الطائرة المختطفة.. رسائل قوى المال للقاهرة

الطائرة المختطفة.. رسائل قوى المال للقاهرة

أفاق المصريون يوم الثلاثاء الماضي 29/3/2016، على خبر اختطاف طائرة ركاب مصرية من طراز «إيرباص 320»، كانت متوجهة من مطار برج العرب إلى القاهرة، لتهبط  في مطار لارنكا القبرصي، قبل أن يستسلم الخاطف للسلطات القبرصية، ويعود الرهائن على متن طائرة أرسلتها وزارة الطيران المصرية لهذا الغرض..

بعيداً عن موجات السخرية التي أثارها الخبر، فإنه يحمل في طياته تهديداً حقيقياً على الداخل المصري، بتوقيته المريب، وما حمله من تعمد إظهار الصورة الكاريكاتورية حول الحادث، ومعه حول قدرات السلطات المصرية.

«حزام ناسف» يعبر بوابات المطار!

 

هذه السخرية التي تناولت الجانب الشكلي من الحادثة، أكملها الإعلام القبرصي بفرضيات حول أسباب الاختطاف، والتي تدور معظمها حول اضطراب نفسي للمختطف، أكدته بدورها وزارة الخارجية القبرصية، في حين قالت الإذاعة القبرصية الرسمية إن الخاطف طلب مترجماً، وأنه ألقى رسالة وطلب تسليمها لـ«طليقته القبرصية»، ما سمح لوكالات الأنباء بالتركيز على الجانب الجنائي، والذي سببه خلل في ضبط أمن حركة الطيران المصرية.

ورغم أن الخاطف لم يحمل العملية طابعاً سياسياً أو إنسانياً مثلاً، لكن، هل عملية خطف الطائرات في القرن الواحد والعشرين بهذه السلاسة التي أثارت سخرية المتابعين للحدث؟ أم أن الحادثة تحمل رسائل أخرى أراد أحدهم إيصالها إلى السلطة المصرية أو غيرها؟

توقيت متقن ومدروس

 

في محاولة للإجابة عن أسباب الحادثة، يمكن العودة إلى تطورات حدثت قبل الحادثة بأيام. والبداية في تصريح أطلقه رئيس المجلس التأسيسي لنقابة السياحيين المصريين يوم 23\3، قال فيه أن الإعلان عن تواجد خبراء روس بشكل دائم في المطارات المصرية لضمان تأمين سلامة الركاب، يعد مؤشراً قوياً على اقتراب عودة السياحة الروسية إلى مصر.

بعد ذلك، وفي 25\3، أي قبل أربعة أيام من الحادثة، أدلى نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، بتصريح صحفي حدد فيه مطلع الصيف القادم موعداً محتملاً لاستئناف الرحلات الجوية بين روسيا ومصر، بالتزامن مع تصريح أطلقه وزير النقل الروسي، بأنه من المقرر أن يجري «اختبار جديد» في نهاية الشهر الجاري أو في نيسان، لتقييم إجراءات الأمن في مطارات مصر. وكانت شركات الطيران الروسية قد علقت رحلاتها إلى مصر بعد سقوط طائرة تابعة لإحدى شركات الطيران الروسية فوق سيناء في أكتوبر من العام الماضي.

الجدير بالذكر أن روسيا (بوصفها مصدراً مهماً للسياحة القادمة إلى مصر والتي أدخلت إلى خزينة الدولة المصرية نحو 1.9 مليار دولار في العام 2014، أي ما يقارب 25% من مجمل الإيرادات السياحية، فيما انخفضت الإيرادات في العام 2015 بنسبة 15%، وأعداد السياح إلى 6%، بحسب وزارة السياحة المصرية) تمثل مورداً هاماً بالنسبة لمصر. فهل يمكن عزل هذه التطورات عن حادثة الاختطاف. وإذا أردنا الربط بينهما، فمن له المصلحة بتأريض الجهود الروسية-المصرية، في واحدة من مجالات التعاون الهامة بين البلدين؟

رسالة «الفلول»: لا تغيروا التوجهات الاستراتيجية

 

إن ربط الحادثة، بمسار تطور العلاقات الروسية- المصرية، هو الأقرب إلى الواقع مما تناولته معظم وسائل الإعلام في ما يخص حادثة الاختطاف. أي أن الحادثة في جوهرها سياسية وليست جنائية كما تم تصوريها إعلامياً.

ومن منظور سياسي، تغدو مسببات الحادثة واضحة بالقول أن بعض القوى المتنفذة في جهاز الدولة المصري، والتي تنتمي إلى حقبة الرئيس المخلوع، حسني مبارك، والتي سميت بعد موجة الحراك الأولى بـ«الفلول»، هذه القوى تريد إيصال رسائل مبطنة للسلطة المصرية مفادها، أن التوجهات الجديدة لمصر، والتي تتسم بإقامة علاقات قوية مع الشرق على حساب العلاقات التقليدية مع الغرب في حقبة ما بعد توقيع «كامب ديفيد»، هي علاقات ليست مرغوبة، وأن توطيد التوجهات الجديدة، خارج الأطر التقليدية المذكورة، سيدفع هذه القوى إلى التحرك، لتعطيل هذه التوجهات.

ولربما أن هذه المعركة داخل جهاز الدولة المصري، هي قدر لا راد له، وهي ليست بالمعركة الأولى، إذ يمكن الإشارة هنا إلى ضربات سابقة تلقتها هذه القوى، من بينها إقالة رئيس المخابرات المصرية، اللواء محمد فريد التهامي، في نهاية العام 2014، واستقالة 140 مسؤول مصرفي بسبب تخفيض رواتبهم، وإحالة 13 مسؤول استخباراتي رفيع المستوى من رتبة وكيل جهاز المخابرات العامة إلى التقاعد نهاية العام الماضي.. أي أن المعركة ما تزال مستمرة داخل جهاز الدولة، وهذا ما يرجح أن تكون العملية الأخيرة جزءاً منها.