أميركا تحت جناح الصدمة والترويع

أميركا تحت جناح الصدمة والترويع


أثناء إعداد التقرير الذي بين أيديكم، وردت معلومات ذات طبيعة استخبارية وأمنية لم يتم نفيها لتاريخه تفيد بان الأخوين المتهمين بتفجيرات سباق ماراثون بوسطن هما في الحقيقة "عميلين مزدوجين جندتهما الأجهزة الأمنية الأميركية والسعودية بغية اختراق صفوف شبكات الجهاديين الوهابية العاملة على امتداد منطقة القوقاز الروسية بتمويل سعودي." ومضت بالقول ان الأخوين من الشيشان انقلبا على مشغليهم وانضما سرا إلى الشبكات الإسلامية المتطرفة


   
   
   
         
       
         
 .
وبينت مجريات التحقيقات الأمنية الأميركية الأولية ان وكالة المخابرات الروسية طلبت من مكتب التحقيقات الفيدرالي، اف بي آي، عام 2011، بفعل اتفاقيات التبادل الأمني القائمة بينهما، بالتدقيق في ملف "تمرلنك سارناييف" (الذي قتل في اشتباك مع قوى الأمن في بوسطن) للاشتباه بعلاقات له مع خلايا وهابية في أراضي القوقاز، بالتزامن مع فترة اتسمت بإعلان تلك الخلايا ولاءها لتنظيم القاعدة. مكتب التحقيقات اطلق سراح تيمورلنك بعد فترة تحقيق وجيزة لعدم توفر الأدلة، كما أفاد الاف بي آي.
يذكر ان روسيا تشن حربا شرسة دون هوادة على الخلايا الوهابية العاملة داخل أراضيها، بدعم وتمويل من الحكومة السعودية وأثرياء سعوديين أيضاً، تحت غطاء بناء مساجد ومدارس دينية لنشر الفكر الوهابي الاقصائي.
أيضا، تفيد التحقيقات الأولية المنشورة حول الشقيقين أنهما هاجرا الى الولايات المتحدة بشكل قانوني منذ ثماني سنوات على الأقل؛ وسائط الإعلام الاجتماعية أشارت إلى ان للأخوين قناعات اسلامية، دون مزيد من التوضيح، بل ان الشقيق الاكبر سافر ومكث 6 أشهر خارج الولايات المتحدة العام الماضي.

في الايام القليلة الماضية اضحت اميركا ساحة حرب داخلية مرة اخرى، اذ تزامن تفجيري مدينة بوسطن مطلع الاسبوع المنصرم مع رسائل بريدية ملوثة بمادة الريسين بالغة السمومة لترويع قمة الهرم السياسي في واشنطن ، تلاها انفجار هائل في معمل للاسمدة الكيميائية في مدينة ويست بالقرب من ويكو بولاية تكساس، مجهول الاسباب، الذي خلف ضحايا مدنيين فضلا عن الحرائق الهائلة الناتجة عنه. تقارب التوقيت بين الحوادث المؤلمة الثلاث طرح تساؤلات عدة مشروعة تتمحور حول امكانية تعرض البلاد لهجمات متعددة ومتناسقة طالت عدد من المستويات. بل الأهم، هل كانت تفجيرات بوسطن من فعل فرد بمفرده، "ذئب اوحد،" وهل كانت حملة الرسائل الملوثة وانفجار معمل الاسمدة جزء من نسق تفجيري ام استنساخ لعمل سابق آخر؟
كما تشير المعلومات الاولية المفرج عنها الى استبعاد وقوف اياد خارجية وراء انفجارات المعمل، وان الرسائل الملوثة وتفجيرات بوسطن لا يتوفر ما يدل على ارتباطهما مع بعض، سيما وان احدى الرسائل الملوثة ارسلت الى قاض في احدى المحاكم قبل وقوع الانفجارات. واستطاعت السلطات الامنية اعتقال احد المشتبه بهم في فعلة الرسائل الملوثة من مواطني ولاية مسيسيبي؛ ولم تتضح بعد توجهاته السياسية.
الكشف عن هوية الشقيقين من اصول شيشانية لضلوعهما في تفجيرات بوسطن لم يغلق باب التكهنات وتوخي الدقة لتضارب بعض المعلومات، ربما بدافع السبق الصحفي وطمأنة المواطنين ليد الاجهزة الامنية الطولى. يذكر ان ارهابيين من الشيشان استهدفوا مدرسة للمرحلة المتوسطة بمدينة بيسلان جنوبي روسيا، عام 2004، واتخاذ المئات منهم رهائن. كما ان ساحة افغانستان شهدت تدفق عدد لا باس به من المقاتلين الشيشان واخذ مواقعهم الى جانب صفوف طالبان.
كما دلت المعلومات الامنية المفرج عنها ان تفجير بوسطن تم بطريقة وعاء للطهي يعمل بفعل الضغط الهوائي محمل بمواد متفجرة بطيئة الاشتعال يعززه شظايا وكُرات معدنية والتي تسببت بمعظم الاصابات. اما صاعق التفجير فلم يتم الافصاح عن مكوناته بعد، مع الاشارة الى وجود قطع الكترونية متناثرة.
دخول اوعية الطهي العاملة بمبدأ الضغط الى مكونات اسلحة الارهابيين مضى عليه نحو عقد من الزمن. اذ اعرب مركز ابحاث اميركي، معهد دراسات السلام والصراع، في تقرير اعده عام 2000 حول "اوعية التفجير المبتكرة" ان من بعض المكونات المفضلة لاستخدامات ارهابية هي "اسطوانات اطفاء الحرائق، اوعية الطهي بفعل الضغط، واسطوانات الغاز .. نظرا للضغط الاضافي المتولد داخل وعاء الطهي وانتشار الشظايا بقوة دفع اقوى." وكانت هذه احدى الوسائط التي اقلقت قوات حلف الناتو بعد غزوها واحتلالها للعراق وافغانستان في وقت مبكر قبل ان توطد اقدامها في البلدين. واصدرت وزارة الامن الداخلي الاميركية تعميما الى قوات الطواريء عام 2004 تلفت انتباههم الى استخدام القوى المعارضة لاميركا اوعية الطهي وتحويلها الى اجسام متفجرة.
نظرا لطبيعة القوى المعارضة والمقاومة للاحتلال الاميركي في كل من العراق وافغانستان، واساليبها المبتكرة دوما دفع الجانب الاميركي الى التكهن للهوية الاسلامية لمنفذي الانفجار. ونشرت دورية تشرف عليها القاعدة بعنوان "الهام – انسباير" ارشادات تتضمن كيفية صنع عبوة ناسفة من وعاء للطهي، تجسد عام 2010 في محاولة التفجير الفاشلة في ميدان "تايمز سكوير" في نيويورك التي اتهم فيها شخص يدعى فيصل شاهزاد بحوزته وعاء للطهي يعمل بفعل الضغط الهوائي يحتوي على نحو 100 ووحدة من المفرقعات النارية. احد خبراء المتفجرات تكهن مؤخرا بان مادة السكر كانت من بين المواد المستخدمة في تفجيرات بوسطن.
التكهنات المتعددة لهوية الفاعل او الفاعلين تضع "منظمة السلاح الوطنية" على القائمة بغية "حرف الانظار عن الاستقطابات الحادة في مجلس الشيوخ حول مشروع قانون لفرض ضوابط على المشتريين." البعض الآخر تكهن بأن التفجير تزامن مع النقاش الحاد حول تعديل قانون الهجرة، بأنه رمى لسن قوانين متشددة للهجرة. كما ان البعض الآخر رأى في التفجير بأنه وفر فرصة للحد من نفوذ المحافظين الطاغي.
للحظة، تروج نظرية "الذئب الاوحد" للفاعل ولما ينوي تحقيقه من اهداف داخلية.
يذكر ان تفجيرات صيف عام 1996 خلال دورة الالعاب الاولومبية في مدينة اتلانتا صنف بانه انفجار ارهابي، والذي تسبب بوفاة احد المشاهدين واصابة نحو 111 آخرين بجروح مختلفة، ووفاة آخر بفعل أزمة قلبية جراء الحادث. دشن حادث التفجير باكورة تفجيرات اربعة قام بها شخص اميركي يدعى ايريك روبرت رودلف، عامل نجارة وصيانة منزلية، الذي اقدم على تفجير ثلاث عبوات مصنوعة من الانابيب محشوة بمواد وصاعق للتفجير مخبأة في كيس يحمل على الظهر مصنوع من اقمشة عسكرية. وعلم لاحقا ان دوافعة كانت مناهضته لمسألة حق المرأة في الاجهاض ورمى لالغاء الدورة الاولومبية من وراء ذلك. كما ان الاجهزة الامنية لم توفق بالقاء القبض عليه الا في عام 2003 وبعد تنفيذه ثلاث تفجيرات اخرى.
كما شهدت اميركا موجة تفجيرات عصية امتدت من العام 1978 والى 1995، عرفت باسم "يونابومر" الذي حددت هويته لاحقا بعالم الرياضيات تيد كازينسكي. ونجح المتهم بارسال 16 طردا متفجرا الى اهداف عدة شملت الجامعات ومكاتب خطوط الطيرانن راح ضحيتها 3 افراد وجرح 23 آخرين. وقيل بعد القاء القبض عليه ان توجهاته السياسية تمحورت حول الدفاع المتطرف عن تلويث البيئة.
منذ استحداث وزارة الأمن الداخلي، 2001، وتخصيص ميزانيات سنوية ضخمة لها، سلطت جهودها على مكافحة الارهاب وعناصره افرادا وجماعات. ومن ضمن تلك الجماعات حذرة الوزارة في مذكرة داخلية من ارهابيي البيئة كونهم يشكلون خطرا كبيرا على سلامة البلاد. ومن بين من ادرجتهم على القائمة "جبهة تحرير الحيوانات" و "جبهة تحرير كوكب الارض،" اللتين شنتا سلسة هجمات داخل الولايات المتحد تعد بمئات المرات، بل امتدت اعمالهم لتشمل رقعة الاراضي الاميركية الواسعة مطورة ادواتها واستهدافاتها من مصالح تجارية منعزلة الى عصب الحياة الاميركية ومنازل الميسورين والاثرياء. اذ استهدفت بعض هجماتها بيوت تلك الشريحة وسياراتها الفارهة، تعبير عما يروه رموز تجسد شراهة تدمير الكون. وحظيت "جبهة تحرير كوكب الارض" بالمكانة الاولى على قائمة الارهاب الداخلي. يذكر ان المجموعة تسببت بنحو 100 مليون دولار نتيجة اعمالها التخريبية.
يذكر ان اساليب استقطاب وتجنيد المجموعة لا تقل نشاطا وحيوية عن اي مجموعة ناشطة اخرى. وعادة ما يخضع المرشح لجلسات وعظ تسلبه وعيه ولها مفعول السحر لتقديس البيئة، بهدف شحنه وتلقيحه بمشاعر كراهية عميقة لكل البشر الآخرين الذين لا يشاطرونهم رؤاهم لقداسة الكوكب.
احدى تلك النماذج كان الطالب الجامعي السابق، جاكوب شيرمان، الذي رشحه واهتم باعادة صياغة وعيه مايكل سكاربيتي، المكنى بسهم الشجرة، لنشاطاته في الفضاء الطلق ومدرج الان على قائمة اكبر المطلوبين لمكتب التحقيقات الفيدرالي. ونجح سهم الشجرة بتجنيد ضحيته وتلقينه اساليب متطرفة للمحافظة على البيئة، من ضمنها اعتماد نظام غذائي نباتي مشدد. ومن ثم ارسل شيرمان للقيام بتفجير حافلات نقل الاشجار الضخمة من الغابات مما ادى لاعتقاله. اما سهم الشجرة فقد توارى عن الانظار.
كما درجت التكهنات على هوية المنفذين بانها قد تعود لاحدى الميليشيات اليمينية، ونظرية "الذئب الاوحد." بل ذهب البعض الى الاعتقاد ان الهجوم يرتبط بمناسبة "اليوم الوطني،" الذي يرمز الى يوم انطلاقة "الثورة الاميركية" ضد البريطانيين في معركة شرسة عرفت بمعركة ليكسنغتون وكونكورد جرت في 19 نيسان، ويجرى الاحتفال بها بيوم الاثنين، مطلع اسبوع العمل، في ولاية ماساتشوستس بغية منح عطلة مطولة للعمال والموظفين – مما يؤسس لسباق ماراثون الشهير. جدير بالذكر ان تفجير المبنى الحكومي في مدينة اوكلاهوما، صادف يوم 19 نيسان لعام 1995، مما يعزز التكهنات بان تفجيرات بوسطن قد ترتبط احتفاليا بتفجيرات مدينة اوكلاهوما.
في اليوم المشهور، 19 نيسان، اصدر الرئيس اوباما قرارا رئاسيا باعتبار "يوم 22 نيسان من كل عام يوما وطنيا لحماية البيئة" للحد من مستويات التلوث وتوعية المواطنين لمخاطر التغيرات المناخية
بعض الخبراء المتخصصين بنشاطات الميلشيات الشعبية يستبعدون مسؤولية اي من الميليشيات عن تفجيرات بوسطن، استنادا الى نتائج توصلوا اليها، مثل المركز القانوني لفقراء الجنوب، لعدم انسجامها مع الصورة النمطية المألوفة عنهم. اذ اثبتت الدلائل صحة نظريتهم.
من المرجح ان يؤدي اعتقال احد الاخوين الفاعلين والتعرف عن دوافعهما الى تداعيات سياسية على المشهد الاميركي العام، خاصة لمصير مشروع قانون تنظيم الهجرة المدرج على جدول اعمال مجلس الشيوخ. وبما ان الشقيقين دخلا الاراضي الاميركية بطريقة مشروعة، وكذلك اقامتهما، سيتم تشريح المشروع بدقة اكبر والسعي للاجابة على الضمانة القانونية لدرء توافد ارهابيين مشابهين. وقد يكون من شأنه اما المماطلة او الغاء المشروع برمته، يرافقه مراجعة الاجراءات المتبعة لمنح تأشيرات الدخول للبلاد.
وقد تمتد التداعيات الى تجدد نشاطات وزارة الأمن الداخلي ضد المجموعات الاسلامية على الاراضي الاميركية، سيما وان تم الربط بين الفاعلين وتلك المجموعات بطريقة ما، وحفز "هيئة الكحول والتبغ والاسلحة النارية" والمتفجرات الى تركيز جهودها على سبل انتاج وتوزيع المتفجرات كأولوية اكبر من تلك التي توليها للاسلحة النارية، وتعزيز اجراءاتها المتبعة لتتبع ومراقبة بعض المكونات الكيميائية مثل نترات البوتاسيوم، وما قد تسببه من معارضة منتجي المفرقعات النارية التي ستحد من نشاطاتهم بشكل كبير.
بما ان الاخوين استخدما اسلحة نارية ايضا في سعيهما للفرار، كما تردد، قد يعزز ذلك من اعادة النظر بمشروع قانون الحد من اقتناء الاسلحة النارية الذي تم افشاله حديثا، سيما وان مناهضي لوبي الاسلحة بالغ النفوذ سيلجأون للاسترشاد بالحدث الحاضر للدلالة على اهمية المصادقة على المشروع لحرمان آخرين من الوصول الى الاسلحة الفردية. يذكر ان القانون الراهن يتيح لكل مواطن اميركي، بمن فيهم الوافدين بصورة قانونية، الاقتناء الميسر للاسلحة النارية، لكنه سرعان ما قد يرتد على مشروع قرار ضبط الهجرة.
اتسعت دائرة التكهنات والاستفسارات والاستنتاجات حول سير عملية التحقيق والافراج عن بعض المعلومات، مما اوقع الاجهزة المسؤولة في حيرة امام بعض التباينات وربما التناقضات في صحتها وسلامتها. وتجدر الاشارة في هذا الشأن الى تسليط الضوء منذ اللحظة الاولى على "فرد يحمل الجنسية السعودية" تواجد بمكان الانفجار تضاربت الانباء بشأن اعتقاله بعد تلقيه العلاج ضد حروقات اصابته والتحقيق معه ومن ثم اطلاق سراحه.