احتجاجات طلاب مدارس مصر: المستقبل يكشّر عن أنيابه!
مصطفى بسيوني مصطفى بسيوني

احتجاجات طلاب مدارس مصر: المستقبل يكشّر عن أنيابه!

فتى في سن المراهقة يعدو الى الأمام من دون أن ينظر إلى الخلف، وتلاحقه قوات الأمن بكامل عدتها محاولة اللحاق به.

 

الفتى ليس إرهابياً ولا معارضاً سياسياً، أي أنه ليس ممن «يحاولون هدم الدولة، بل هو مجرد طالب في الثانوية العامة يعترض على إلغاء امتحان مادة الـ «ديناميكا».

الأسبوع المنصرم كان أسبوع طلاب الثانوية العامة بامتياز. يوم الاثنين الماضي، وقعت وزارة التربية والتعليم تحت الحصار، عندما قرر الطلاب التظاهر أمام مقر الوزارة احتجاجا على إلغاء امتحان الـ «ديناميكا» الذي أداه الطلاب، وتمت إعادته مرة أخرى.
إلغاء الامتحان وإعادته جاءا رداً على تسريب اسئلته وإجاباته كاملة، ونشره على صفحات الإنترنت، وهو ما اعتبره طلبة الثانوية العامة عقابا لهم على فشل وزارة التربية والتعليم والجهات المعنية في تأمين الامتحان ومنع تسريبه.
التظاهرات التي أحاطت بوزارة التربية والتعليم لم تكن الوحيدة، فخارج القاهرة تظاهر طلاب الثانوية العامة أمام مديريات التعليم ومقرات المحافظات للأسباب ذاتها.
التظاهرات التي هتفت ضد وزير التربية والتعليم، رافضة إلغاء الامتحان، مطالبة باستقالة الوزير، لم تكتف بمحاصرة مقر الوزارة، فالطلاب تسلقوا أسوارها، قبل أن يتحركوا في اتجاه ميدان التحرير حيث بدأت قوات الأمن في الاشتباك معهم وتفريقهم بالغازات المسيلة للدموع والخرطوش، كما تم اعتقال عدد من الطلاب أخلي سبيلهم لاحقاً.
عاود الطلاب الاحتجاج مرة أخرى يوم الأربعاء الماضي، ولكن قوات الأمن لم تمنحهم الفرصة للتجمع في أي مكان قرب الوزارة، فلاحقت كل تجمعات الطلاب التي حاولت الاقتراب من مبنى الوزارة وفرقتها مبكراً، واعتقلت أعداداً منهم قبل إخلاء سبيلهم، فما كان من الطلاب إلا أن تجمعوا أمام نقابة الصحافيين في محيط ميدان التحرير، ليهتفوا ضد وزارتي التعليم والداخلية معاً، ويستمروا في الاعتصام أمام مبنى النقابة حتى تجمع المواطنون الشرفاء تحت إشراف الأمن ليفضوا اعتصامهم قبيل آذان المغرب.
المشهد قد يحمل الكثير من الدلالات، فمن ناحية بدت الدولة المصرية بإمكانياتها كافة عاجزة عن تأمين امتحانات الثانوية العامة، ليصبح نشر ورقة الامتحان قبل موعده على صفحات التواصل الاجتماعي، شبه منتظم. ثم إنها لم تجد حلا لمواجهة تسريب الامتحانات سوى إلغاء الامتحان نفسه وإعادته، وهو ما يعتبره الطلاب عقابا لهم، وعندما يعترضون تواجههم قوات الأمن بالغازات المسيلة للدموع والخرطوش و الاعتقال.
الأمر يشبه تعامل الدولة مع الكثير من الأزمات والمشاكل.
من ناحية أخرى، تكشف الأحداث أن الأزمة ليست في تأمين ورقة امتحان الثانوية العامة فحسب، بل تتعلق بمنظومة التعليم ككل، فنظام التعليم، وتقييم الطلاب، لا يزال كما هو لم يتغير منذ عشرات السنين، في الوقت الذي تغير فيه كل شيء، وأهم ما تغير هم الطلاب أنفسهم.
عبد الناصر اسماعيل، عضو اتحاد المعلمين المصريين المستقل، يقول في حديث الى «السفير» إن «الأزمة التي لا تدركها الدولة هي أنها أمام جيل مختلف، جيل تمرد بالفعل على منظومة التعليم والتلقين الموجودة. الشعارات والمطالب التي يرفعها الطلاب تعبّر عن وعي راق ليس بمشاكل التعليم وأزماته فحسب، وإنما أيضا بالتمييز داخل المنظومة التعليمية».
ويضيف اسماعيل «آلية تقييم الطلاب عبر ورقة الامتحان، آلية أحادية، لا تعبر عن قدرات الطلاب الحقيقية ومواهبهم، وهذا ما أصبح يدركه الطلاب ويرفضونه. كذلك فإنّ آلية الالتحاق بالجامعات عبر مكاتب التنسيق آلية بيروقراطية، وبرغم تحفظي على ما يطرحه الطلاب بوضع اختبارات قدرات لكل كلية، لأن ذلك قد يفتح الباب للفساد والتمييز، إلا أن الآلية الموجودة أيضا منتهية الصلاحية مثل كل النظام التعليمي».
ربما يكون الجانب الأهم في أزمة الثانوية العامة في مصر، والتي وصلت الى ذروتها بمحاصرة وزارة التربية والتعليم هو ما يمثله هذا الجيل من حالة تمرد ورفض.
واللافت للانتباه أن طلاب الثانوية العامة لا تتجاوز أعمارهم 16 عاماً، أي أنهم كانوا أطفالا تقريبا عندما انطلقت «ثورة 25 يناير» في العام 2011. ولا يمكن اعتبار تحركهم مجرد أصداء أو امتداد للثورة. ومع ذلك تبدو مواقفهم ضد نظام التعليم ورفضهم لحالة التمييز داخل المنظومة التعليمية، وآليات تحركهم واحتجاجاتهم، كلها آليات ثورية ترفض الإذعان للأوضاع القديمة وتحاول تغييرها.
عبد الرحمن عمران، عضو المكتب الجمهوري لاتحاد طلاب مدارس مصر، يوضح موقف الطلبة، إذ يقول في حديث إلى «السفير»، إن «الأزمة تعرض على أنها مشكلة تسريب الامتحانات فقط، ولكننا نرى الأزمة أكبر من ذلك، إنها منظومة التعليم نفسها. المنظومة تقادمت وأصبحت من الماضي. هل سنوات التعليم الـ12 تؤهل الطلاب بالفعل للجامعة؟ وهل ورقة الامتحان تحدد مستوى الطالب بالفعل وقدراته ومواهبه؟ طبعا لا، فالمنظومة لا تعتمد على التكنولوجيا والفهم. والطالب ينسى المعلومات بعد انتهاء الامتحان، وتسريب الامتحان والغش من تجليات فشل المنظومة التعليمية ككل».
ويضيف عمران «هناك أيضا تمييز في المنظومة التعليمية، فالامتحانات توزع مسبقا على أبناء مسؤولين ونافذين، وقد تشكلت لجنة امتحان خاصة لأبناء القضاة والضباط، في سوهاج، وهو ما دفع رئيس اللجنة لرفض الاستمرار فيها لأنه غير قادر على وقف الغش. الغش وتسريب الامتحانات عمل غير أخلاقي بالطبع، ولكنه كشف عن خلل أكبر في المنظومة التعليمية وتمايز وانعدام للعدالة أيضا».
ويوضح عمران أن التظاهرات التي نظمها الطلاب الأسبوع الماضي كانت عفوية تماماً، ولم تتبناها أو تنظمها أي جهة، ولكنه لا يستبعد في المرات القادمة أن يتبنى اتحاد الطلاب التحركات السلمية التي ترفع مطالبهم وتطالب بحقوقهم العادلة، خاصة أن قيادات من الاتحاد تؤيد بالفعل التحركات السلمية للطلاب. ويؤكد «لدينا تصورات كاملة عن تطوير المنظومة التعليمية وتحويلها الى منظومة عصرية ومنتجة، ولدينا تصورات لتكلفتها وتمويلها، حتى لا تشكّل عبئاً على موازنة الدولة، وقد عرضناها بالفعل على الوزارة ولكنها لم تهتم وسنعرضها على الرأي العام».
أزمة تسريب امتحانات الثانوية العامة، كشفت أزمة منظومة التعليم البالية. وأزمة منظومة التعاليم البالية كشفت عن أزمة أكبر لم يعد من الممكن تجاهلها. أزمة هذا الجيل الذي لم يعتصم في ميدان التحرير في «ثورة 25 يناير»، ولم يسقط نظام حسني مبارك، ولكنه رغم ذلك لن يقبل أن يُحكم بالطريقة نفسها التي حُكمت بها أجيال سابقة. لن يتلقى المناهج التي تُقدم له بصمت. ولن يتقبل التبريرات في هدوء. سيكون له رأي في تعليمه وحياته ومستقبله، وسيناضل من أجل هذا الرأي. طلاب الثانوية العامة الذين تظاهروا ضد منظومة التعليم أمس الأول وسيستمرون في التظاهر حسب ما أعلنوا في الأيام المقبلة، هم الذيم سيلتحقون بالجامعة بعد أشهر، ليكون لهم رأيهم وموقفهم في اللائحة الطلابية والحياة الجامعية ككل، ولن يقبلوا في كل مرحلة من حياتهم بالبديهيات التي فرضت نفسها لعقود.
في الذكرى الثالثة لانتصار حركة «تمرد» التي تبنتها أجهزة الدولة المصرية، تجد تلك الدولة نفسها في مواجهة تمرد جديد لا يريد من أحد أن يتبناه. وبعدما بذل النظام جهدا كبيرا في إزالة آثار الماضي بما تضمنه من انتفاضات ثورية أطاحت بأنظمة، وبعدما سخّر كل قدراته للسيطرة الكاملة على الحاضر، يجد نفسه أمام مستقبل يكشّر عن أنيابه في مواجهة حاضر تساقطت اسنانه.

 

http://assafir.com/Article/1/501126