أميركا المأزومة... وخيارا أوباما الصعبان
عبداللطيف مهنا عبداللطيف مهنا

أميركا المأزومة... وخيارا أوباما الصعبان

حين يبدأ الانحدار الإمبراطوري يعز التعقُّل وتنتفي الرويِّة ويتداعى الاتزان ويتسيَّد الارتباك، وحينها قد يغدو المنطق المهيمن ضرباً من الجنون. إنها واحدة مما تحتمه لا من مناص سنن السيرورات التاريخية للإمبراطوريات الآخذة في الأفول، وبالتالي هو ما نشهده سائداً الآن في ملتاث معسكر الحرب الأميركي، هذا الذي بات يشهد ضرباً من انفضاض أغلب حلفائه من حوله بشكلٍ أو بآخرٍ، أو هم خذلوه بقدرٍ ما اختلفت درجاته...

المعسكر المدجج الشاحذ آلة حربه الهائلة، والذي تتصاعد الآن دقات طبول حربه من جديدٍ بعدما لاح لعالمنا، ولأيامٍ قليلةٍ خلت، وكأنما هي إلى انخفاضٍ، وهى دقات لم تجد راقصاً عليها سوى الفرنسي الذي يجهد اشتراكيوه في اقناع ما عداهم يميناً ويساراً وغالبيةً شعبيةً رافضةً للحرب بصوابية التعلق بذيل المحارب الأميركي، يضاف له المتيسر دوماً من راقصي امتدادات هذا المعسكر الإقليمية وفي مقدمتهم التركي... فماذا بعد؟!

فيما يشيعه الأميركان ما يؤشر إلى تزايدٍ في الاحتمالات باقتراب أيام آخر طورٍ من اطوار تصعيد عدوانهم القائم والمستمر اصلاً على سورية، وأجوائهم التي يلبدها الوعيد تنحو، حتى الآن على الأقل، إلى تأكيد ما ينتووه، وبغض النظر عن سيناريوهاته وحدوده المعلنة أو المبيَّتة وتداعياته اللا متوقعة وغير الممكن التحكُّم فيها أو توقُّع مآلاتها، وسواء أقدموا عليه أو تراجعوا عنه، فالمشهد في كلا الحالين يعلن للعالم من حولهم أن أميركا مأزومة بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، وإن عليه وقد ابتلى بمعاصرة راهنها المأزومً أن يفسِّر، من الآن فصاعداً، كافة سياساتها المترعة بغرائب مفارقاتها ودواهي ارتباكاتها ومحموم حماقاتها وعدوانيتها، على هذا الأساس وحده لا غير...

الصمود، والتحدي، السوريين، والتفاف المحور الممانع والمقاوم من حولهما، ووضوح المواقف والاختيارات الاستراتيجية الإيرانية، وثبات الموقف الروسي، مقابل ضروب التهتك التحالفي وجاري الارتباكات في معسكر العدوان، تفاقم من المأزومية الأميركية، وتزيد من تعابير سعارها... ليس أمام الإمبراطورية المهتاجة وأوباماها وصهاينتها إلا سبيلين لا ثالث لهما:

إما الذهاب إلى الحرب، التي يسمونها ضربة، حيث الحصيلة، في زمن بداية الانحدار الإمبراطوري ومحدودية القدرة، وإن عظمت آلة فتكها وتطورت، ليست سوى إعادة انتاج خيباتهم العراقية والأفغانية، بل والأسوأ منهما مردوداً. وإما التراجع عن ماهي بصدده، بما يعنيه ذلك من ركونٍ إلى محاولات البحث عن حلولٍ سياسيةٍ يدعو العالم للجوء إليها، من شأنها إنزال أوباماها العالق بي أغصان شجرة تهديداته التي اعتلاها، أو بدء الإمبراطورية في سلوكٍ أكثر تواضعاً واتساقاً مع واقع حال مرحلة بدء أفولها... هل هذا ممكن؟!

بعيداً عن حمى التجييش الإعلامي العدواني الجارف المهيمن على سمع وأبصار العالم، هناك حقيقة لا تحجب شمسها غرابيل طغيان الزيف المأزوم ويشهد عليها تاريخ العدوانية الأميركية العريق، وهى أن كل حروب واشنطن، وبلا استثناءٍ، قد تذرَّعت لشنها بالأكاذيب وكان التخطيط لها سابق على اصطناع ذرائعها، وأن الإمبراطورية الاستعمارية المأزومة اليوم في حال من يصعب عليها إي من السبيلين المذكورين تمضي فيه. من هنا كان هروب اوباما إلى الكونغرس، بعد أن صاح بالخارج أمسكوني قبل أن أفعلها بتوفير استهدافاتي ولا من مجيب... الكونغرس، أو لجنة الخارجية فيه، اجازت قرار الحرب، وعلى الكونغرس البت تصويتاً آن انعقاده. هنا يتبادر إلى الذهن السؤال الذي لن تبخل الأيام المقتربة بالإجابة عليه، وهو، ترى هل تملك الإمبراطوريات، وفق قانون السيرورة التاريخية المحتومة لها، القدرة على التراجع الحصيف، أو يتوفر لمثلها ترف الانكفاء الهادىء الموازي لضرورات راهنها المنحدر، لاسيما وإدارتها قد بدت في نظر العالم الفاقدة لصوابية الرؤية وفي حال من ينعدم لديه بقية من تعقُّلٍ؟!

إنها حرب عدوانية على سورية، استعمارية بكل معنى الكلمة، ولا يهم اصحابها أنها تقع خارج كل القوانين والمواثيق والأعراف الدولية، ولا انعدام تأييد الرأي العام لديهم لشنها، كما لا تتفق وأبسط ما تقتضيه أدنى معايير الأخلاق والقيم الإنسانية... حرب على المحور الممانع المقاوم، واستطراداً، على مستجد القوى الكونية الصاعدة المعترضة على البلطجة الاستعمارية والتفرُّد الطغياني بقرار العالم... هذه القوى التي شرَعت اطلالاتها الكونية ذات التصاعد المتزايد في قوة شوكتها في تسريع تآكل هيبة الإمبراطورية العدوانية وتراجع حولها وطولها... حرب، ونعني هنا منها تحديداً هذا المستجد المنوي من اطوار عدوانهم على سورية، يمكن لأساطيلهم المحتشدة اشعال شرارتها الأولى لا التحكم في مسار اندلاعاتها اللاحقة... وأخيراً، علينا أن لاننسى ان سورية بما تعنيه في أمتها كانت وظلت دائماً في قلب مخططاتهم المعادية لهذه الأمة والمستهدفة لهذه المنطقة، وعليه، فمن الشائن والمعيب، بل والمهين والذي لا يليق بأمتنا، أن نسمع كيري يقول، وهو يحاول اقناع كونغرسه بتبني حرب ادارته، إن "بعض الدول العربية عرضت تمويل الضربة الأميركية على سورية"... أميركا مأزومة، وللعرب أيضاً صهاينتهم!!!

 


المصدر: التجديد العربي