركة نفط أمريكيّة، لم تتعدّى 350 مليار دولار عام 2016. ناهيك عن أنّ الورقة الرابحة في يد شركة أرامكو ليس إنتاجها النفطي الهائل فقط، حيث أنتجت عام 2013 ما مقداره 3.4 مليار برميل نفط خام، بل مقدار الاحتياطي الذي تملكه والذي لا يمكن لأيّ شركة نفط في العالم أن تقترب منه حتّى. وقامت السعوديّة باتخاذ خطوة صارخة من أجل زيادة الإقبال على أسهم الشركة، حيث خفضت الضرائب على أرباح الشركة من 90% إلى 50%، بحيث تصبح عائدات الأسهم أعلى.

لكن في بداية عام 2017: «بدأت تقديرات قيمة أرامكو السعوديّة السوقيّة بالهبوط بشكل غير متوقع. لقد بدأ تثمين أسهم رأس مال الشركة يطفو ليصل إلى مجرّد 1.5 ترليون دولار، ثمّ 1 ترليون. وقدّرت شركة «وود ماكينزي» الاستشاريّة بأنّ أرامكو السعوديّة تستحق فقط أربعمائة مليار دولار بشكل كلّي، ممّا جعلها قريبة من إكسون موبيل الأمريكيّة». ويستعرض المقال التبريرات التي تناولها الإعلام السائد الغربي في حينه بدءاً من مكاتب الاستشارات الغربيّة التي باتت تتحدث فجأة عن الحاجة لتخفيض قيمة الشركة السعوديّة تبعاً لكونها مملوكة للدولة وبأنّه يمكن استعادة أرباح الـ 90% بجرّة قلم، أو عن المخاوف من أنّ أثمان النفط لن ترتفع في السنوات القادمة وبهذا لن تستطيع أرامكو السعوديّة على توليد أرباح كبرى... لكن وكما يقول الكاتب: «لا شيء من هذه التبريرات يمكنه أن يبرر سقوط تقييمات الشركة السعوديّة في الأعوام الماضية».

ويتجه الكاتب هنا لتحليل السبب الأكثر منطقيّة والذي تغفله وسائل الإعلام السائد عمداً. فالضغوط التي تتعرّض لها الرياض من واشنطن هي السبب الرئيسي لذلك الانخفاض، وهذه الضغوط متعلقة بالعملة أكثر من تعلقها بسوق النفط. يقول كاتسونوف: «تريد الصين شراء النفط من أرامكو السعوديّة بالعملة الصينيّة وليس بالدولار. الصين هي الآن أكبر مستورد للنفط في العالم، وهي لا تريد أن تدفع ثمناً إضافياً مقابل النفط من خلال استخدام العملة الأمريكيّة. لقد بدأ عدد من موردي النفط إلى الصين بالفعل باستخدام، إمّا بشكل جزئي أو كلي، العملة الصينيّة في تعاملاتهم معها. وتأتي نيجيريا وإيران على قائمة تلك اللائحة. كما أنّ روسيا بدأت منذ فترة قريبة ببيع بعض من نفطها إلى الصين باستخدام العملة الصينيّة».

يتابع المقال شارحاً هذه النقطة بالتفصيل: «لكنّ السعوديّة تعتمد بشكل شديد على الولايات المتحدة، ولهذا رفضت أن تتمّ صفقات البيع باستخدام العملة الصينيّة. لكنّ هذا الصدّ كلّف البلاد الكثير: فبكين تتجه بشكل متزايد إلى موردين آخرين لاستبدال الرياض. لقد اعتادت السعوديّة أن تكون هي أكبر مورّد للنفط إلى الصين، لكن قامت روسيا مؤخراً باحتلال هذا المركز عوضاً عنها. إن استمرّت الأمور على هذه الحال، فقد تخسر السعوديّة السوق الصينيّة بأكملها».

تجد الرياض نفسها الآن واقعة بين المطرقة والسندان، فكما يشرح المقال: «يصعب تخيّل ما قد يصيب السعوديّة من خلف المحيط الأطلسي إن هي قبلت ببيع برميل نفط واحد باستخدام العملة الصينيّة. فبعد كلّ شيء، سيعدّ هذا تحدياً مباشراً منها للبترودولار الذي ولد هناك تماماً في السعوديّة في سبعينيات القرن الماضي، بعد أن تمخّض عن المفاوضات بين هنري كيسنجر والملك فيصل».

ويشرح المقال خوف الولايات المتحدة من أن يؤدي قبول السعوديّة ببيع نفطها مقابل اليوان إلى امتداد تلك «الجائحة» إلى بضائع سوقيّة أخرى، وقد أعلنت بكين عن نيتها ذلك بشكل علني. وتعالت الأصوات في الولايات المتحدة لمنع تبادل أسهم أرامكو في بورصة نيويورك، ممّا دعى الرياض إلى التراجع عن بيع الأسهم حتّى وقت آخر.

لكنّ هذه الخطوة لم تضع نهاية لمشاكل السعودية، والتي لا يزال عليها أن تختار بين الدولار وبين اليوان. ويأتي هنا العرض الصيني الذي يسهل، أو لا يسهّل، على السعودية الاختيار. فقد عرضت بكين أن توفّر على أرامكو عناء عرض أسهمها في بورصة نيويورك وأن تشتري الحصّة المعروضة للبيع بشكل مباشر. وسوق تقوم فوق ذلك بدفع مبلغ ممتاز مقابلها: مائة مليار دولار. وقد أعلنت الحكومة الصينيّة بالفعل عزمها تشكيل ائتلاف شركات تمويل وطاقة، بالإضافة إلى صندوق تمويل الصين السيادي، وذلك من أجل شراء «شذرة» من الشركة السعوديّة.

فهل بعد كلّ هذا تحتار الرياض؟

تنويه: إن الآراء الواردة في قسم «تقارير وآراء»- بما قد تحمله من أفكار ومصطلحات- لا تعبِّر دائماً عن السياسة التحريرية لصحيفة «قاسيون» وموقعها الإلكتروني