ماذا تعرف عن حركة «أنتيفا» (1)
لورين بالهورن لورين بالهورن

ماذا تعرف عن حركة «أنتيفا» (1)

(هذا المقال تعريف عن الحركة بلسانها هي، وبالتالي، فإن الأفكار والتحليلات الواردة فيه لا تعبر بالضرورة عن سياسة قاسيون)

قد يكون أصل كلمة «أنتيفا Antifa»، وهي التي باتت مرادفة لنشاط مناضلي الشوارع المرتبطين بجماليتها وبثقافتها الفرعيّة، ملتبساً بالنسبة للبعض. حتّى في ألمانيا، قلّة هم من يعرفون بخصوص الشكل الشعبوي لمناهضة الفاشيّة الذي أدّى لصياغة الكلمة.

تعريب: عروة درويش

وقد أثبت التاريخ السياسيّ القصير، ولكن الملهم، لهذه الحركة بأنّه غير مريح لكلا دولتي ألمانيا في حقبة الحرب الباردة، ولهذا تمّ تجاهله في المدارس وفي الإعلام السائد. إنّ إرثها اليوم هو شبه مفقود بالكامل بالنسبة لليسار.

  • الخروج من بين الأنقاض:

بحلول عام 1945، تمّ تدمير رايخ هتلر الثالث بشكل حسّي واستنزف سياسياً. توقّف المجتمع المدني عن العمل في العديد من المجالات، حيث انهارت قبضة النازيين على السلطة، وأدرك مؤيدو النظام، وخاصّة من الطبقة الوسطى والوسطى العليا، بأنّ «النصر الأخير» ما هو إلّا خيال.

في اليسار، كان الكثيرون من الشيوعيين والديمقراطيين الاشتراكيين إمّا قد قتلوا على يد النازيين، أو ماتوا في الحرب التي نشبت بعد ذلك. لقد أدّى الدمار البشري والمادي الذي لا يمكن تخيله على يد النازيين إلى مقتل الملايين وقلب المجتمع الألماني رأساً على عقب، وإلى تحطيم الحركة العماليّة وقتل معظم السكان اليهود في البلاد. وقد بات على الملايين ممّن دعموا، أو قبلوا على الأقل، بالنظام – بما في ذلك العديد من العمّال وحتّى بعض الاشتراكيين السابقين – أن يواجهوا بداية جديدة في تضاريس سياسيّة غير معروفة. 

لكن الحركة العمالية الألمانية، رغم فشلها في إيقاف هتلر عام 1933 وتفكيكها في السنوات التالية، قد عمّرت مع تقاليدها التقدميّة الراسخة أكثر من هتلر في مصانع مدنها الصناعيّة، وبدأت بتجميع شتاتها بمجرّد أن أصبح النشاط السياسي ممكناً. وكما وصف المؤرّخ غاريث ديل:

«من بين جميع قطّاعات السكان، كان العمّال الصناعيون في المدن الكبرى هم أكثر من تحصّن ضدّ النازيّة. كان العديد من النقابيين والاشتراكيين قادرين على الحفاظ على تقاليدهم ومعتقداتهم، بشكل ما على الأقل، أثناء الحقبة النازيّة. شاركت أقليّة شجاعة، ومن بينهم نحو 150 ألف شيوعي، في المقاومة غير القانونيّة. تجنبت فئات أوسع الخطر، لكنّها كانت قادرة على الحفاظ على قيم وذكريات الحركة العمالية حيّة بين مجموعات الأصدقاء وفي أماكن العمل وفي المجمعات السكنيّة.

كانت هذه الجماعات، والتي انطلقت من المجمعات السكنيّة التي ذكرناها غالباً، تدعو نفسها عموماً عدّة أسماء أشهرها «Antifaschistische Aktion» أو «أنتيفا antifa» اختصاراً. واعتمدوا على شعارات واستراتيجيات الجبهة المتحدة قبل الحرب، وتبنوا كلمة أنتيفا من آخر محاولة لإقامة تحالفات عابرة للأحزاب بين الشيوعيين والديمقراطيين الاشتراكيين عام 1932. وأصبح شعار التحالف الأيقوني، الذي وضعه أعضاء جمعيّة فناني الثورة البصريين ماكس كيلسون وماكس غيبهارد، منذ ذلك الحين أحد أكثر رموز اليسار شهرة.

بعد الحرب، تنوعت الأنتيفات من حيث الحجم والتشكيل على طول الرايخ السابق الذي بات مقسوماً إلى أربع مناطق محتلّة، وقد طوّرت علاقات مع القوى المحتلّة. لقد ظهرت بين عشيّة وضحاها في العديد من المدن، فتشكّل معظمها فور وصول قوّات الحلفاء. في حين قامت بعضها، مثلما حدث في وبرتال، بتحرير نفسها عبر خوض معارك شوارع مع الموالين لهتلر قبل وصول الحلفاء.

من المهم أن نعرف بأنّ هذه الدوائر لم تتشكّل بحالة عفويّة من التضامن بين الناجين من الحرب المؤلمة، بل كانت نتاج قدامى المحاربين من الحزب الديمقراطي الاشتراكي (SPD) والحزب الشيوعي (KPD) الذين أعادوا تفعيل شبكات ما قبل الحرب. أفاد ألبرخت لين بأنّ الأساس في أنتيفا مدينة براونشفيغ كان من أعضاء الحزبين الذين كانوا في العقد الرابع والخامس من عمرهم، والذين استطاعوا تجنّب الجبهة. رغم أنّ منظمات العمّال الكاثوليكيين وغيرها من القوات كانت مشتركة أيضاً.

كانت أعداد جماعات أنتيفا تتراوح ما بين عدّة مئات وعدّة آلاف عضو نشط في معظم المدن، في حين أنّ النقص العام في مشاركة الشباب يمكن أن يعزّى إلى اثني عشر عاماً من التعليم والتنشئة الاجتماعيّة النازيّة، والذي أباد الاتجاه الاشتراكي-البروليتاري الذي كان منتشراً قبل تلك الفترة بين معظم الشباب الألمان. ورغم أنّ احتياجات الحرب الماديّة وإعادة الإعمار قد أشركت المرأة في الحياة الاقتصاديّة بطريقة جديدة، فإنّ الهيمنة الذكوريّة على المجتمع الألماني في ذلك الوقت انعكست أيضاً على حركة أنتيفا التي كانت تتألّف إلى حدّ كبير (ولكن ليس بشكل كلي) من الرجال. 

مالت الأنتيفات إلى التركيز على مزيج من مطاردة المجرمين النازيين وأعضاء الحزب المختبئين (والذين كانوا يُلقبون باسم الذئاب المتحولين)، وعلى المشاغل العمليّة التي تؤثّر في حياة عامة الناس. مثال: طبعت أنتيفا مدينة براونشفيغ برنامجاً مؤلفاً من اثنا عشر نقطة، تطالب فيه من بين أمور أخرى بإزالة النازيين من جميع الهيئات الإداريّة، واستبدالهم بشكل عاجل «بمناهضي فاشيّة أكفاء». وبتسييل أصول النازيين واستخدامها في دعم ضحايا الحرب وقوانين الطوارئ لمحاكمة الفاشيين المحليين ولإعادة تأسيس خدمات الرعاية الصحيّة العامّة. وهو أمر نموذجي من منظمة يقودها اشتراكيون، وبالتالي تدرك تماماً الحاجة إلى الإعلام المطبوع كوسيلة تنظيميّة، حيث كانت النقطة الثانية عشرة من البرنامج والنهائيّة تنصّ صراحة على «صحيفة يوميّة».

رغم أنّ السجلات المتبقيّة تشير إلى أنّ الأنتيفات قد سيطر عليها الحزب الشيوعي، فإنّ المزاج السياسي في الأشهر الأولى كان بعيداً عن مغامرة «الفترة الثالثة» من أواخر حقبة فايمر. كانت الأنتيفات المحليّة، في جميع المجالات، ترغب بالتعلّم من أخطاء 1933 وببناء حركة عمّاليّة غير فئويّة لسدّ الانقسامات. وقد عزز ذلك الشعور واسع النطاق في نهاية الحرب بأنّ أهوال النازيّة كانت ناتجة عن عدم الاستقرار وعدم المساواة في ظلّ الرأسماليّة، وأنّ هناك حاجة إلى نظام اقتصادي جديد يتسم بالمساواة في فترة ما بعد الحرب.

وقد انتشرت مطالب تأميم الصناعات وغيرها من السياسات اليساريّة بشكل واسع. حتّى الزواج القسري بين الحزب الشيوعي والحزب الديمقراطي الاشتراكي في حزب الوحدة الاشتراكيّة (SED) في المنطقة السوفييتيّة، قد استفاد من هذا الشعور وجنّد الكثير من المعارضين في عامه الأول. في هامبورغ المحتلّة من قبل البريطانيين، عُقدت لجنة عمل مشتركة بين الحزب الشيوعي والديمقراطي الاشتراكي في تموز/يوليو 1945، وأعلنت، مدعومة بشكل واسع من أعضاء الحزبين:

«إنّ إرادة الاندماج في حزب سياسيّ قوي تحيا في قلوب ملايين أنصار أحزاب العمّال الألمانيّة المتحاربة من قبل، باعتبارها النتيجة الأكثر معنى لمعاناتهم المشتركة. هذه الرغبة محفورة بعمق في داخل جميع السجناء الباقين على قيد الحياة من معسكرات الاعتقال والسجون وأفرع الغستابو».

وتتضمن بقيّة الوثيقة مطالب عمليّة من أجل توحيد حركة العمّال المجزأة في هامبورغ.

اعتمد النجاح المتفاوت للأنتيفات على تكوين الحركة المحليّة، وعلى مقدار المساحة التي منحتها لهم القوى المحتلّة. فرغم تشكيلها في أقصى إدارات الحلفاء ودفعها قدماً لسياسات التطهير من النازيّة في مقابل القوى التي كانت تسعى إلى التصالح مع السلطات القديمة، فإنّها لم تكن في وضع يسمح لها بمقارعة سيطرة الحلفاء، وقد مثّلت أقليّة مناضلة في أحسن الأحوال.

فعلى سبيل المثال: كانت مدينة شتوتغارت الجنوبيّة الغربيّة الصناعيّة محظوظة بما يكفي لوقوعها ضمن المناورات الإقليميّة بين الولايات المتحدة وفرنسا، التي احتلت المدينة بشكل استباقي. وحرصاً على تجنّب الاضطرابات المدنيّة من أجل عدم إعطاء الأمريكيين الذريعة للعودة، سمحت السلطات الفرنسيّة لأنتيفا شتوتغارت بمساحة كبيرة لتفكيك جبهة العمل الألمانيّة من الحقبة النازيّة، وبإعادة بناء منظمات المصانع، وبتنظيم السكان في تحالف عابر للأحزاب مضاد للفاشيّة.

وشتوتغارت هي أيضاً جديرة بالذكر بسبب حضور الحزب الشيوعي المعارض (KPO). تألفت هذه المجموعة من قادة الحزب الشيوعي السابقين أوغست تالهايمر وهنريش براندلر، اللذين جندا عدداً كبيراً من ناشطي الحزب الشيوعي (KPD) متوسطي المستوى في المصانع، في أعقاب جنوح الأخير نحو اليسار الراديكالي عام 1929. لقد سمحت الدعاية القويّة التي قام بها حزب (KPO) ضدّ منظمة عمّال الجبهة النازيّة في انتخابات عام 1933 له بأن يوطّد قاعدة صغيرة، ولكن مليئة بالكوادر الشيوعيّة التي لم تقبل بامتداد الستالينيّة إلى حزبهم القديم.

ورغم أنّ (KPO) لم يكن أبداً منظمة جماهيريّة، ومجرّد ظلّ لنفسه في فترة ما قبل الحرب، فقد كان لما بقي منه تأثير حاسم على نقابة عمّال الحديد في شتوتغارت لعدّة أعوام، وكان قادراً على لعب دور في المصانع. قدّم هؤلاء الناشطون مع غيرهم للمدينة مناضلين جوهريين يمكنهم فهم، بسبب خبرتهم، الحاجة إلى توحيد العمّال على أساس عابر للأحزاب حول المطالب الاجتماعيّة الأساسيّة.

ولكن مثلما حدث في كلّ مكان آخر في ألمانيا، تمّ تحييد أنتيفا شتوتغارت بعد فترة قصيرة، وعادت إليها الانقسامات القديمة بين الحزب الشيوعي والديمقراطي الاشتراكي، لكنّ التقاليد الثوريّة للمدينة والميل للوحدة في العمل كان من شأنه أن يعود للظهور عام 1948، عندما أثار ارتفاع الأسعار الغضب على نطاق واسع على مستوى المدينة، وأدّى إلى إضراب عام شمل 79% من القوى العاملة، وانتشر إلى عدّة تجمعات محليّة أخرى.

  • خنق أنتيفا:

واجهت حركة أنتيفا وضعاً شبه مستحيل في عام 1945. كانت البلاد في حالة دمار بكلّ ما يمكن وصفه، وذلك بعد مرورها بمرحلة من الهدم والقتل الوحشي الذي لم يسبق له مثيل من ناحية الحجم.

كان مأزق أنتيفا خانقاً بشكل كبير، بمعنى أنّ القوى التاريخيّة الخارجة عن سيطرتها هي من ستحدد مصيرها. لم يكن متوقع من هؤلاء الاشتراكيين المناهضين للفاشيّة، رغم أنّ عددهم يفوق عشرات الآلاف في جميع أنحاء البلاد، أن يقدموا بديلاً سياسيّاً جديراً بالاعتبار عن الأزمة الساحقة للحرب الباردة.

كان من المقدّر لألمانيا في عام 1945 أن تصبح نقطة انطلاق أطول مواجهة جيوسياسيّة في التاريخ الحديث، ولم يكن هناك سبيل أمام الأجزاء المتشظية من الحركة الاشتراكيّة أن تؤثّر على التطورات بأيّ طريقة ذات أهميّة. ومع ذلك، تظهر البيانات والوثائق من ذلك الوقت آلاف الاشتراكيين ومناهضي الفاشيّة المصممين، والمدركين بشكل كبير للطبيعة غير المسبوقة للحظتهم التاريخيّة، والذين رسموا منظوراً سياسيّاّ لما تبقّى من طبقة البلاد العاملة.

رغم أنّ أعدادهم كانت بكل أسف قليلة نسبياً بالمقارنة مع مجد الحركة السابق، فإنّ وجودهم دحض الفكرة القائلة بأنّ النازيين قد دمروا اليسار الألماني قبل الحرب. لقد كسر هتلر ظهر الاشتراكيّة الألمانيّة دون شك، لكنّ ازدهار ألمانيا الغربيّة التالي للحرب، والمرتبط بالارتياب المضاد للشيوعيّة، هو من دفن أخيراً ما تبقّى من التقاليد الراديكاليّة العائدة لما قبل الحرب.

يروي ألبرخت لين أنّ الظروف الصعبة بشكل لا يصدّق، التي واجهتها أنتيفا، قد قيّدت بالضرورة منظورها السياسي. فرغم أنّها جذبت آلاف الاشتراكيين وتعززت بسرعة مع عودة الشيوعيين وغيرهم من السجناء السياسيين من معسكرات الاعتقال، ورغم أنّها أصبحت القوّة السياسيّة المهيمنة لفترة وجيزة في مدن مثل براونشفيغ، فإنّها لم تتمكن من تقديم طريق سياسيّ للخروج من البؤس الاجتماعي للبلاد. 

يجادل لين بأنّ فشل الحركة العمّالية في هزيمة هتلر، وحقيقة أنّ ألمانيا كانت بحاجة للتحرير من الخارج، قد قاد مناهضي الفاشيّة إلى سياسات ردّ الفعل إلى حدّ كبير. فقد سعوا بشدّة إلى مطاردة المسؤولين النازيين السابقين وإلى تطهير المجتمع من العملاء، لكنّهم تجاهلوا بناء رؤية معقولة «لألمانيا جديدة» أبعد من مناورات الفاشيّة والحرب الباردة.

بعد أن حلّ الشيوعيون «اللجنة الوطنيّة لألمانيا حرّة» في الأسابيع التي تلت الحرب، بدأ أعضاء جماعة المقاومة النازيّة المتخفين يدعون أنفسهم «حركة ألمانيا حرّة». حاجج لين بأنّ ذلك الظرف قد كان رمزياً بالنسبة للمسار السياسي العام في ذلك الوقت: «فيما عدا استثناءات بارزة في لايبزغ وبرلين وميونخ، وصّفت الحركات المناهضة للفاشيّة نفسها بأنّها منظمات قتاليّة ضدّ الفاشيّة وليست لجاناً لألمانيا حرّة. وتركت بهذا مهمّة جمع القوى الاشتراكيّة بهدف التحرير، وبناء عليه، تركت ضمناً أمر تجديد ألمانيا للنازيين والرجعيين الذين تميزوا بموقفهم الدفاعي».

إنّ فشل الألمان في الانخراط في مقاومة شعبية لهتلر، حتّى في النصف الثاني من الحرب، قد أضعف معنويات اليسار وهزّ إيمانه بقدرات الجماهير. وينسب المؤرخ مارتن سابرو هذه السمة إلى فئة الموظفين الشيوعيين (communist functionaries) الذين عملوا تحت الوصاية السوفييتية في الشرق.

في المناطق الفرنسيّة والبريطانيّة والأمريكيّة، بدأت الأنتيفات تتراجع بحلول أواخر صيف عام 1945، حيث تمّ تهميشها جرّاء حظر الحلفاء المنظمات السياسيّة، وبسبب الانقسامات التي ظهرت من جديد داخل الحركة نفسها. وقفت قيادات الديمقراطيين الاشتراكيين بزعامة كرت شوماخر مع المحتلين الغربيين وأعادوا الحزب إلى خطّه المناهض للشيوعيّة في فترة ما قبل الحرب، ليُصدروا مرسوماً في نهاية العام يقضي بتعارض عضويّة الحزب الديمقراطي الاشتراكي مع عضويّة حركة أنتيفا.

في شتوتغارت، تصارعت أنتيفا مع ما بقي من بيروقراطيّة النقابات القدامى على النفوذ السياسي منذ البداية. سعت قيادات اتحاد النقابات المركزي لألمانيا ما قبل الحرب إلى إعادة بناء علاقات عمل رسميّة في المناطق المحتلّة، ما عنى على الأقل عودة الحياة الطبيعيّة للطبقة العاملة الألمانيّة. وقد تناقض هذا مع نهج أنتيفا التي وطّدت علاقاتها مع بائعي المتاجر اليساريين ومع لجان المصانع، والتي كانت تدعو عادة إلى تأميم الصناعات ورقابة العمّال عليها. لم تكن هذه المطالب واقعيّة في نهاية المطاف في اقتصاد محطم تحتله الجيوش الأجنبيّة.

لقد أثبتت دعاوى الاستقرار والانتعاش الاقتصادي التي دعا إليها الحزب الديمقراطي الاشتراكي بأنّها أكثر جاذبيّة للعمّال، الذين أجبروا على الاختيار، من النضال المبدئي ولكن المخيف الذي تبنته أنتيفا.

كما أنّه تمّت عرقلة أنتيفا عبر القرارات التي أصدرها الحلفاء، وخاصة الولايات المتحدة وبريطانيا، بأن يتعاونوا مع ما بقي من النظام النازي دون مستوياته العليا. لقد تمّ في الغالب إيقاف الأنتيفات التي كانت تسعى لسجن القادة النازيين المحليين أو لتطهير الإدارات المحليّة، من قبل سلطات الاحتلال، الذين فضلوا إدماج موظفي الدولة القديمة في مؤسسات جديدة ديمقراطيّة في الظاهر.

ولم يكن هذا بسبب الصلات الوثيقة بين الحلفاء وبين موظفي الفاشيّة السابقين، بقدر ما كان يخدم المصالح العمليّة للإبقاء على سير المجتمع الألماني في ظلّ تلك الظروف الصعبة، دون التنازل عن النفوذ لصالح اليسار الألماني الراديكالي العائد من جديد. لقد تبخّر نفوذ أنتيفا في مناطق الاحتلال الغربيّة الثلاثة خلال أقلّ من عام، بسبب وقوف قوى الاحتلال التي تفوقه عدداً وعتاداً ضدّه، وبسبب مناورات الحزب الديمقراطي الاشتراكي. استقرّ المجتمع الألماني الغربي، واستقطبت الحرب الباردة القارّة، وأدّى تحالف القوى السياسيّة القديمة لألمانيا مع الديمقراطيين الاشتراكيين، ومع المعسكر الغربي، إلى تعزيز قبضتهم على البلاد.

تنويه: إن الآراء الواردة في قسم «تقارير وآراء»- بما قد تحمله من أفكار ومصطلحات- لا تعبِّر دائماً عن السياسة التحريرية لصحيفة «قاسيون» وموقعها الإلكتروني

آخر تعديل على الخميس, 28 كانون1/ديسمبر 2017 03:33