تأميم رأس المال هو الحلّ الوحيد: خطّة مايدنر السويديّة
بيتر غون وميو فيكتورسون بيتر غون وميو فيكتورسون

تأميم رأس المال هو الحلّ الوحيد: خطّة مايدنر السويديّة

تتطلّب مواجهة رأس المال خطّة. فرغم أنّ تركيز المال في أيدي قلّة ضئيلة يمثّل عقبة رئيسية أمام المساواة الاقتصادية وأحد التهديدات الرئيسية على الديمقراطيات، لكن دون وضع جدول أعمال ملموس قادر على تأمين السيطرة على رأس المال لصالح الشعب، لن نتمكن أبداً من النجاح في تخطي هذه المشكلة.

تعريب وإعداد: عروة درويش

إنّ السيطرة العامّة على نسب الدخل القومي الذي يذهب لصالح أصحاب رأس المال له فوائد هائلة: الوصول إلى مجتمع يوفّر مستوى من الراحة والأمن والحرية لا يدركه معظم الذين يعيشون في ظلّ النظام الحالي، وانخفاض كبير في الفجوات التي تفصل بين الأعراق والجنسين والمجتمعات المحلية، وديمقراطية أكثر صحّة.

ولهذا فإنّ سيطرة الشعب على رأس المال مسألة في غاية الأهمية والأولوية، ويجب أن نستفيد من التجارب والدروس التي مرّ بها الآخرون أثناء محاولتهم القيام بذلك.

 

أمل جديد:

لقد أخذ اتحاد نقابات العمّال السويدي في السبعينيات على عاتقه تولي المسألة أعلاه، وإن كان ذلك في ظلّ ظروف وطنية مختلفة.

لقد بنيت دولة الرفاه السويدية في مرحلة ما بعد الحرب على أساس نموذج صمّمه الاقتصاديان رودولف مايدنر وغوستا رين. لقد ركّز هذا النموذج على السياسات الماليّة الكينزية وعلى المفاوضات الجماعية المركزيّة بين النقابات وبين أرباب العمل وعلى خفض التضخم وعلى الدفع تجاه تحقيق المساواة في الأجور من خلال سياسة "التضامن في الأجور". لخّص مايدنر المبادئ الكامنة خلف هذه السياسة عام 1993:

«ينبغي أن تتساوى أجور الأعمال المتماثلة، بغض النظر عن ربح الشركة وحجمها وموقعها. الذي يهم هو طبيعة العمل والمهارات المطلوبة لأدائه. إنّ هدف هذه السياسة هو التقليل من الفوارق بين الأجور ولكن ليس إلغائها تماماً، فالأعمال ذات الطبيعة المختلفة يجب أن تتلقى أجوراً مختلفة».

لقد كان للتضامن في الأجور عددٌ من الآثار المفيدة. أولاً: لقد جعل التركيز على المطالبة بالأجور من الموضوع أمراً رئيسياً في المفاوضات، فقد سمحت للنقابات بضمان رفع مستويات المعيشة دون خلق دوامة تضخميّة.

ثانياً: لقد ضمن عدم قدرة الشركات غير المنتجة على البقاء عائمة عبر دفع أجور أقل لعمّالها. هذا سيؤدي إلى جعل العمّال فائضين عن الحاجة، ولكن هذا يعتبر إحدى سمات النموذج: فسيتمّ استبدال الوظائف في الشركات ذات الإنتاجية المنخفضة بوظائف جديدة في شركات وصناعات أكثر إنتاجية عبر الاستثمار الضخم وعبر سياسات سوق العمل النشطة وعبر دولة رفاه واسعة تضمن عدم معاناة أحد من مشاق الفترة الفاصلة بين ترك عمل وإيجاد غيره.

لقد كان واضحاً أنّ هناك أثراً جانبياً يهدد التضامن الذي بني عليه النموذج الاقتصادي. لقد أدّى ضبط الأجور في الشركات ذات الربحية العالية إلى إبقاء الضغوط التضخمية منخفضة، لكنّه فعل ذلك عبر تحقيق أرباح فائضة ضخمة لأصحاب الأعمال. لقد أظهرت تقديرات هيرمانسون في الستينيات بأنّ نسبة هائلة من رأس المال في الاقتصاد السويدي تسيطر عليها 15 عائلة فقط.  

وأكد تحقيقٌ أجرته الحكومة نتائج هيرمانسون، ولخّص مايدنر المزاج العام: "أدّى التضامن في سياسات الأجور إلى عدم التضامن في سياسات الأرباح". لقدّ أدّى ضبط الأجور والاستثمار الحكومي إلى تركّز الأرباح التي خلقتها في يد قلّة ضئيلة. وجد العمّال أنفسهم يتساءلون عن سبب عدم مشاركتهم بالأرباح، ولهذا قرر اتحاد نقابات العمال بأنّ عليه أن يجد طريقة لإعادة توزيع الأرباح الهائلة.

وبناء عليه تمّ في عام 1973 تعيين "مجموعة مايدنر" التي تضمّ أيضاً غونار فوند وآنّا هيدبورغ، من أجل اقتراح طريقة لتحقيق ثلاثة أهداف: تعزيز سياسة الأجور التضامنية عبر ضمان عدم إثراء مالكي الشركات نتيجة ضبط الأجور، ومواجهة تركيز رأس المال الخاص، ومنح العمّال سيطرة أكبر على أماكن العمل.

فأتت النتيجة التي نشرت بعد عامين وتبناها مؤتمر اتحاد نقابات العمال في 1976، والتي كانت أحد أكثر اقتراحات سياسات الديمقراطية الاجتماعية طموحاً من بين التي نُظر إليها بجدية في بلدٍ ذي اقتصاد متطور. فهي تتصدّى إلى مسألة جني منافع الأرياح الفائضة، وكذلك إلى مسألة من يملك ويسيطر ويدير مكان العمل.

نصّت الخطّة على إنشاء عدد من "صناديق جاني الأرباح" وتمويلها عبر مدفوعات متعلقة بالربح على شكل أسهم تخولّ حق التصويت، وإدارتها من خلال مجالس تسيطر عليها النقابات. بهذه الطريقة سوف تقوم الشركة بجني الأرباح لحاملي أسهمها، وستكبر صناديق جاني الأرباح وتملك أسهماً أكثر فأكثر في الشركة حتّى تصبح هي مالكة أغلبية الأسهم.

لن تعود الفوائد الهائلة الفائضة ذات نفع على الأغنياء والأقوياء وحسب، بل سيتم تقاسم فوائد رأس المال عبر المجتمع. سيتم التحكم بالصناديق عبر عمّال من مختلف فروع الصناعات والأعمال، وهذا سيضمن بالتالي عدم خلق منافع غير متساوية لصالح العمّال في الشركات الأكثر ربحية، وبالتالي لن يؤدي إلى الإسهام في زيادة الفروق بالأجور بين العمال.

لقد قدّرت مجموعة مايدنر بأنّ صناديق الأرباح ستتمكن من السيطرة على غالبية أسهم الشركات خلال عقود. ومن أجل التحضير لهذا التحوّل سيتم تقسيم عائدات الأسهم المدفوعة لصناديق الأرباح بين إعادة الاستثمار في الشركات، وبالتالي زيادة الحصّة التي يملكها العمّال، وتمويل الأبحاث والتعليم وتدريب العمّال من أجل مساعدتهم في تشغيل شركاتهم.

ومن أهم ما توصلت إليه مجموعة مايدنر عبر النقاشات الهامة حول تركيز رأس المال:

«إنّ الاقتصادات الحديثة في الغرب مليئة حدّ التخمة بالتدابير المضادة للاحتكارات أو التكتلات أو الأمانات الاحتكارية. ومع ذلك فلا أحد ينكر بأنّ اتجاه التنمية الاقتصادية الأساسي مسيطر عليه ويعمل لصالح أصحاب رأس المال ومصالحهم».

ليس أمراً كافياً أن تحظى، كما كان الأمر في السويد، بعقود متتالية من الحكم الديمقراطي الاجتماعي وبدولة تدخليّة وبنقابات عمّال قويّة. فدون تغيير من يملك رأس المال، سوف تبقى التنمية الاقتصادية تعمل لصالح الأقوياء والأثرياء.



الشكل 1: هيكليّة صندوق جني الأرباح كما أتى في الاقتراح الأصلي لمجموعة مايدنر:

أصحاب الأعمال يردون:

ليس من حاجة للقول بأنّ مقاومة أصحاب الأعمال لهذه الخطّة كانت شديدة ومستمرة وفاعلة. إضافة لذلك، فقد ضمنت هزيمة الحزب الديمقراطي الاجتماعي السويدي عام 1976 على يد تحالف يميني أن يحظى رأس المال بالوقت الكافي للتعبئة الكاملة ضدّ الاقتراح. وبحلول الوقت الذي عاد فيه الحزب إلى السلطة عام 1983، تمّ إهمال الاقتراح كنتيجة للتراجع والمساومات التي قامت بها الحركة العمّالية، وبسبب الدعم الفاتر (والذي وصل في بعض الأحيان إلى المعارضة الصريحة) من قيادة الحزب.

وقد تمّ تقديم شكلٍ جديد من الصناديق عام 1984، ولكن مع مشاركة محدودة للعمّال، وتمويلها فقط لمدّة سبعة أعوام بفرض ضرائب صغيرة على الأرباح بدلاً الأسهم. وصف مايدنر هذه النتيجة بأنّها "جرذ مثير للشفقة"، حيث تمّ إمّا التخلي أو تقويض معظم مبادئ الديمقراطية الاقتصادية الرئيسيّة وإعادة توزيع ملكية رأس المال وسياسة الأجور التضامنية. تمّت خصخصة هذه الصناديق من قبل الحكومة اليمينيّة بعد عام 1992.

لقد فشلت خطّة مايدنر، ولكن من المهم أن نتذكر بأنّ فشلها كان سياسياً وليس اقتصادياً. لقد واجهت نقابات العمّال أصحاب الأعمال وخسرت المواجهة، لكنّ خطّة التحوّل إلى اقتصاد ديمقراطي اجتماعي بقيت حيّة، ويمكنها أن تساعد في توجيه جهودنا الخاصة لمنح العمّال السيطرة على أماكن عملهم، والحدّ من اللامساواة عبر تمكين الملكية العامة لرأس المال، وبناء نموذج اقتصادي مستدام يمكنه إنهاء البطالة الجماعية وإبقاء التضخم تحت السيطرة.

 

تنويه: إن الآراء الواردة في قسم «تقارير وآراء» لا تعبِّر دائماً عن السياسة التحريرية لصحيفة «قاسيون» وموقعها الإلكتروني

آخر تعديل على السبت, 28 تشرين1/أكتوير 2017 18:40