موسكو فقط تستطيع لجم حرب واشنطن..!
مايك ويتني مايك ويتني

موسكو فقط تستطيع لجم حرب واشنطن..!

 

لا تريد الولايات المتحدة حرباً مع روسيا، إنها، ببساطة، تشعر أن لا خيار أمامها. فلو لم تبادر وزارة الخارجية لصنع انقلابٍ في أوكرانيا لإسقاط الرئيس المنتخب، فيكتور يانوكوفيتش، لما تمكنت الولايات المتحدة من حشر نفسها بين روسيا والاتحاد الأوروبي، وبالتالي، تعطيل طرق التجارة الحيوية التي تعزز قوى الدول في القارتين.

يشكِّل التكامل الاقتصادي بين آسيا وأوروبا، خطراً واضحاً وقائماً بالنسبة للولايات المتحدة، التي تقلصت حصتها من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وانخفضت أهميتها الاقتصادية عالمياً.

بالنسبة للولايات المتحدة، فإن تجاهل هذا المنافس الجديد (روسيا والاتحاد الأوروبي) سيكون مشابهاً للاستسلام والرضوخ للمستقبل، الذي ستواجه فيه الولايات المتحدة، التآكل التدريجي والمستمر في قوتها ونفوذها في الشؤون العالمية. لا أحد في واشنطن على استعداد للسماح بحدوث ذلك، وهذا ما جعل الولايات المتحدة تطلق حربها بالوكالة في أوكرانيا.

عناوين طويلة لهدفٍ واحد

تريد الولايات المتحدة الفصل بين القارات، وهذا ما تعنيه عبارة «منع ظهور منافس جديد». كما تريد تنصيب نفسها كمحصِّل للضرائب بين أوروبا وآسيا، وكـ«حارس» للأمن الإقليمي. ولتحقيق هذه الغاية، تعيد الولايات المتحدة بناء الستار الحديدي على امتداد ألف ميل، من بحر البلطيق إلى البحر الأسود. ويتم إرسال الدبابات والعربات المدرعة والمدفعية إلى المنطقة، لتعزيز منطقة عازلة في جميع أنحاء أوروبا، بهدف عزل روسيا وخلق نقطة انطلاق للاعتداءات الأمريكية مستقبلاً. وتظهر التقارير الإعلامية انتشار الأسلحة والمعدات الثقيلة بشكل يومي تقريباً، ورغم أن الصحافة الأمريكية تحذف هذا النوع من الأخبار، فإن مراجعة سريعة لبعض العناوين الأخيرة تساعد القراء على فهم حجم الصراع الذي يتم تسليط الضوء عليه:

«الولايات المتحدة وبلغاريا تسعيان لتنفيذ التدريبات العسكرية في البلقان»، «الناتو يبدأ مناوراته في البحر الأسود»، «جيش لإرسال المزيد من القوات والدبابات إلى أوروبا»، «بولندا تطالب بالوجود العسكري الأمريكي»، «الجيش الأمريكي يرسل قافلة مدرعة بطول 1,800 كيلو متر عبر أوروبا»، «أكثر من 120 دبابة أمريكية ومركبات مدرعة تصل إلى لاتفيا»، «الولايات المتحدة وبولندا، تجربة الصواريخ – البنتاغون».. هل توضحت الصورة؟ هناك حرب مستمرة، وهي حرب بين الولايات المتحدة وروسيا.

لاحظ كيف أن معظم عناوين الصحف تؤكد تورط الولايات المتحدة، لا حلف شمال الأطلسي. وبعبارة أخرى، إن الاستفزازات ضد روسيا تنبع من واشنطن لا من أوروبا. وهذه نقطة هامة. دعم الاتحاد الأوروبي العقوبات الاقتصادية التي تقودها الولايات المتحدة، ولكنه لم يدعم بناء جيش على الحدود الخارجية كافة. وبطبيعة الحال، فإن عملية انتقال الدبابات والعربات المدرعة والمدفعية في جميع أنحاء العالم مكلفة،  ولكن الولايات المتحدة هي أكثر من مستميتة لتقديم التضحية إذا كان ذلك يساعد على تحقيق أهدافها.

روسيا- ألمانيا.. وعقدة الخطر

ما يثير الاهتمام، فيما يبدو، أنه حتى المحللين السياسيين من أقصى اليمين، يتفقون حول هذه النقطة. على سبيل المثال، لننظر إلى هذا الاقتباس الذي أدلى به الرئيس التنفيذي لشركة «ستراتفور»، جورج فريدمان، في عرض تقديمي  ألقاه مؤخراً في «مجلس شيكاغو للشؤون الخارجية»، حيث قال: «إن الولايات المتحدة توجه اهتمامها الأساسي، الذي خضنا الحروب الأولى والثانية والحرب الباردة لأجلها خلال قرون، نحو العلاقة بين ألمانيا وروسيا، لأن وحدتهما تعني أنهما القوة الوحيدة التي يمكن أن تهددنا. كما يتوجه اهتمامها إلى التأكد من عدم حدوث ذلك».

لم تكن المسألة في أوكرانيا أبداً مسألة السيادة أو الديمقراطية أو «العدوان الروسي» المزعوم، فهذا كله دعاية إعلامية فقط. لكنها مسألة السيطرة، مسألة التوسع الإمبراطوري، مسألة مناطق النفوذ، مسألة التدهور الاقتصادي الذي لا رجعة فيه. إنها محاولة للي الذراع، وسياسة الأرض المحروقة، وانعدام الرحمة في عالم الجيوسياسة الذي نعيش فيه، لا عالم «ديزني وورلد» الوهمي الذي أنشأته وسائل الإعلام الغربية.

أهداف واشنطن..!

أطاحت وزارة الخارجية الأمريكية، ووكالة الاستخبارات المركزية بالحكومة المنتخبة في أوكرانيا، وأمرت النظام العسكري الجديد، بشن حرب إبادة يائسة ضد الشعب الأوكراني في الشرق، لأنهما أيضاً شعرا أن لا خيار آخر لديهما. لو نجحت خطة بوتين الطموحة بإنشاء منطقة تجارة حرة بين لشبونة وفلاديفوستوك، فأين ستجد الولايات المتحدة نفسها؟ ستصبح جزيرة معزولة بسبب تضاؤل ​​أهميتها، إذ أن العجز المالي، وتضخم الدّين الوطني الهائل، من شأنه أن يمهد الطريق لسنوات من إعادة الهيكلة وانخفاض مستويات المعيشة، والتضخم الكبير والاضطرابات الاجتماعية. لا أحد حقاً يعتقد أن واشنطن ستسمح بذلك طالما أن «العلامة التجارية- آلة الحرب» البالغة قيمتها تريليون دولار تحت تصرفها..!

إضافة لذلك، تعتقد واشنطن، أن لديها الحق التاريخي في حكم العالم..! لننظر الآن إلى هذا المقطع من مقال الاقتصادي جاك راسموس في موقع «كاونتربانش»: «تهدف أمريكا من وراء العقوبات، إلى إخراج روسيا من الاقتصاد الأوروبي. أصبح اقتصاد أوروبا متكاملاً للغاية، ويعتمد على روسيا. ليس بفضل الغاز والمواد الخام فقط، بل أيضاً بسبب تعمق العلاقات التجارية، وتدفق رأس المال المالي، على جبهات عدة بين روسيا وأوروبا بشكلٍ عام، وذلك قبل اختلاق الأزمة الأوكرانية، التي وفرت الغطاء لتقديم العقوبات. هدَّد التكامل الاقتصادي المتزايد بين روسيا وأوروبا، المصالح الاقتصادية العريقة للرأسماليين في الولايات المتحدة. استراتيجياً، يمكن رؤية استعجال الولايات المتحدة لحدوث الانقلاب في أوكرانيا، كوسيلة يمكن من خلالها إثارة التدخل العسكري الروسي، أي، كحدث ضروري لتعميق وتوسيع العقوبات الاقتصادية، التي من شأنها أن تقطع في نهاية المطاف العلاقات الاقتصادية المتنامية بين أوروبا وروسيا. ومن شأن ذلك، بدوره، أن يضمن، ليس استمرار مصالح الهيمنة الاقتصادية الأمريكية في أوروبا فحسب، ولكن من شأنه أن يتيح أيضاً فرصاً جديدة لتحقيق الأرباح لمصلحة الولايات المتحدة في أوروبا وأوكرانيا كذلك. عندما تتحطم قواعد لعبة المنافسة بين الرأسماليين تماماً، تكون النتيجة هي الحرب، أي، الشكل النهائي للمنافسة في الرأسمالية».

منطقة القوة العالمية..!

«هدفنا الأول هو منع ظهور منافس جديد، يشكل خطراً داخل نطاق الاتحاد السوفياتي سابقاً، سواء على أراضي الاتحاد السوفياتي سابقاً، أو في أي مكان آخر. هذا هو الاعتبار الكامن وراء استراتيجية دفاعية إقليمية جديدة، ويتطلب أن نسعى لمنع أية قوة معادية من السيطرة، تحت إدارة موحدة، على هذه المنطقة ذات الموارد الكافية لقيام قوة عالمية».

*من «مذهب وولفويتز»، النسخة الأصلية من دليل التخطيط الدفاعي، والتي تسربت إلى صحيفة «نيويورك تايمز» في 7/3/1992.

مراهنة خارج السرب..

لا يمكن أن تسمح الولايات المتحدة لروسيا، بجني ثمار الموارد الهائلة الخاصة بها. طبعاً لا. لا بد من تأديبها، لا بد من تخويفها، لابد من العقوبات والعزل والتهديد والترهيب. هكذا تجري الأمور بالنسبة للولايات المتحدة.

ستضطر روسيا إلى التعامل مع الفوضى والحروب بين الأشقاء على حدودها، وإلى تحمل الاضطراب في رأسمالها. فلا بد لها أن تصمد أمام انتقام شركائها التجاريين، والهجمات على عملتها، والمؤامرات لسلب إيرادات النفط المستخرج من أرضها. وستفعل الولايات المتحدة كل ما في وسعها، للإساءة لروسيا وتشويه صورة بوتين وتحويل بروكسل ضد موسكو، وتخريب الاقتصاد الروسي.

يعتقد سماسرة السلطة في الولايات المتحدة، أن حل مشكلة التدهور الاقتصادي في أمريكا يكمن في المراهنة على آسيا الوسطى وتقطيع روسيا، ومحاصرة الصين، وسحق كل الخطط الاقتصادية المتكاملة بين الاتحاد الأوروبي وآسيا. وتعتقد واشنطن نفسها مصممة على الانتصار في هذا الصراع الوجودي، لفرض السيطرة المهيمنة على القارتين كلتيهما، والحفاظ على مكانتها باعتبارها القوة العظمى الوحيدة في العالم..! إلا أن روسيا هي الوحيدة القادرة على إيقاف الولايات المتحدة ونعتقد أنها ستفعل ذلك.

عن موقع «CounterPunch» بتصرف..

*مايك ويتني: باحث سياسي واقتصادي أمريكي، مقيم في واشنطن.