كيف خسرت «إسرائيل» الولايات المتحدة؟

كيف خسرت «إسرائيل» الولايات المتحدة؟

لم يعد خافياً على أحد تعكّر صفو العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني، في إطار تبدّل الأولويات الذي تفرضه موازين القوى الدولية الجديدة على حكّام البيت الأبيض، ومن خلفهم قوى رأس المال المالي العالمي التي تتحسس ضعف أداء قاعدتها المتقدمة في المنطقة: «إسرائيل».

إعداد وترجمة: أحمد الرز- قاسيون

فيما يلي، تعرض «قاسيون» ترجمتها لمقال شلومو بن عامي، وزير الخارجية السابق لدى كيان العدو، المنشور مؤخراً على موقع «Project Syndicate». وإذ يقتصر كلام بن عامي على تأكيد تنامي الخلافات بين الولايات المتحدة وكيان العدو- وإن كان معتمداً على مؤشرات جزئية غير كافية- إلا أن المنطق الذي يطرحه الكاتب في هذا المقال يؤكد من جديد على حالة القلق التي تعتري الكيان و«نخبه» السياسية إزاء المستقبل وحجم «التنازلات» التي قد تفرض عليه فرضاً. وفي هذا الصدد، يهمنا أن نشير إلى أن السطور التالية، بما تحتويه من تعابير وأفكار وجمل، تعود إلى بن عامي، ولا تعبّر عن السياسة التحريرية لـ«قاسيون»:

جادل الدبلوماسي الأمريكي الراحل، جورج بول، ذات مرة بأن إسرائيل بحاجة إلى أن يجري حفظها من سياساتها الانتحارية «التي تفرضها على نفسها». وفي مقاله المنشور عام 1977 في صحيفة «Foreign Affairs»، دعا بول إلى دفعة منصفة من قبل الولايات المتحدة من أجل سلام عربي إسرائيلي.

لكن، في حين أن موقف بول الواقعي من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني يبدو شائعاً بين مسؤولي الخارجية الأمريكية، إلا أن ذلك بقي محظوراً على المؤسسات السياسية الأمريكية، التي أيدت منذ فترة طويلة وحتى الآن إجماعاً شبه مقدّس على إسرائيل.

ولنكن متأكدين، أنه وإلى حدٍ ما، لا يزال موقف بول يمثل صرخةً في الصحراء. فبعد كل شيء، لن تتردد الولايات المتحدة في التزامها بالمحافظة على «التفوق العسكري النوعي» لإسرائيل.

في الواقع، لقد كسرت إدارة الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، السجلات التاريخية كلها في المساعدات العسكرية المقدّمة لإسرائيل، حتى وإن لم يظهِر رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أي استعداد لاستخدام هذا التفوق العسكري الأمريكي المموَّل من دافعي الضرائب الأمريكيين، لتحمل المخاطر المحتملة من أجل السلام. وفي هذا المعنى، فإن الولايات المتحدة لا تزال تكفل تمويل سياسات الضم الإسرائيلية الجريئة.

لكن هناك شيئاً مختلفاً بالتأكيد. إذ إن أسئلة حول فلسطين تمثل نقطة استقطاب كبيرة للغاية في السياسة الأمريكية، مع تأثر الأجيال الشابة بشكل كبير بصور إسرائيل غير الليبرالية التي تستبد بدولة فلسطينية محرومة. بالنسبة لهم، أصبح الصراع بين إسرائيل وفلسطين قضية حقوق إنسان مثيرة للجدل للغاية. والمدافعون عن إسرائيل يواجهون اليوم مؤيدي النشاط الفلسطيني في الجامعات على مستوى لم يحدث في الولايات المتحدة منذ احتجاج الطلاب على حرب فيتنام.

أظهر استطلاع «غالوب» للرأي عام 2014 أنه في حين أن أغلبيةً ضئيلة فقط من الأمريكيين تعتبر الهجوم الإسرائيلي على غزة عام 2014 مبرراً، فإن نسبة الذين صوتوا على ذلك ممن هم دون الثلاثين عاماً لم تتجاوز 25%. فيما أعلن 51% من الشعب الأمريكي دون سن الثلاثين أن إجراءات إسرائيل ليست مبررة إطلاقاً.

ووفقاً لاستطلاع أجرته مؤسسة «بروكينغز» عام 2014، فإن 84% من «الديمقراطيين» و60% من «الجمهوريين» يؤيدون حل الدولة الواحدة، حيث يمكن حسب رأيهم قيام حكومة ديمقراطية واحدة تضمن الحقوق المتساوية للمواطنين جميعهم، الإسرائيليين والفلسطينيين.

وأشار استطلاع للرأي للمنظمة ذاتها في كانون الأول لعام 2015، أن 66% من الأمريكيين يؤيدون سياسة أكثر توازناً للولايات المتحدة في التعامل مع الصراع بين إسرائيل وفلسطين. وبين «الديمقراطيين» ارتفعت هذه النسبة لمن هم دون الـ35 عاماً إلى 80%.

يبدي الساسة الأمريكيون الاهتمام. ففي الأشهر الأخيرة، دعا المشرعون «الديمقراطيون» برئاسة، باتريك ليهي، إلى إجراء تحقيق في «الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان» التي قامت بها إسرائيل، بما في ذلك عمليات التعذيب والإعدام خارج نطاق القضاء بحق الفلسطينيين. وأشعل دان شابيرو، سفير الولايات المتحدة في إسرائيل، المؤسسة الإسرائيلية في كانون الثاني الماضي، عندما أشار في خطاب له أن إسرائيل تقوم بفصل عنصري في الضفة الغربية.

كسر السيناتور، بيرني ساندرز، في حملته الانتخابية الرئاسية الأمريكية القالب عندما دعا إلى مراجعة موقف «الحزب الديمقراطي» في الصراع بين إسرائيل وفلسطين. وفي تأكيدٍ منه على محنة الفلسطينيين، سلط ساندرز الضوء ليس على النظرة الأمريكية التي تركز على الأخلاق- والتي تصل إلى حد المثالية، لنكن واضحين- ولكن أيضاً على فهمه لمزاج شريحة انتخابية مهمة. وبفضل جهوده، اتفق «الديمقراطي» على أن يتم تعيين وقت لاحق من هذا الشهر لدراسة نهج الحزب حول هذه القضية.

يهدّد «الحزب الجمهوري» أيضاً بالانقلاب ضد إسرائيل، ولكن بطريقة أكثر ضرراً بكثير. إذ إن دونالد ترامب، المرشح المفترض للحزب للانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني، أشار إلى أنه لن يصادق على الدعم التلقائي من قبل الولايات المتحدة لإسرائيل، ملمحاً إلى إنه يعتقد أن إسرائيل تتحمل المسؤولية أكثر في فشل حلّ الدولتين. وبدلاً من ذلك، فإنه سيكون، كما يقول «رجلاً محايداً نوعاً ما» في الصراع بين إسرائيل وفلسطين.

يكمن الخطر في حقيقة أن ترامب قد داعب عنصر كراهية الأجانب بشكلٍ علني عند القاعدة الانتخابية المحافظة. وبالفعل، فقد أيده العنصريون البيض، بما في ذلك زعيم حركة «كو كلوكس كلان» السابق، ديفيد ديوك. ونظراً لذلك، فإن صعود ترامب هو خبر سيء للغاية بالنسبة لليهود الأمريكيين- وفي الواقع بالنسبة للأقليات جميعها في الولايات المتحدة. ومما يجعل الأمور أسوأ فإن تأثير ترامب قد يمتد إلى خارج الولايات المتحدة، مع قادة اليمين المتطرف في أماكن أخرى، مثل نوربرت هوفر في النمسا، الذي يحاول محاكاة أسلوب ترامب وتكتيكاته للتأجيج والاستفادة من النفَس الرجعي.

بالنسبة لإسرائيل، فإن رئاسة ترامب ستكون خسارة كبيرة واضحة، على الأقل لأنه قد جرى احتساب إسرائيل فترة طويلة على المشرعين الجمهوريين لدفع جدول أعمالها. في عام 2011، على سبيل المثال، ذهب الجمهوريون إلى حد ترتيب خطاب نتنياهو أمام الكونغرس- دون إبلاغ البيت الأبيض- في محاولة لمنع أوباما عن الصفقة النووية التي يجري التفاوض عليها منذ زمن طويل.

من خلال تجاهل غضب الرأي العام الأوروبي ضد سياستها اتجاه القضية الفلسطينية، خسرت الحكومة الإسرائيلية دعم أوروبا. أما الآن، فإن القلعة المنيعة للدعم في الولايات المتحدة مهددة أيضاً. وبالتأكيد، علينا أن ندرك أن تجاهل هذا التحدي سيكون بمثابة المشي نحو الهاوية.

آخر تعديل على الأحد, 10 تموز/يوليو 2016 20:42