هل عاد خيار الحرب إلى الصدارة؟
واشنطن عاجزة اليوم عن اتخاذ قرار بإعلان الحرب، لأن هذا الخيار يتناقض مع واقع تراجعها المستمر

هل عاد خيار الحرب إلى الصدارة؟

يلاحظ المتابع خلال الأيام القليلة الماضية تصعيداً أمريكياً لافتاً في العديد من الملفات الدولية، وخصوصاً في ملف الأزمة السورية، بدءاً من تعليق العمل باتفاقية الهدنة الأمريكية الروسية بخصوص إيقاف الأعمال العدائية في سورية، والتسريبات عن تزويد الجماعات المسلحة بمضادات الطيران، إلى التلميح بالتدخل العسكري المباشر.  

تصريحات الدبلوماسيين الأمريكيين «الحربجية» تصدر بالتوازي، مع تغطية إعلامية واسعة ومستمرة على مدار الساعة، وفي أغلب وسائل الإعلام عن معارك حلب، واتهام القوات الجوية الروسية باستخدام الأسلحة المحرمة دولياً، في تدمير المشافي وقصف الأحياء السكنية والمدنيين، حتى يظن المرء بأن هذه القوات مختصة بقتل الأطفال والنساء، مع دفق إعلامي غير مسبوق يتهم روسيا بعرقلة الحل السياسي، وسط حديث عن سعي أمريكي مزعوم إلى ضرورة العودة إلى هذا الخيار الذي «أجهضه الروس»، حسب ماكينة إعلام واشنطن وحلفائها. وفي السياق اتهام الجيش السوري المدعوم روسياً مجدداً باستخدام الكلور.  

كيف يمكن أن نفهم هذا التصعيد:

يأتي هذا التصعيد بعد سلسلة تراجعات ملموسة لواشنطن، حتى بدت أحياناً بأنها مرتبكة وعاجزة أمام الضغط الروسي، وبعد تراجع هيبتها على إثر ذلك، وتصدع جبهة حلفائها، من أنقرة- ما بعد الانقلاب- إلى الرياض- ما بعد حرب النفط- إلى داخل الائتلاف الذي سمح بعض أركانه لأنفسهم بـ«التطاول» على واشنطن التي خذلت «الثورة» أكثر من مرة.

ومن هنا فإن التصعيد هو من جهة بروباغندا تسعى  للتغطية على سلسلة التراجعات المفروضة على الولايات المتحدة بحكم أزمتها، وبحكم التقدم الروسي بعد أن بات قطباً دولياً يتزايد وزنه بشكل يومي، ومن جهة أخرى هي محاولة لإعادة ترتيب البيت الأمريكي المتصدع، والذي يمتد من دوائر صنع القرار في واشنطن إلى الاتباع من الكومبرادور في دول الإقليم ، وصولاً إلى معارضات ملوثة بالارتزاق على هوامش المشروع الأمريكي، والحصول على مكاسب وامتيازات في الحلول المطروحة للأزمات، وبعد أن باتت واشنطن عاجزة عن إدارة العالم بطريقتها وبمفردها كالسابق.

ليست المرة الأولى التي يلجأ حلف واشنطن الى التصعيد والتهويل، والتلويح بالحرب- تجربة عام 2013 نموذجاً- والتي تم إجهاضها وتأريضها روسياً من خلال العمل الدبلوماسي والعسكري لاحقاً، أي أن ذاك التصعيد تحول إلى قنبلة صوتية تلاشى دويّها في فضاءات القدرات الروسية، العسكرية والدبلوماسية، وجاء بعدها تدحرج المواقف الأمريكية باتجاه القبول بالحل السياسي.

ما ينبغي قوله في هذا المجال، أن واشنطن عاجزة اليوم عن اتخاذ قرار بإعلان الحرب، لأن هذا الخيار يتناقض مع واقع تراجعها المستمر. فإذا كانت عاجزة عن فعل ذلك قبل ثلاث سنوات، فهل ستكون قادرة الآن، لاسيما وأن الطرف الروسي استطاع تثبيت مواقعه المتقدمة أكثر فأكثر.

في المقابل، فإن هذه الحقيقة لا تنفي أن  التيار الفاشي قد تحسس الخطر، وهو يحاول أن يستجمع قواه مستفيداً من فرط القوة الاستخباراتية والإعلامية لديه، ويسعى لتوسيع رقعة الحرب، كمخرج وحيد للدوائر الرأسمالية للخروج من الأزمة. فمن المعروف أن هذه الدوائر تصاب بالجنون في فترة الأزمات وترتكب الحماقة تلو الأخرى، بعد أن تنعدم أمامها الخيارات العقلانية. ولكن هذا الخيار رغم نتائجه الكارثية، وفي حال استطاعت قوى الحرب تمريره مؤقتاً، وجزئياً، فانه سيوسع دائرة أعداء الفاشية الجديدة، ويضع على جدول الأعمال بشكل ملموس موضوعة انهيار المنظومة المنتجة للأزمات والحروب، والتي باتت عائقاً أمام التطور الموضوعي.

آخر تعديل على الخميس, 06 تشرين1/أكتوير 2016 19:02