من الأردن للهلتون... الجيش أقوى من الرئيس!
عبد المجيد فريد عبد المجيد فريد

من الأردن للهلتون... الجيش أقوى من الرئيس!

قرأت في كتاب «من محاضر جلسات عبد الناصر» لعبد المجيد فريد، وهو الذي شغل منصب الأمين العام لرئاسة الجمهورية في زمن عبد الناصر منذ عام 1958 وحتّى 1970، عدّة قصص طريفة. واخترت منها قصتين.

تتحدّث الأولى عن الاجتماع الذي عُقد في القاهرة برعاية عبد الناصر تالياً لأحداث «أيلول الأسود» في الأردن، حيث قال:

«الأحد 27 أيلول 1970 بعد وصول الملك حسين، بناء على طلبه لتبرير موقفه من أحداث أيلول الأسود التي بدأت في 16 أيلول، إلى القاهرة حيث اجتماع رؤساء وملوك العرب الذين اتفقوا على تحميله المسؤولية عن تصفية المقاومة الفلسطينية:"

كان الحوار ساخناً وتعرض الملك حسين خلاله للعديد من العبارات الحرجة وخاصة من ياسر عرفات. حاول الملك فيصل تهدئة جو المناقشة فطلب تسليم المسدسات التي يحملها كل منهما إلي! (عبد المجيد فريد) حتى لا ينتقل إطلاق النار من الأردن إلى الهلتون!».

وأمّا القصّة الثانية فتعود لعام 1961، عندما قرر عبد الناصر على إثر الانفصال مع سوريا إعادة هيكلة الجيش المصري وتحجيم الرجل الأقوى فيه: عبد الحكيم عامر، الذيّ عدّ مسؤولاً عن إدارة الإقليم الشمالي:

«عدم تدخل عبد الناصر في قرارات القيادة العامة أو توجيهاتها يرجع إلى قصة قديمة تمتد جذورها إلى ما بعد انفصال الوحدة مع سورية عام 1961. في اجتماع لمجلس الرئاسة (أعلى سلطة سياسية في ج.ع.م في ذلك الوقت) وعلى ضوء تصرفات سيئة لعدد كبير من القيادات العسكرية أثناء وجودها في الإقليم الشمالي (سورية) استغلها الانفصاليون للإضرار بالوحدة والدعوة داخل القوات العسكرية السورية إلى ضرورة الانفصال، بالإضافة للعديد من الأمثلة الصارخة في الاختيار السيئ لبعض القيادات العسكرية الرئيسية. كان عبد الناصر قد طلب أن يتم التصديق على تولي الوظائف العسكرية بقرار من مجلس الرئاسة وليس بقرار شخصي من القائد العام عبد الحكيم عامر، كما طلب عبد الناصر في نفس الجلسة أن تستبدل بعض القيادات العسكرية الكبرى التي ثبت فشلها في الفترة السابقة، ... وبمجرد أن اطّلع المشير عبد الحكيم عامر على القرار المقترح الذي يسلبه شخصياً سلطة تعيين القيادات العسكرية الرئيسية ويوكلها لمجلس الرئاسة بناء على ما ترشحه القيادة العامة، ثار في وجه عبد الناصر لأول مرة ونقد ألفاظ القرار نقداً لاذعاً، مستنكراً أي تدخل في سلطات القائد العام للقوات المسلحة. ... أضطرّ عبد الناصر في نهاية الأمر أن يقف ويترك الاجتماع مسنداً رئاسة الجلسة إلى عبد اللطيف بغدادي. بعد ذلك تطورت الأمور داخل القوات المسلحة، إذ نقل المشير عبد الحكيم ما دار داخل قاعة مجلس الرئاسة إلى الضباط الكبار، فسرى شعور بين القيادات العسكرية أن هناك خطة سياسية للتدخل في شؤون الجيش وسلب السلطة من القيادات العسكرية، بمن في ذلك قائدهم العام ... كان بديهياً أن يستنتج عبد الناصر مدى البلبلة التي عمت جميع القيادات العسكرية، ولذلك اعتبر ذلك أمراً في غاية الخطورة ويمس أمن النظام مسّاً مباشراً، بحيث خشي حدوث انقلاب عسكري، كما خشي حدوث صدام دموي بين الجيش والقوى السياسية المدنية، فاضطر أن يحني رأسه للعاصفة ويقبل الوساطة والتصالح مع عبد الحكيم عامر إنقاذاً للنظام كله، مع التنازل شخصياً عن اقتراحه والتسليم بمطلب عبد الحكيم عامر وهو أن يكون، بصفته القائد العام للقوات المسلحة، صاحب الحق الوحيد في تعيين القيادات العسكرية على كافة المستويات لا يشاركه أحد. كما استسلم لمطلب آخر لم يعلن وقتئذٍ، وهو أن يمتنع عبد الناصر عن الاتصال داخل الجيش عن طريق بعض معاونيه الذين كانوا أصلاً ضباطاً في القوات المسلحة بحيث يصبح مدخله الوحيد للقوات المسلحة باب القائد عبد الحكيم عامر».

تنويه: إن الآراء الواردة في قسم «تقارير وآراء» لا تعبِّر دائماً عن السياسة التحريرية لصحيفة «قاسيون» وموقعها الإلكتروني