حوار « المبادرة الشيوعية» الفرنسية مع الرفيق سلام الشريف

حوار « المبادرة الشيوعية» الفرنسية مع الرفيق سلام الشريف

أجرى موقع وصحيفة «المبادرة الشيوعية» الناطقة باسم حزب النهضة الشيوعية الفرنسي مقابلة مع الرفيق سلام الشريف عضو المجلس المركزي لحزب الإرادة الشعبية حول الأزمة السورية، أسبابها ومساراتها وحول التطورات الأخيرة. الجدير بالذكر بأن المقابلة جرت نهاية شهر تشرين الأول من عام ٢٠١٦.

 

المبادرة الشيوعية: الرفيق العزيز، هل من الممكن أن تقدم للقراء تعريفا سريعا بحزبكم ؟

سلام الشريف: حزب الإرادة الشعبية، هو: وريث التقاليد الثورية للشيوعيين ولكل القوى التقدمية السورية. يصدر حزب الإرادة الشعبية صحيفة أسبوعية كما يدير موقعين الكترونيين، موقع الحزب والإصدار الالكتروني لجريدة قاسيون. يتواجد حزبنا تاريخياً وحالياً في كل سورية، وهو  معروف بالمشهد السياسي السوري كحزب معارضة وطنية، بمعنى أنه يعارض النظام بسياساته،  في الوقت نفسه يرفض التدخلات الإمبريالية في عملية التغيير الاجتماعي الضرورية.  

يستند نشاط حزب الإرادة الشعبية على تحليل طابع أزمة الرأسمالية الراهنة، ويرى إمكانية انفجارها النهائي والكلي في حال نضوج العوامل الذاتية، يستند الإرادة الشعبية في نضاله لبديهية تقول بأن استعادة الوظيفة الاجتماعية للحزب تتطلب عودته إلى الجماهير، الأمر الذي يتطلب بدوره عودة الجماهير إلى الشارع. هذه العودة بدأت في التحقق عبر موجات الحركات الشعبية في المنطقة منذ عام ٢٠١٠.  يضع الحزب هذه الموجات في سياق المرحلة التاريخية الحالية من حياة الرأسمالية، مرحلة تتسم بأزمة غير مسبوقة وبتصاعد متسارع لمستوى النشاط السياسي للجماهير على صعيد العالم كله وليس في المنطقة وحسب.

انتقلت أزمة الرأسمالية من مستواها الاقتصادي لتدخل مستوى الأزمة السياسية في منطقتنا، في أوروبا، في أميركا وفي أماكن أخرى. الأمر الذي يترجم بتغييرات كبرى يمكن اختصارها بانهيار أو تغير الفضاءات السياسية التقليدية بأحزابها وقواها التي تجد صعوبة بالتأقلم مع الدينامية الاجتماعية الجديدة، وتحديداً فيما يخص بناء علاقة سليمة مع القوى المختلفة التي تمتلك كمون تغييري إيجابي وعلى رأسها الحركات الاجتماعية والشعبية الصاعدة. 

أزمة الرأسمالية الحالية بمعطياتها تؤكد بداية انفتاح أفق تاريخي جديد لقطب الشعوب والعالم، الأمر الذي انعكس حتى بالأزمة السورية، رغم كونها التراجيدية السوداء بعد الحرب العالمية الثانية، اذا أصبح التداعي المتسارع للولايات المتحدة الأميركية وللاتحاد الأوروبي كمراكز سياسية واقتصادية للرأسمالية حقيقة غير قابلة للرفض، إذ تبين عجزهم عن تأمين مصالحهم في المنطقة. 

مع اندلاع الأزمة، وعلى الرغم من مشاركتنا في الحراك الشعبي السلمي في حينه وتقديمنا لشهداء ومعتقلين، فقد حذرنا من مغبة اللجوء للحل الأمني الذي تحول لاحقاً إلى عسكري، تماماً مثلما حذرنا من مغبة تسليح الحراك الشعبي السلمي وعسكرته. منذ بداية الأزمة نادى الإرادة الشعبية بضرورة الحوار، لأنه عاجلاً أو آجلا سنعود للحل السياسي، في الوقت نفسه الذي أكد على ضرورة الحفاظ على دينامية الحركة الشعبية السلمية. وعليه شاركنا في الفعاليات المحلية والإقليمية والدولية كلها، التي تعلن بحثها عن حل سياسي تغييري في سورية عبر الحوار والتفاوض، بما يحقن دماء السوريين، منذ المؤتمر التشاوري في دمشق (تموز 2011) وصولاً إلى جنيف3، مروراً بموسكو1 وموسكو2 وغيرها، علماً بأنه تم إقصاؤنا عن جنيف2، بما أسهم في فشل المؤتمر في حينه.

 المبادرة الشيوعية : كيف تحللون انفجار الأزمة في سورية ؟

سلام الشريف:  إن عوامل انفجار الأزمة السورية هي قبل كل شيء عوامل اقتصادية واجتماعية، على العكس من القراءة السائدة في الغرب والموروثة من التراث الاستشراقي الاستعماري، والمكرّسة اليوم عبر الذراع الإعلامية للطبقة السائدة، التي تنحو إلى قصر الأزمة السورية وبشكل عام ما يجري في الشرق الأوسط إلى حرب دينية، حرب أهلية سنية شيعية.

يجب الانتباه إلى أن الأزمة السورية بدأت قبل انفجارها في عام ٢٠١١، الأمر الذي كان متوقعا نتيجة السياسات الاقتصادية الاجتماعية المطبقة من قبل النظام بشكل دؤوب ومتسارع بالعقد الأخير قبيل الأزمة، حيث تم تطبيق وصفات صندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة الدولية والاتحاد الأوروبي، تحديداً على صعيد الخصخصة، تحرير الأسعار (آلتي تضاعفت ثلاث مرّات بين ٢٠٠٦-٢٠٠٩) إلغاء الدعم، التحرير التجاري  والمالي.. إلخ. الأمر الذي أدى إلى انهيار القطاعات الإنتاجية، تحديداً قطاع الزراعة، الأمر الذي تجلى بحدوث نزوح ريفي، إذ انخفض عدد الفلاحين الصغار بمقدار الثلثين بين عامي ٢٠٠٦-٢٠١٠. تجاوزت نسبة البطالة عشية الاحتجاجات ال ٣٠٪ حسب بعض الدراسات الجدية، أما نسبة البطالة فبلغت ٤٤٪ حسب الأرقام الرسمية، هذا عدا عن الـ ٣ ٪ الذين يعيشون على حدود خط الفقر.

بالتوازي، فإن مستوى الحريات السياسية كان منخفضاً للغاية، يُحظر فيه حق الإضراب مثلاً، عدا عن الاعتقالات السياسية وعدم حل بعض السياسات التمييزية بحق الأكراد السوريين في حينه، أي عدم معالجة آثار الإحصاء الاستثنائي الجائر في عام 1962.

قد يكون من المفيد التمييز بين العوامل «الخارجية» و«الداخلية» لاندلاع الأزمة والمسار الذي اتخذته، إلا أنّ الإرادة الشعبية يحمل النظام المسؤولية عنها (وإلا لوقعنا في خطأ اعتبار العوامل «الخارجية» قدراً لا راد له). إلا أن هذا التمييز بين داخلي وخارجي محدود من وجهة نظر التحليل السياسي الكلي الذي يضع الأزمة السورية في سياق التطور الرأسمالي العالمي وأزمتها الحالية. فعند تحليل العوامل الاقتصادية والاجتماعية «الداخلية»، يجب عدم نسيان حقيقة أن رأس المال المالي ذو الصبغة الفوق وطنية هو الذي فرض السياسيات النيوليبرالية عبر مؤسسات كصندوق النقد الدولي، منظمة التجارة دولية، أو الشراكة الأورومتوسطية، بالاعتماد والاستناد على طبقتي البرجوازية الطفيلية والبيروقراطية المحلية في دول الطرف الرأسمالي ومنها سورية فالدور التدميري للولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي كمراكز اقتصادية وسياسية لرأس المال المالي الدولي في سورية كان قد بدأ فعلياً قبل انفجار أزمتها لا بل مهد لها.

إنّ العوامل الاقتصادية الاجتماعية في سورية لم تكن فريدة من نوعها، مقارنة مع معظم دول المحيط الرأسمالي، فالعوامل الجيوسياسية هي التي حددت المسار التدميري الهائل الذي اتخذته الأزمة. وفي سياق أزمة الهيمنة التي تعاني منها أميركا، كالمركز الإمبراطوري لرأس المال المالي الدولي، وصعود الحركات الشعبية والاجتماعية في منطقة يحمل أهلها القليل جداً من الود لأميركا وسياساتها، والتي تحتفظ بمصالح جيوستراتيجية كبرى في هذه المنطقة، في هذا السياق قررت أميركا وأوروبا إعادة رسم خارطة المنطقة عبر تقسميها على أسس دينية وطائفية واثنية، الأمر الذي يسمح بتأسيس منظومة دول ضعيفة وزبائنية الطابع مشغولة بالتقاتل البيني لحساب قوى خارجية.

إذاً، استخدمت أميركا وأوروبا و «حلفاؤهم» الإقليميين كل ما بجعبتهم من وسائل من أجل تطييف الصراع الاجتماعي، بهدف حرف الحركات الشعبية عن صراط التغيير الديمقراطي والاجتماعي لاستخدامها كأدوات في صراعهم الجيوسياسي مع القوى الصاعدة، سواء الإقليمية منها كإيران، أو الدولية كروسيا. 

يجب الإشارة هنا بأن مشكلة الغرب ليست مع النظام السوري، وإنما مع وجود سورية بحد ذاته كبلد وكوحدة سياسية. الأمر الذي تجلى بالجهود الأميركية والأوروبية الدؤوبة منذ البداية في : رفض أي حل سياسي للأزمة، تسليح الحركة الشعبية، العقوبات الاقتصادية والإعاقة المستمرة لتنسيق دولي وإقليمي فعّال في سبيل محاربة "الإرهاب".

إن الرد الأمني من قبل النظام السوري، على الاحتجاجات الشعبية عبّد الطريق أمام التدخلات الغربية، والتي تم عبرها تسويغ الحل العسكري، من قبل النظام تحت حجة التدخلات الإمبريالية ومحاربة الإرهاب، على طول خط الأزمة السورية شكلت وعززت وكملت ممارسات النظام والغرب الإمبريالي بعضها البعض في حلقة تدميرية مفرغة.

لقد قام الغرب بكل ما بوسعه منذ البداية من أجل عدم حدوث حل سياسي وذلك عبر تصعيد التوتر من خلال التدويل وتسليح الحركة الشعبية، بالإضافة لذلك، فإنّ العقوبات الاقتصادية، التي قوبلت بصمت من قبل "اليسار الجذري" الفرنسي، لعبت دوراً محفزاً للدينامية التدميرية. 

يعد الاتحاد الأوروبي، الشريك التجاري الأول لسورية، التي يعتمد دخلها الوطني بشكل كبير على بيع النفط لأوروبا. قدرت دراسة معدّة من قبل المعهد الدنماركي للدراسات الدولية، حصيلة العقوبات الأوروبية على سورية بالشكل التالي: تضاعف البطالة مرتين، تضاعف الأسعار ثلاث مرات في عام ٢٠١٢ مقابل انخفاض الرواتب، فرض قيود على تحويلات المغتربين، انهيار مداخيل الدولة، أدى إلى تداعي الخدمات العامة كانقطاع الكهرباء المستمر، بالإضافة إلى أن العقوبات شملت: قطاع الصحة وواردات مدخلات صناعة الدواء (تراجع كبير في إنتاج الدواء بعد أن كانت تنتج سوريا  ٩٦٪ من استهلاكها من الدواء قبل الأزمة). 

رسميا، تستهدف هذه العقوبات السلطة السياسية التي لم تتأثر بها فعليا. لقد أخذت العقوبات الأوروبية الشعب السوري رهينة مجوعةً  إياه بهدف جعله متهيأ لفعل أي شيء من أجل البقاء على قيد الحياة بالإضافة لقبول أي مخرج من الأزمة، فالوقت نفسه الذي يتم فيه إفقار الشعب السوري، وتحطيم شبكة أعماله وأرزاقه تحت العقوبات الأوروبية، فإن فرص العمل الوحيدة التي كانت تزدهر هي العمل في الميليشيات المسلحة، إن كان العاملة لصالح النظام أو المعارضة. هذه الممارسات تلعب دوراً متكاملاً. يمكننا أن نتساءل عن عدد الأشخاص المفقرين والمجوّعين الذي انخرطوا في ميلشيات داعش  والقاعدة وغيرها فقط ..بهدف البقاء على قيد الحياة وتأمين الطعام لأسرهم. إن العقوبات الاقتصادية تعبّد طريق «الإرهاب».

 

بالنهاية، من المعروف اليوم بأن السياسات الإمبريالية الغربية، هي المسؤول الأساسي عن ظهور "الإرهاب" في المنطقة، لكن ما لم يتم الاعتراف به بعد، هو أن الغرب يرفض حتى اليوم أن يتصدى جدياً له. فروسيا طرحت وتطرح تحالفاً دولياً تحت رعاية الأمم المتحدة وبالتعاون مع القوى المحلية، أي الجيش السوري والمعارضة المسلحة التي ترضى بقتال النصرة وداعش، بالتوازي مع إطلاق عملية سياسية بين السوريين. الغرب رفض ذلك، في الوقت نفسه الذي قرر معاجلة تلك المبادرة والالتفاف على الأمم المتحدة، عبر تشكيل تحالف دولي يضم السعودية وقطر، لمجابهة داعش في أيلول ٢٠١٤. بعد عام من قيام التحالف، توسّعت المساحات الخاضعة للمجموعات الفاشية الجديدة بشكل كبير، وكادت أن تسقط دمشق بين أيديهم قبل بداية العمليات العسكرية الروسية في أيلول ٢٠١٥.

 

المبادرة الشيوعية: أي دور لروسيا في سورية ؟

الحديث عن روسيا في فرنسا ليس بالأمر السهل، بالأخذ بعين الاعتبار قيام الطبقة السائدة بتغذية فوبيا جديدة هي فوبيا روسيا، والتي لم ينجو منها حتى «اليسار الراديكالي» الذي يجد نفسه محصوراً في نقاش عقيم، بين أولئك الذين لم يستوعبوا بعد بأنّ الاتحاد السوفيتي قد تفكك، وبأن روسيا دولة رأسمالية اليوم، وبين أولئك الذين يرون بروسيا دولة إمبريالية !

إن فهم الدور الروسي في سورية، يتطلب فهم كمون الأزمة السورية ومآلاتها المحتملة.  

تعد سورية، العنصر المحوري في استقرار الجغرافيا-السياسية للمنطقة الممتدة من شرق المتوسط حتى القوقاز وبحر قزوين. انهيار جهاز الدولة السورية أو تقسيم سورية سيؤدي إلى تحرّك الصفائح التكتونية (الأرضية) للجغرافية السياسية الممتدة حتى روسيا نفسها. 

عليه، فإن مصلحة روسيا وأمنها القومي ووحدة أراضيها تدفعها لاستباق هكذا سيناريو، إذ تجد نفسها مضطرة للتعامل واحتواء الإرهاب الفاشي في سورية، عبر تبني استراتيجية دفاعية نشطة واستباقية، قبل أن تجد نفسها مرغمة على الدفاع عن ذاتها داخل أراضيها، علما بأن أكثر من خمسة آلاف مقاتل من القوقاز (عدا عن أولئك القادمين من آسيا الوسطى) يقاتلون في سورية بصفوف داعش والنصرة، وتحديداً في مواقع قيادية. انتصار الفاشية في سورية سيكون له آثار على شاكلة آثار انتصارها في إسبانيا، على صعيد تهديد السلام العالمي على نطاق واسع.

بالملموس، الدور الروسي استند إلى إرادة تجنب إعادة السيناريو التدميري في ليبيا. إذ أصرت روسيا منذ البداية على عدم وجود سوى مخرج سياسي من الأزمة، وعلى ضرورة جلوس السوريين معارضة ونظام، إلى طاولة المباحثات، من أجل إيجاد توافق حول التغييرات والإصلاحات المتوجب إجراؤها في بنية النظام السياسي. على الصعيد الدولي، أرادت كل من الصين وروسيا وضع حدّ للتدخلات الغربية التي تستخدم الأمم المتحدة كمنصة لـ «تغيير الأنظمة» على صورة مصالح أمريكا. الأمر الذي يفسر الفيتو الثلاثي ( ملاحظة: تم استخدام الفيتو ثنائيا للمرة الرابعة في بداية كانون الأول ٢٠١٦).

روسيا بكل بساطة ترفض التدخلات الغربية في الأزمة السورية، إذ تحافظ روسيا على علاقات مفتوحة وجيدة مع الجزء الأكبر من المعارضة السورية. فالكلمة المفتاحية للدور الروسي في سورية هي : المخرج الوحيد هو الحل السياسي. إذ لعبت روسيا دور القوة الدافعة الأساسية لكل المبادرات السياسية ابتداء من بيان جنيف ١ إلى مؤتمر السلام في جنيف ٢ عام ٢٠١٤، مؤتمرا موسكو ١ و ٢ عام ٢٠١٥ وأخيرا مؤتمر جنيف ٣ عام ٢٠١٦. 

بدأت موسكو عملياتها العسكرية في سورية في نهاية أيلول من عام ٢٠١٥ في لحظة بالغة الحساسية والصعوبة، بهدف منع سقوط الدولة السورية، عبر ضرب المجموعات الفاشية الجديدة، وإعطاء نفسٍ للحل السياسي المخنوق من قبل أمريكا وحلفائها الإقليميين.

تم تحقيق هذه الأهداف، إذ تراجعت داعش والنصرة والمجموعات الفاشية الجديدة الأخرى، وتم تحرير تدمر. على الصعيد السياسي، أعلنت أمريكا وأوروبا وحلفائهم الإقليميين للمرة الأولى: أنّ «رحيل الأسد» لم يكن شرطاً مسبقاً لحصول عملية سياسية.  فالرغبة بعملية سياسية بالترافق مع اشتراط ذلك برحيل الرئيس، هو تناقض بالكلام. لكن حتى الآن لم يتم ترجمة كلام هذه القوى لأفعال.

بعد شهر من العمليات الروسية، بدأت في فيينا محادثات سلام تهدف لإطلاق عملية سياسية، الأمر الذي أنتج تشكيل مجموعة دعم سورية التي تضم روسيا، أمريكا، أوروبا، إيران، السعودية، تركيا ودول إقليمية أخرى. بعد شهرين من العمليات الروسية، تبنى مجلس الأمن ولأول مرة بالإجماع فيما يخص سورية، مخرجات محادثات فيينا في القرار الدولي رقم ٢٢٥٤. يشكل هذا القرار نقطة علّام في تطورات الأزمة السورية، إذ يؤكد على وحدة الأراضي السورية وعلمانية دولتها، كما يطلب بضرورة انتقال سياسي بقيادة سورية، تمثل فيها قوى المعارضة السورية كلها (وليس فقط المعارضة التابعة للغرب وتركيا والسعودية: الائتلاف الوطني السوري). يعتقد حزب الإرادة الشعبية بهذا القرار ترجمة للتغيرات الحاصلة في ميزان القوى الدولي والمعاكسة لمصالح الولايات المتحدة.

في شباط ٢٠١٦ ولأول مرة أعلنت روسيا وأمريكا وقفاً لإطلاق النار بين قوى المعارضة والنظام، في آذار من العام نفسه، بدأ مؤتمر جينيف٣ إذ تم عقد جولتين بانتظار الثالثة، التي كان من المفترض انعقادها بعد الاتفاق الأمريكي الروسي في أيلول، الأمر الذي تم إعاقته نتيجة تنصل أمريكا منه.

بالتوازي مع كل سبق، من تقدم على الجبهة السياسية، تستمر روسيا بلعب دور الوسيط بين مجموعات المعارضة المسلحة والنظام السوري، بهدف توقيع اتفاقات وقف إطلاق نار.  

بالمختصر، تسعي روسيا لتوحيد الجهود، عبر إقامة تحالف دولي بالتعاون مع القوى المحلية، من أجل محاربة الفاشية الجديدة، على صورة التحالف بين الاتحاد السوفيتي والحلفاء في الحرب العالمية الثانية. للأسف، تستمر الولايات المتحدة بإعاقة هذا المسعى كما تبينه الأحداث الجارية في حلب، لكن الإرادة الشعبية يظنّ بأن الغرب سيجد نفسه مجبراً لتحضير «إنزال النورماندي»، وإلا سيحرم من العائد السياسي لهزيمة الفاشية الجديدة.

المبادرة الشيوعية: ما الذي يجري في حلب ؟

بداية، يجب التذكير بأن حلب هي المدينة الثانية في سورية وعاصمتها الاقتصادية، بالتالي، انتصار الإرهاب الفاشي فيها يعادل تقسيم سورية، الأمر الذي يفسر مواقف الساعين لتقسيم سورية ورفضهم خروج المجموعات الفاشية الجديدة، وسعيهم لحمايتهم بالوسائل المتاحة كلها.

استثنى اتفاق شباط ٢٠١٦ لوقف إطلاق النار، المجموعات المصنفة «إرهابية» من قبل مجلس الأمن، أي داعش والنصرة. بالواقع، المجموعات المصنفة «معتدلة» من قبل أمريكا، تقاتل جنباً إلى جنب مع النصرة على الجبهات نفسها، وبالخنادق نفسها، تحت قيادة عامة مشتركة. الولايات المتحدة اعترفت بذلك ووعدت بالعمل على فصل «المعتدلين» عن الإرهابيين منذ آذار ٢٠١٦، إلا أن ذلك لم يحدث أبداً. لا بل كلما استهدفت القوات الروسية والسورية النصرة وحلفاءها، تم اتهام البلدان بتخريب الهدنة من قبل الغرب.

 

 وقعت روسيا والولايات المتحدة اتفاقاً مهماً جداً في الـ١٠من أيلول بعد مفاوضات مارثونية، حيث جرى الاتفاق على هدنة لمدة أسبوع في حلب، ابتداءً من ١٢ أيلول ، على أن يجري أثناء هذا الأسبوع الفصل بين «المعتدلين  ،الإرهابيين»، وعلى أن تبدأ بعده عمليات عسكرية منسقة بين روسيا وأمريكا ضد الإرهاب الفاشي في حلب (بما فيها القوى «المعتدلة» إذا رفضت الانفصال)، على أن تكون سماء حلب حصرية للطيران الروسي والأميركي.

رغم احترام الجيش السوري وحلفائه لبنود الاتفاق وتنفيذ التزاماتهم، فإن المسلحين «المعتدلين» رفضوا الاتفاق، ولم يطبقوا الشق الخاص بهم، تحديداً فيما يخص الانفصال عن جبهة النصرة  بل كان رد البعض منهم هو البدء بمباحثات اندماج مع النصرة.

في اليوم الخامس للهدنة، قامت أمريكا بالاعتداء على الجيش السوري، في موقع استراتيجي  نواحي مدينة دير الزور المحاصرة من قبل داعش، مع سكانها البالغ تعدادهم ٢٠٠ ألف، مما أدى لسقوط أكثر من ١٠٠ جندي سوري بالإضافة لتقدم داعش.  في اليوم السادس تم استهداف قافلة مساعدات إنسانية، كانت في طريقها إلى حلب الشرقية، تبعها إتهام أمريكي لروسيا بالمسؤولية عنه، واشتراط أن تصبح سماء حلب حصرية للطيران الأمريكي فقط من أجل استمرار العمل باتفاق الـ ١٠ من أيلول. هذا الشرط صيغ ليرفض، وهو ما حدث، وانسحبت أمريكا من الاتفاق  وأعلنت إيقاف كل المحادثات الثنائية مع روسيا، وبدء البحث عن حل «بديل» عن الحل السياسي.

في السادس من تشرين الأول، يعلن المبعوث الدولي دي مستورا عن مبادرة تتضمن، خروج مقاتلي النصرة إلى مدينة إدلب بهدف تجنب دمار حلب. وافقت روسيا على المبادرة، أما المعارضة المرتبطة بالغرب طالبت باستقالة دي مستورا. في الثامن من الشهر نفسه، تواجه مشروعان أمميان في مجلس الأمن، الأول فرنسي: يطالب بوقف إطلاق النار من قبل النظام لكنه لا يتناول عقدة المسألة والتي هي فصل «المعتدلين» عن الإرهابيين.  المشروع الثاني الروسي: طالب بوقف إطلاق النار، وبتطبيق الاتفاق الروسي الأمريكي بخصوص فصل «المعتدلين»، كما طالب بتطبيق مبادرة دي مستورا. لم يتم تمرير أياً من المشروعين.

في الـ ١٨ من تشرين الأول، أعلنت روسيا ومعها الجيش السوري عن هدنة من جانب واحد، لمدة خمسة أيام،  مع دعوة المسلحين بالخروج، إلا أن القوى المسلحة لم تخرج، ومنعت خروج المدنيين. ولم تستأنف الضربات الجوية الروسية على حلب حتى الآن.

بالمحصلة، إن ما يحدث في حلب يوضح بأن أمريكا تدعم الإرهابيين وتعمل على حمايتهم من كل مواجهة جدية لهم. إن ما أعلنه وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس في ٢٠١٢ بأن «النصرة تقوم بعمل جيد»، يتم التأكيد عليه يومياً من قبل المعارضة السورية المعترف بها من قبل الغرب كـ «الممثل الشرعي والوحيد للشعب السوري». إن «الائتلاف الوطني السوري» يدافع بشكل علني عن النصرة، ويرفض تصنيفها كمنظمة إرهابية.

في الإرادة الشعبية، نعتبر داعش والنصرة والمجموعات المتعاونة معها، كقوى فاشية جديدة تم تصميمها، استخدامها وتوظيفها من قبل الأوساط الأكثر رجعية، من قبل رأس المال المالي الدولي، تماماً كما فعلوا مع النازية في ثلاثينيات القرن المنصرم، في حين ترفض فيه هذه الأوساط التسليم بالتهاوي المتسارع للهيمنة الأمريكية كمركز امبراطوري لهم، تهاوٍ على صعيد العالم و في منطقتنا. الأمر الذي يمكن شرحه بالأخذ بعين الاعتبار:

١‫-‬ الأزمة الاقتصادية وانعكاسها على تناقص وترشيد الموارد المخصصة للعسكر وللسياسة الخارجية.‬‬‬

٢‫-‬ عجز أمريكا عن تحقيق مصالحها بالمنطقة وفي سورية باستخدام الوسائل السياسية والاقتصادية.‬‬‬

٣‫-‬ صعود وعودة الدور الفاعل لبعض القوى الدولية والإقليمية، تحديداً روسيا والصين وإيران.‬‬‬

٤‫-‬ حدوث تغير في الأولويات الجيوسياسية  بالنسبة للولايات المتحدة.‬‬‬

في هذا السياق، يفضل المركز الإمبريالي وحتى اللحظة، اعتماد تكتيك حرب غير مباشرة مطولة مع أعدائه ومنافسيه، لمنعهم من ملء الفراغات التي يخلفها خلفه. بالأحوال كلها يعتقد الإرادة الشعبية ، أن هذا التكتيك لن يستمر وقتاً طويلاً،  وبأن موازين القوى الفعلية دولياً وإقليماً ستفرض نفسها. 

المبادرة الشيوعية: ماهي رؤيتكم للخروج من الأزمة  في سورية، وما هو مستقبل القوى التقدمية والوطنية والعلمانية ؟

شريف: أولاً، ينبغي تحقيق ما نسميه المهمة الثلاثية رقم1 وهي: وقف الكارثة الإنسانية ووقف العنف، من أي طرف كان، ووقف التدخل الخارجي، أياً كان مصدره. ينبغي تنفيذ هذه المهام بشكل متوازي وليس بالترتيب. إنّ الحل السياسي هو السلاح الاستراتيجي لمحاربة الإرهاب الفاشي، لأنه يسمح بتوحيد السوريين في هذه المعركة. إن الحل السياسي سيؤدي إلى إطلاق عملية فرز وإعادة تموضع سريعة لكل القوى السياسية، معارضة أو نظام، وعلى أسس اجتماعية وسياسية وليس طائفية.

هذه العملية يجب أن تجري على أسس القرار الأممي ٢٢٥٤ الذي يعترف بوحدة سورية أرضاً وشعباً ودولة ومؤسسات، ويعترف بسيادتها. الأمر الذي سيسمح بتوحيد بنادق السوريين جميعاً في وجه الإرهاب، من كل شاكلة ولون، بما في ذلك توحيد إرادتهم في مواجهة الإرهاب الاقتصادي- الاجتماعي، أي ضمان «حرية السوريين في كلمتهم ولقمتهم». إذاً يجب عدم الاكتفاء بمطالب ديمقراطية وإنما الاجتماعية أيضاً.

يعمل الإرادة الشعبية على: تحقيق نموذج ديمقراطي، يضمن وحدة سورية الفعلية أرضاً وشعباً، ويسمح بأن تكون للبرامج الاجتماعية مكان الصدارة في النقاشات السياسية. الأمر الذي يسمح بإقامة ديمقراطية سياسية وطنية عابرة للأديان والطوائف والقوميات وليس ديمقراطية طائفية، والتي تعني إعادة توزيع الثروة على أسس  طائفية و قومية، تحاصص بين مختلف حصون الفساد والنهب على حساب الفقراء، الذين سيجري استخدامهم كبيادق في معركة نهبهم المستمر (لبنان والعراق بعد الاحتلال الاميركي ٢٠٠٣ نموذجاً). الأمر الذي يتطلب إنجاز التعديلات الدستورية والقانونية والانتخابية الكفيلة بتحقيق ذلك، بما فيها ضمان أعلى منسوب حريات سياسية، واعتماد قانون الانتخابات النسبي على أساس سورية دائرة انتخابية واحدة، وإقرار قانون أحزاب يضمن التنافس السياسي على أساس برامج انتخابية شاملة موجهة للسوريين كلهم، وليس برامج مناطقية، طائفية أو عشائرية مثلاً.

كما يقترح الإرادة الشعبية، نموذجا اقتصادياً مستنداً إلى مبدأ «أعلى نمو اقتصادي وأعمق عدالة اجتماعية»، إذ ينادي بإقامة اقتصاد موجه نحو إنتاج البضائع الضرورية لتلبية الاحتياجات المحلية، بالاعتماد على الذات قدر الإمكان، بنفس الوقت الذي يدعو إلى ضرورة قيام عملية اندماج إقليمي على أسس اجتماعية، تعكس مصالح شعوب المنطقة وليس طبقاتها «العليا».

أما فيما يخص أفق القوى التقدمية، الوطنية والعلمانية، فليس لدينا أي قلق على هذا الصعيد، إذ أنّ سورية كانت ومازالت الحاضنة السياسية والأيديولوجية لهكذا قوى على صعيد المنطقة، بما فيها اليسار الجذري. إن التطرف ظاهرة غريبة على المجتمع السوري وهو قبل كل شيء نتيجة للسياسات الأمريكية في المنطقة، واحتلال العراق ، بالإضافة لمسار الأزمة السورية بحد ذاتها وتحديداً مستوى تدويلها المرتفع جداً. يعتقد الإرادة الشعبية بأن  ثمة فضاءً سياسياً جديداً بدأ بالتكون في سورية والمنطقة والعالم، منذ ما قبل انفجار الأزمة السورية الراهنة، وأنه أمام القوى السياسية سواء من طرف النظام أو المعارضة خياران: إما التكيف مع متطلبات الوقائع السياسية الجديدة، أو التماوت والاندثار. وفي مقدمة هذه المتطلبات هو تجسيد المصالح السياسية والطبقية العميقة للشرائح الاجتماعية المستغلة والمهمشة. 

إن سورية تمر بمنعطف مصيري، ويتوقف على نموذج حل أزمتها مصير أزمات أخرى في المنطقة والعالم. يصر الإرادة الشعبية على تفاؤله فيما يخص انتصار الحل السياسي في سورية، الأمر الذي يعني هزيمة الفاشية الدولية التي مركزها في واشنطن وأطرافها في منطقتنا ومناطق أخرى.

المبادرة الشيوعية: ما لذي تنتظرونه من شيوعي حزب النهضة الشيوعية الفرنسية في إطار النضال المشترك المعادي للإمبريالية؟

إن أحد الأسباب التي تجعل من القوى الإمبريالية قادرة على تبني سياسات تدميرية بهذا القدر، هو: الغياب الشبه كلي لمقاومة سياساتها داخل بلدان كفرنسا، التي تعد من أكثر الدول تورطاً في المأساة السورية. للأسف فإن معظم اليسار الأوروبي قد وقع في فخ التدخلات الإمبريالية المسماة «إنسانية»، هذا دون أن نتحدث عن دعمهم لنموذج الديموقراطية الطائفية والأثنية.

هناك العديد من النشاطات المتضامنة مع اللاجئين، وهو أمر حسن بحد ذاته، ولكن ليس هناك من نشاطات تستهدف أسباب الكوارث الإنسانية التي تدفع الناس إلى الهروب من بلادهم، أسباب من شاكلة النهب الاقتصادي العالمي والحروب الإمبريالية.

يتوقع الإرادة الشعبية من اليسار الجذري كله، والقوى الحية في المجتمع الفرنسي والأوروبي، القيام بحملة من أجل إيقاف الحرب في سورية، من أجل حلّ سياسي وسلمي، ومن أجل إنهاء العقوبات الاقتصادية بحق الشعب السوري.

 

آخر تعديل على الأربعاء, 14 كانون1/ديسمبر 2016 13:27