الحرباء السياسية
يزن بوظو يزن بوظو

الحرباء السياسية

بمقدور بعض أنواع الحرباء أن تغيّر من لون جلدها متى شاءت، وذلك لعدّة دوافع، منها: عند تبدّل الضوء، أو شعورها بالخطر، أو بغاية التواصل فيما بينها. وبمقدور بعض أنواع السياسيين، أن يتقمّصوا شخصية الحرباء، باكتساب بعضٍ من خصائصها، ولربما بشكل أكثر مهارةً وفعالية، ليستبدلوا من مواقفهم متى شاء المجتمع الدولي عموماً والراعي خصوصاً

في ظل التراجع الأمريكي – الواضح جداً منه على أقل تقدير منذ فوز تيار ترامب -والانعطافات والإجراءات السياسية التي تحدث ضمن المركز الإمبريالي في هذا الإطار، وانعكاسه على مختلف المجتمع الدولي في جوانبه الاقتصادية والسياسية موضوعياً، وبالإضافة إلى الدول الصاعدة التي باتت تفرض سياستها على المجتمع الدولي بما فيها الولايات المتحدة، باتت سمة التخبّط والتبدّل في المواقف ملازمة لكل من لا يرى ولا يعي هذا الواقع الجديد الناشئ من تغيّر في موازين القوى، وبشكل متسارع، خاصةً في الأزمة السورية.

التغيّر سببه موضوعي، والذاتي يبقى متشدداً

لا يغرنّ أحد أن ما يُعلن ويُحكى إعلامياً اليوم، أو حتى سياسياً، اتجاه الحل السياسي هو نتيجة تغيّر ذاتيّ عند هذه القوى أو تلك، بل هو فرض وطاعة بعد معادلة «أيّ مكسب، هو أفضل من اللاشيء». فتعودنا منذ تفجرت الأزمة في سورية أنه عند كل طرح يخالف ثنائية «الاسقاط/ الحسم» العسكرية، ويتجه نحو الحوار أو الحل السياسي، تتحفنا أطراف الأزمة المختلفة المتشددة، بتبدل موقفها العريض من مهاجم ورافض، إلى موافق ومؤيد شكلاً، تباعاً منذ جنيف1 إلى فيينا و2254 وآستانا ومؤتمر الحوار الوطني مؤخراً مروراً بعدة طروح أخرى، وضمناً تكمن محاولات العرقلة بها كذريعة الحرب والإرهاب التي تمت معالجتها في آستانا، واختلاف أولويات السلال التي تم حلّها على مبدأ التوازي، والآن مؤتمر الحوار الوطني – الداعم لجنيف- للبحث أيضاً في قضايا الدستور والانتخابات كما أُعلن حتى الآن.

وفي إطار أبعد قليلاً من قاعات المؤتمرات وقراراتها، فبالإمكان رصد تغيّر مواقف عديدة، منها ما كان يعلن «واشنطن» عدوّة وداعمة للتطرف، ثم وفي لحظة أصبح يعتبرها حليفاً وفي «خندق واحد مع الجيش السوري»، لتعود عدوّة بعد حين، ومنها ما كان يطبّل ويزمّر لكل القوى الأجنبية والإرهابية الموجودة على الأراضي السورية ويدافع عنها سياسياً، ثم أصبح «يتملّص» منها ويهاجمها على أنها «مخربة» أو ما قيل على شاكلة أنها «طعنت في ظهر الثورة».

بالإضافة إلى تغييرات في المظهر والتسمية مثل المجلس الوطني ثم الائتلاف ثم الهيئة العليا... وإلخ.

من لا يتكيّف، ينقرض

بالطبع، الحرباء الناجية اليوم لم تكتسب قدرتها تلك عبر تناحر أسلافها مع الطبيعة ورفضها، بل بتكيّفهم مع كل المتغيرات في سياق عملية التطور التي أدت وفقاً لظروفها الخاصة امتلاكها لها، أما حرابي السياسة، فحدّث ولا حرج، القطار يسير، وهم وفي أحسن أحوالهم يبقون مكانهم، يغيّرون من عباءاتهم، ويمدون أرجلهم من الأسفل معرقلين، فتُكسر... لنتفاجأ باستقالة او اعتزال سياسي هنا أو هناك، ثم يعاودون الكرّة من جديد، وكأنه درس لم يكن.

وفي المقابل، هنالك من هو لا بحرباء ولا بمتكيّف، من توقف الزمن عنده في عام 2012 بأحسن أحواله ليندد ليلاً نهاراً رافضاً أي مؤتمر دوليّ كان وينادي بالحلول الداخلية، أو يحاول إقناعنا بأنه ونتيجة وقف الحرب المسلحة والقضاء على داعش فإن الأزمة انتهت وهنالك من انتصر...؟ أو يدعي إلى تشكيل عسكريّ موحد جديد لشنِّ هجوم مريخي..!

هذا وذاك، إن لم يتكيّفوا، سيتجهون نحو الانقراض موضوعياً كأي قديم أو سلبي يموت تحت عجلة التطور.

نحو التغيير، شاءوا أم أبوا

التاريخ يسير إلى الأمام، ومن يراهن على إطالة عمر الأزمة أو العودة إلى ما كان سابقاً قبل تفجّرها واهم، فالشعب محكوم بانتصاره على كل الآفات المعرقلة لتطوره والضارة به كسرطانات الفساد ومفرزاته التي عاشت وتعيش على أزمته ودمه وعرقه، وصولاً إلى إنجاز التغييرات الجدية والحقيقية المطلوبة وطنياً واقتصادياً وسياسياً.