عن الدول الكبرى التي «تـ....» بنا..!

عن الدول الكبرى التي «تـ....» بنا..!

يمسك أحد السوريين المحسوبين على «الحركة الثقافية» في البلاد قلمه ويشرع في صياغة «رثائه» الخاص للمشهد السوري: «لا تخبئ لنا الأقدار المفاجآت الأشد قسوة فحسب، بل أيضاً المناقضة للبدايات الحالمة».

وبعد استحضار «الأقدار» التي من المفترض أنها فتكت بالسوريين وحلمهم (والمقصود هنا تحديداً التوافق الروسي الأمريكي الذي يشبهه الكاتب ضمناً بتقاسم الكعكة السورية)، يبدأ «المثقف المعارض» سرديته: «خرج السوريون في العام 2011 مطالبين بالحرية، وإذا بهم، بعد سنة، يغرقون في أتون الحرب والدمار والموت.. وما لبثوا أن نسوا مطالبهم المشروعة في الحرية والعدالة والكرامة والديمقراطية، ذلك أن مهوار الموت يبتلع كل شيء، وعلى رأسه الشوق العميق للتغيير».

قد يبدو ما سبق «رأياً خاصاً يطرحه مثقف يائس»، إلا أن «زبدة الكلام» التي عادة ما تأتي في شكل «استنتاجات لا يريد الكاتب الذي يعدّ نفسه يسارياً الوصول إليها، لكن الوقائع تجبره (للأسف) على ذلك» تشي علناً بالرسالة السياسية التي يريد لقارئه استساغتها ولو على مضض. وهاكم الاستنتاج المبني على أرضية غير معلنة مفادها أن «الروس والأمريكان متفقين مع بعضهما، والنظام مستمر بدكتاتوريته، فما الحل؟»، يجيب الكاتب: «لذا يصبح التعويل على هيئة تشكو من عدم شمولها لكافة القوى السياسية السورية، أو خضوعها للإملاءات الإقليمية مثل الهيئة العليا للمفاوضات هو أمر مشروع في اللحظة الراهنة لمفاوضة النظام، من دون الوهم بأنها آخر المطاف.. علماً بأن تقويض الهيئة العرجاء الراهنة هو خدمة جُلى لنظام لا يهجس إلا بتأبيد سلطته، ولو على جبال من الجماجم». هكذا هو الأمر إذاً، الدول الكبرى «تلعب بنا»، وليس لنا في وجه الاستبداد الداخلي إلا أن نسلّم أمرنا لـ«الهيئة العليا للمفاوضات»، والتي بدورها تسلم أمرها لقوى إقليمية باتت معروفة للعيان.

على المقلب الآخر، تزخر وسائل الإعلام المقربة من النظام السوري (اللبنانية خصوصاً) بالحديث المكرور عن أن «التوافق الروسي الأمريكي لن يجدي نفعاً ولن يصل إلى خواتيم تخدم المسار السياسي»، وتحت التذرع بالأدلة التي «تثبت المماطلة الأمريكية»، يغدو حضن النظام هو «الأكثر دفئاً»، وتوجهه نحو «حسم المعركة عسكرياً.. أمراً واقعياً». وتعيد وسائل الإعلام هذه تكرار اللازمة ذاتها حول «الكعكة السورية» التي يريد «الكبار» التهامها، دون إغفال الإشارات المتحذلقة التي تحاول التبرير لمقولة أن القريب (فاسدو النظام) أولى بالتهام هذه الكعكة من الغريب..!

ما يغفله أو يتجاهله الطرفان المذكوران آنفاً هو أن «التوافق الروسي الأمريكي حول سورية» يجري عملياً في إطار الصراع الاستراتيجي القائم بين المحوريين الدوليين، الأمريكي وحلفاؤه الهابطون بفعل أزماتهم الاقتصادية- الاجتماعية والسياسية العميقة، والروسي وحلفاؤه الصاعدون بفعل تسارع تحركاتهم في سياق توحيد الجهود لبناء عالم متعدد الأقطاب منقلب فعلياً على قيود المؤسسات الدولية والقواعد والشروط التي فرضتها الولايات المتحدة على العالم.

وما ينبغي فهمه من هذه المحاولات الإعلامية الرامية إلى وضع إشارة مساواة بين الطرفين «الروسي والأمريكي»، هو أنها خط الدفاع الأخير بالنسبة للقوى التي باتت تتحسس رقابها خوفاً من مقصلة «التوافق الروسي- الأمريكي/ الاضطراري» التي لا بد أنها ستطيح بأوهام الحالمين بانتصارات «ساحقة وماحقة» على الأرض السورية.

وفي محاولة منها لخلق مزاجٍ عام رافض لعملية التسوية السياسية، وما سينتج عنها من كوابح لأوهامٍ جرى العمل على ترسيخها في الوعي الجمعي للسوريين، تدأب وسائل الإعلام التابعة لطرفي الاقتتال على القول للسوريين: إن الدول الكبرى كلها سواء «تلعب» و«تسمسر» بنا و«تتقاسمنا»، عودوا إلى حظائر «الحسم- والإسقاط» ضيقة الأفق، فهي ملاذكم الأخير.

آخر تعديل على الأربعاء, 31 آب/أغسطس 2016 17:54