غرب أفريقيا في عين عاصفة العسكريين الأمريكيين!
وثائق العملية تتألف من مئات الصفحات من المواد الموجزة
نبيل نايلي نبيل نايلي

غرب أفريقيا في عين عاصفة العسكريين الأمريكيين!

“إنّ العالم يُعتبر منطقة خطر، ولئن بدت السيناريوهات في المناظرات الرئاسية لسنة 2016، غامضة للغاية، إلاّ أن قدرة الولايات المتحدة على التصدي لها، ينبغي ألاّ تكون كذلك”! المسؤول الأمريكي السابق في وزارة الدفاع الأمريكية، مايكل روبن، Michael Rubin.

في الـ23 من مايو 2023 تحديدا، وفي استشراف متخيَّل للجيش الأمريكي، يتمكن إرهابيون من تفجير قنابل في كلّ من نيويورك ونيوجيرسي وينتهون بنفق لينكولن. الانفجارات الثلاثة المزدوجة تحدث في الساعة 7:10 صباحا، أي في بداية ساعة الذروة، وحين يكون الطريق مكتظا بالركاب الذين يخرجون إلى عملهم.
الهجوم أسفر عن مقتل 435 شخصا وإصابة 618 آخرين فقط، في نهاية المطاف. هجوم كانت ستكون نتائجه أكثر فداحة لو أن الخطة نجحت في حال وصول الشاحنات المفخّخة إلى “أهداف رفيعة المستوى”، والعهدة على سيناريو البنتاغون المتخيّل، أي في أماكن أخرى من مانهاتن. ولكن وعلى نحو ما، انفجرت القنابل في وقت مبكر! هكذا! ولا تسل أصحاب السيناريو، كيف ولماذا!
هذا الهجوم المذهل، الذي من شأنه أن يؤدي إلى أعلى عدد من الضحايا على الأراضي الأمريكية منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، ليس مجرد خيال جامح لكاتب سيناريو هوليوودي – إنما هو في الواقع- الحكاية الرئيسية للعبة الحرب الأخيرة التي تقف وراءها وزارة الدفاع الأمريكية، البنتاغون، والتي ألّفها بعض أحد مفكّري الجيش الاستراتيجيين الواعدين. هذا الهجوم المشابه لأحداث الحادي من عشر الذي وُظّف على أكمل الوجوه-أمريكيا وإقليميا وعالميا-، وهذه الحرب التي سيشعلها، يقدّم مجدّدا نظرة ثاقبة واستشرافية لمستقبل أفريقيا كما تصوّره بعض أهم استراتيجييي الجيش الأميركي ويتدرّب على أساسه هؤلاء الذين سيخوضون حروب أمريكا في السنوات المقبلية!
هجوم الثالث من عشرين من مايو هو جزء صغير ولكنه محوري من عملية محاكاة حرب أدارها العام الماضي طلاّب وأعضاء هيئة تدريس من كليات الحرب التابعة للجيش الأمريكي، مصدر تدريب وتفريخ الجنرالات والأدميرلات والرتب العالية في العسكرية الأمريكية. وكما كان البرنامج الاستراتيجي السنوي المشترك، Air and Sea Strategic Special Program، الذي جمع بين 148 طالبا من كلية الحرب الجوية الأمريكية، ، وكلية الحرب العسكرية، the U.S. Air Force’s Air War College، وكلية الحرب الأمريكية، the Army War College، وكلية الحرب البحرية، the Marine Corps War College، ومدرسة آيزنهاور للأمن القومي واستراتيجية الموارد، the Eisenhower School for National Security and Resource Strategy، وكلية الحرب القومية، the National War College، ،وكلية إدارة الموارد الإعلامية بجامعة الدفاع الوطني، the National Defense University’s Information Resources Management College.
كل هؤلاء تعاونوا لعدة أسابيع من المحاكات الحربية عن بعد، أجريت من خلال “أدوات الفضاء السيبراني والهواتف النقالة وعقد المؤتمرات عن بعد بالفيديو. ليتوّجوا ذلك- وفقا لما ذكرته وثائق البنتاغون التي حصلت عليها وكالة إنترسبت- بالممارسة ولمدة 5 أيام في موقع في معهد القوات الجوية في قاعدة ماكسويل الجوية في ولاية ألاباما، the Air Force Wargaming Institute at Maxwell Air Force Base.
وثائق العملية تتألف من مئات الصفحات من المواد الموجزة، وتقديرات الاستخبارات، وتقارير الوضع الخيالية، والتحديثات الصادرة أثناء التمرين نشرت بعضها وكالة إنترسبت.
وثائق غنية جدا ومفصلة للغاية، وفي هذا الوقت بدأ الصحافيون والمشرعون يطرحون عدة أسئلة متزايدة حول التدخل العسكري الأمريكي في غرب أفريقيا، ويقدمون تقييما مفزعا للمخاطر المحتملة للعمل المسلّح هناك. وبينما تذهب تقديرات الاستخبارات القومية إلى “أن هذه الحرب ليست واقعية، وليست إلاّ لعبة حرب، فإن سيناريو “اللعبة” يستشرف المستقبل في أوائل عام 2026، و”يهدف إلى إظهار تصور معقول للاتجاهات والتأثيرات الرئيسية في مناطق العالم”.
الميجور جنرال روجر إيفانز، Major General Roger Evans، قائد عملية “ضربة الصحراء، Operation Desert Strike”، كما سمّوها، قال للصحفيين: “لكن هذا التحالف يجب أن يكون أكثر صرامة وأكثر تكيّفا”. ومع أنها لعبة محاكاة، فإن هناك فجوة مصداقية بين ما قاله الجنرالات الخياليون عن الحروب المتخيّلة والوقائع الميداني.
وثائق التمرين تقدم –مع ذلك- تقييما أكثر تشاؤما للحرب التي قدّروا أنها ستدوم ثلاثة أعوام ونصف. كما يستشرف التقرير أن هناك “زيادة مطّردة في أعمال العنف في شمال موريتانيا ومالي ما زالت تحبط قادة عملية ضربة الصحراء الخيالية وهم يكافحون لمواجهة عدو عنيد”.
وفقا لملفات خيالية، فإنه وخلال شهر ديسمبر من سنة 2025 فإن الهجمات ستكون مذهلة وستصل إلى 90٪ مما كانت عليه، الشهر السابق!
وما الهجوم المتخيّل خارج قاعدة كندية في شرق موريتانيا، عشية عيد الميلاد، والذي سيقتل ثمانية جنود من التحالف ويجرح 15 آخرين إلا تدليل على تصاعد الهجمات الإرهابية ومؤشر “على تدهور الوضع بسرعة في المغرب العربي”. ومع “دخول الصراع عامه الرابع، لا تزال الأسلحة والمسلحون يتدفقون بحرية في منطقة الحرب”. الكولونيل بايرون سكاليس، Byron Scales، المتحدث باسم التحالف علّق بقوله:”نحن نبذل قصارى جهدنا للعمل مع دول المنطقة للسيطرة على تدفّق مقاتلي العدو والأسلحة إلى مالي وموريتانيا والجزائر، ولكن لا توجد قوات كافية في كلّ مكان”.
“سنواصل العمل مع شركائنا للقضاء على القاعدة وتدميرها”، هذا ما يعد به الجنرال ايفانز الجمهور ..في مطلع عام 2026. فعمر تنظيميْ القاعدة وداعش بيد من يوظّفهما ويتمعّش من فظعاتهما. ” كم سيكلّف ذلك من الوقت وما مقدار التقدّم؟ مع ذلك، أُرسل إلى رئيس القيادة الأمريكية في أفريقيا في 8 آذار/مارس 2026، تقييما خاصا.
ومن النكسات العديدة التي ستعصف بعملية “ضربة الصحراء” والتي فحصها ايفانز، نذكر:
قدرة تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي على الصمود،
الخسارة القادمة للقوات الكندية،
ضعف القوات المالية والموريتانية،
عدم رغبة الاتحاد الأفريقي في توفير الجنود، من بينها.
مالي؟ موريتانيا؟ والجزائر؟ هل تذكركم “لعبة” البنتاغون بتقرير عما سمّاه مايكل روبن، Michael Rubin بـ”ارتدادات موجة الربيع الثانية” المسؤول الأمريكي السابق في وزارة الدفاع الأمريكية، و”الدول الـ 10 التي اعتبرها “الأكثر عرضة للاضطرابات والقلاقل خلال السنوات القليلة القادمة”؟
توصيات إيفانز هي الأخيرة التي صدرت عن عملية “ضربة الصحراء” في لعبة الحرب، لذلك نحن لا نعرف طبيعة رد قائد أفريكوم، ARICOM، أو ما سيقرره الرئيس ماك غراو، McGraw، في نهاية المطاف عندما تقدمت له جميع الخيارات: إما المضي في الحرب والانتقام من الوفيات ومن الهجوم الإرهابي المدمّر، أو مواجهة الفشل.
نظرا لمجموعة من الردود على مدى العقد الماضي، بالإضافة إلى النكسات في أفغانستان والعراق وسوريا والصومال واليمن وليبيا، لا نحتاج إلى كرة بلورية، أو إلى كلية عسكرية عسكرية أمريكية، لنكوّن فكرة جيدة عن قرار الرئيس ماك غراو. ويبدو من الأسلم افتراض أن الحرب الأمريكية الخيالية في غرب أفريقيا ستستمر حتى عام 2030، تماما كما كانت حروبها في العقد الأول من القرن العشرين متداخلة في أواخر 2010.
هل تذكرون الآن كتاب “عوالم وكالة الاستخبارات المركزية الجديدة، 2030″، التي استشرفت فيه عوالم “هندستها” الوكالة، ورسمت ملامحها في تقريرها الصادر سنة 2012 –سنة أو سنتين قبل ظهور تنظيم داعش-والذي عنونه استراتيجيوها بـ”الاتجاهات العالمية عام 2030، عوالم جديدة Global Trends 2030:Alternatives World National Intelligence Council”، وقالوا أن “الشرق الأوسط لن يتمكن من إيجاد تعاون إقليمي يمكّنه من معالجة القضايا الأمنية حتى عام 2030″!
سيقول بعضهم: بنات أفكار نظرية مؤامرة؟ مع وجود كل هذه الكليات وكل هؤلاء الجنود، وهذا السيناريو وهذه اللعبة، فبماذا عساكم تبرّرون؟

*أفريقيا

تنويه: إن الآراء الواردة في قسم «تقارير وآراء» لا تعبِّر دائماً عن السياسة التحريرية لصحيفة «قاسيون» وموقعها الإلكتروني