«البُعبُع» المتخيل في الأزمة السورية
لا يمكن التغافل عن أن مصلحة الروس وحلفائهم تتلاقى مع مصلحة الشعب السوري ونضاله في وحدته ووحدة أرضه واستقلاله
يزن بوظو يزن بوظو

«البُعبُع» المتخيل في الأزمة السورية

من إحدى المسائل الكبيرة المُختلف عليها في الأزمة السورية - وربما تتربع على عرشها- محلياً ودولياً، هي «الدور الروسي في سورية»، فبين حفنةٍ من المهاجمين، وثلة من المشككين، تتعدد القراءات والتحليلات لهذا الدور؛ فالبعض يراه «احتلالاً»، وآخر يعتبره نوعاً من «تقاسم النفوذ» مع أو برعاية الولايات المتحدة، وينشّز آخرون في «مواويلهم» فيقولون إن روسيا هي «الإمبريالية الجديدة».

ولكن الوقائع تقول غير ذلك، ولعل أهم ما يميز الدور الروسي في الأزمة السورية هو سرعة تأثيره عليها موضوعياً. ومن الغريب حقاً، كيف أن لمثل هذه التأثيرات الواضحة عموماً، والسريعة زمنياً، أن تجعل البعض مخطئاً في قراءته لها ممن يُفترض أنهم «سياسيون خبراء»...

للقرن الحالي حديثٌ آخر

منذ منتصف القرن العشرين - وتحديداً بعد الحرب العالمية الثانية- خرجت الولايات المتحدة منتصرةً بأقل الخسائر، واغتنت في اقتصادها على حساب الدمار الأوربي عبر عملية إعادة الإعمار، والذي عزز بدوره مكانة الدولار في العالم، مروراً بأحداث عدة أُخرى، لتصبح صاحبة القرار والمستفرد الوحيد دولياً، على حساب الآخرين شعوباً ودولاً... إلى أن بدأت تنفجر عوامل التراجع الأمريكي اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً مع بداية القرن الحالي، والتي تجلت فعلياً بتكثيف عمليات الخروج العسكري الأمريكي إلى مساحات جديدة في العالم، مثقلاً بعوامل الضغط الداخلية. ومن الموضوعي، أنه بالتزامن مع حالة التراجع هذه يوجد محورٌ آخر صاعد متمثل في مجموعة دول «بريكس» وحلفائها.

الصاعدون في مواجهة تكبُّر المتراجعين

تجلت السياسات الأمريكية طوال النصف الثاني من القرن العشرين بالتنفيس عن أزمتها الاقتصادية، التي كانت تُفرز وتفتعل الحروب هنا وهناك، سواء بشكل مباشر كالهجوم العسكري استناداً إلى ذريعةٍ ما (الحرب على الإرهاب)، وغير المباشر كصنع بؤر التوتر والحروب البينية بين الشعوب وضمن الشعب الواحد...

في المقابل، فإن مصلحة الأطراف المغايرة، تكمن على العكس من ذلك في مواجهة عدوّها اعتماداً على سياسة «إطفاء الحرائق» و«خفض التوتر»، إن لم يكن من منطلق إنساني اتجاه الشعوب، فمن منطلق أمنيّ ووطنيّ أولاً اتجاه أنفسهم في مواجهة التيار الفاشي الأمريكي وحلفاءه الذين يتوهمون إن إحراق العالم كُله سيمكنهم من حل أزمتهم التي «لا مخرج لها». وعليه، بدأنا نرى جدياً عملية «محاربة الإرهاب» التي سحبت أحد أهم ذرائع واشنطن للوجود في المنطقة وكشفت المماطلة والخداع اللذان مارستهما الولايات المتحدة في مسألة مكافحة الإرهاب، وثم فعلوا آليات «الحلول السياسية» رغماً عن أوهام خصومهم.

«البعبع» الروسي المتخيل في الأزمة السورية

في سياق الحديث عن الأقطاب الصاعدة والمتراجعة، ومعركتها الجارية على امتداد الكرة الأرضية، تبرز الأزمة السورية كملفٍ رئيسي دولياً تجري عملية «كسر العظام» حوله، وإذ نبتعد قليلاً عن القراءات والتحليلات النظرية، لنرصد في الملموس الوقائع الأعمّ التي جرت وتجري، فمنذ أن تفجرت الأزمة السورية، حاول الأمريكي وحلفاؤه إلى أن يسلكوا الطريق المباشر في حربهم من خلال فرض النموذجين «العراقي والليبي» في سورية، إلا أن الفيتو الروسي- الصيني المزدوج والمكرر لمراتٍ عدة كان كافياً لوحده، للجم محور واشنطن عن ذلك.

وفي التوازي مع الطريق المباشر، ومنذ الفيتو الأول في عام 2011، كثف الأمريكي عملية تفعيل الوسائل غير المباشرة، عبر تفجير الصراعات الثانوية وتسليح أطرافها، والاستثمار في بالون الإرهاب في الأرض السورية عن طريق حلفاءه الإقليميين، إلى أن اشتد الصراع حتى بلغ ذروته في تهديده لجهاز الدولة ووحدة البلاد أواخر عام 2015، ليدخل «البعبع» الروسي في مواجهة عسكرية-سياسية مباشرة على الفاشيين بأدواتهم ووسائلهم وخططهم، من «داعش» و«النصرة» عسكرياً ضمن عملية مكافحة الإرهاب، إلى القرار الدولي التوافقي 2254 سياسياً، إضافة إلى اجتماعات آستانا...

إننا نرى اليوم نتائج ما سبق، من اتفاقاتٍ لوقف إطلاق النار ومناطق خفض التصعيد والدفع باتجاه الحل السياسي، وصولاً إلى حصر مناطق نفوذ التنظيمات الإرهابية، وهو ما عكسه تصريح وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، مؤخراً بأن «سيطرة داعش على الأراضي السورية تقلصت من 70 إلى 5%» بعد سنتين، علماً أنه وإبان تأسيس «التحالف الدولي» بقيادة واشنطن، كان يتحفنا الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، بأن الحرب على «داعش» سوف تستغرق عشرين عاماً..!

هنالك «بعبع سوري» لأصحاب العرقلة...

إن الروس وحلفاءهم في صراعهم مع العدو المتراجع، يسعون لتحقيق مصالحهم، وبناءً على التصريحات والأفعال والنتائج التي تحيط بالأزمة السورية، وصولاً إلى التحليلات الاستراتيجية الروسية، يُمكن الاستنتاج أن جُل مصلحة الروس في سورية هو إخماد المنطقة كبؤرة توتر أولاً، وعرقلة امتداد وتوسع الهيمنة الأمريكية في المنطقة ثانياً، وثالثاً والأهم هو المحافظة على جهاز دولة سوري بإمكانه التصدي لمصالح الغرب الإمبريالي في المنطقة.

ومن هذه النقاط الثلاث، لا يمكن التغافل عن أن مصلحة الروس وحلفائهم تتلاقى مع مصلحة الشعب السوري ونضاله في وحدته ووحدة أرضه واستقلاله، وينعكس هذا الوضع الدولي، على الوضع المحلي، بتصاعد «البعبع الوطني» السوري في معركته بوجه كل قوى التشدد والفساد محلياً التي تبدو مفهومة حالة التخبط والهلع التي تعيشها على وقع سير قارب الأحداث خلافاً لرياح نهبها...