عن الإرهاب والتهميش و«باكيت الحمرا الطويلة»..!

عن الإرهاب والتهميش و«باكيت الحمرا الطويلة»..!

يمكن للمتابع لآلية عمل ماكينة وسائل الإعلام الغربية- وبعض العربية التي تدور في فلك الأولى- أن يلحظ الجهد الحثيث الذي تبذله تلك الوسائل في سياق عملية وسم اللاجئين إلى الدول الغربية بتهمة الإرهاب، وبشتى السبل الممكنة لذلك.

مع تنامي عمل وسائل الإعلام الغربية في هذا الاتجاه، برز التندر على هذا السلوك كواحدة من ردود الفعل المنطقية عليه. إذ بات أحدهم لا يستبعد مثلاً أن «تعثر» السلطات المحلية في إحدى الدول الأوروبية على «باكيت حمرا طويلة» أو «قطرميز مكدوس» في موقع إحدى العمليات الإرهابية..! في إشارة إلى مستوى تخلف «الدلائل» و«البراهين» التي تسوقها استخبارات هذه الدول في إطار عملية لصق تهمة الإرهاب باللاجئين، بما يسمح باستثمار الملف داخلياً وخارجياً.

خلال السنتين الماضيتين، نجد أن معظم منفذي العمليات الإرهابية التي جرت في الأراضي الأوروبية كان غالباً من الجنسيات المغاربية (تونس، المغرب، الجزائر، ليبيا). وكنا نلحظ حرصاً إعلامياً واسعاً على ذكر هوية منفذي تلك العمليات من خلال الإشارة إلى هويتهم «المغاربية» فقط. بما يعطي انطباعاً أولياً بأن «الغرب الذي يعيش بسلام وأمن، تهدده العوامل الخارجية وتقض مضجعه».

في المقابل، لا نلمس حرصاً لدى تلك الوسائل على ذكر الحقيقة القائلة بأن معظم هؤلاء المنفذين إنما هم أوروبيو الجنسية (وبعضهم ينتمي إلى الجيل الثالث من المجنسين). أي أنهم لم يحتفظوا بهويتهم المغاربية تلك إلا اسمياً، وفي الواقع، هم يعيشون في المجتمعات الأوروبية بوصفهم مهمشين. أي أن هوية التهميش المرتبطة بمستوى الصراع الطبقي الجاري في الدول الأوروبية هنا هي ما تخلق التربة الصالحة عملياً لنمو الظواهر المتطرفة. وعلى هذا الأساس، فإن المسؤولية تعود أولاً على قوى رأس المال الحاكمة فعلياً في تلك الدول، وليس إلى «خطر خارجي» يداهم الغرب وكأنه صاعقة في سماء صافية.

إن العمل الإعلامي واسع النطاق في سياق رمي التهم جزافاً بحق اللاجئين، يهدف عملياً إلى التورية وإخفاء الحقيقة حول طبيعة الصراع المشتد في أوروبا، وطبيعة الأزمة الاقتصادية التي تعصف بمعظم الاقتصادات الأوروبية اليوم، والتي تنعكس في تنامي ظاهرة التهميش التي تفتح الباب بدورها إلى نمو الظواهر المتطرفة. إذ أنه في الحقيقة، لا يفرق «المهمَّش الأوروبي» عن «المهمَّش» من العالم الثالث، فكلاهما قابلان للاستغلال في سياق التوظيف الفاشي على الصعيد العالمي.

ومن المعروف مثلاً عن فرنسا وجود أحياء ومجمعات كاملة تحوي مهمشين منذ زمن بعيد، ومع تنامي الأزمة الاقتصادية في البلاد، ووصولها إلى الطور الاجتماعي السياسي، أخذ الجور بحق هؤلاء المهمشين يتزايد. وهو ربما ما يفسَّر شدة العمليات الإرهابية التي ضربت فرنسا، مقارنة بنظرائها في القارة القديمة.

آخر تعديل على الأربعاء, 03 آب/أغسطس 2016 19:23