إدارة العلاقات الفلسطينية «الإسرائيلية»
د . ناجي صادق شراب د . ناجي صادق شراب

إدارة العلاقات الفلسطينية «الإسرائيلية»

تقدم العلاقات الفلسطينية «الإسرائيلية» نموذجاً فريداً في العلاقات بين دولة محتلة تحول دون قيام الدولة الفلسطينية واكتمال سلطتها، على اعتبار أن السلطة الكاملة تعتبر إحدى مكونات الدولة المستقلة، وبين سلطة فلسطينية تصارع من أجل فرض سيادتها الإقليمية على كامل أراضيها .

هذا أول التناقضات في هذه العلاقات، فكيف يمكن الجمع والتوفيق بين سلطة احتلال وسلطة تحت الاحتلال؟ والتناقض الثاني في هذه العلاقات هو الاتفاقات غير المتكافئة بينهما، فاتفاقات أوسلو، وباريس عقدت لهدف واضح ومحدد وهو إنهاء الاحتلال "الإسرائيلي" وقيام الدولة الفلسطينية، خلال مرحلة انتقالية، وهذه الاتفاقات استندت إلى موازين قوى تعمل في صالح "إسرائيل"، وكان يفترض أن ينتهي العمل بها مع انتهاء الفترة الانتقالية عام ،1999 حيث إن هذه الاتفاقات فشلت في تحقيق الهدف منها، فهذا معناه أنه لم يعد لها وجود فعلي، وهو ما يستوجب مراجعتها . والتناقض الثالث في هذه العلاقات يتمثل كخيار التفاوض والسلام، فعلى الرغم من تمسك الفلسطينيين بالمفاوضات والسلام كخيار استراتيجي، إلا أن هذا الخيار وصل إلى طريق مسدود بسبب سياسات الاستيطان والتهويد، ومصادرة الأرض التي يفترض أن تقوم عليها الدولة الفلسطينية .

لم يعد من المقبول الاستمرار في مفاوضات يريد الطرف "الإسرائيلي" تفريغها من مضامينها الحقيقية، فالمفاوضات مرهونة بتحقيق أهداف سياسية وهذا لم يتحقق . وهو ما يستوجب مراجعة كاملة لهذا الخيار، ولا يعني ذلك تخلي الفلسطينيين عن خيار السلام . والتناقض الرابع في العلاقات أن "إسرائيل" تتعامل مع السلطة الفلسطينية وكأنها غير موجودة أو فقط مجرد سلطة خدمات، ومطلوب منها أن تتحول إلى مجرد أداة أو كأنها فرع من فروع الحكومة "الإسرائيلية" وظيفتها حفظ الأمن والاستقرار لها، وهذا يناقض دور سلطة نضالية وكفاحية هدفها واضح في إنهاء الاحتلال .
وأما التناقض الخامس الذي يحكم العلاقات فهو تناقض الخيارات السياسية، إذ ليس من حق الفلسطينيين من وجهة نظر "إسرائيل" الذهاب إلى أي خيار سياسي مثل خيار التوجه إلى الأمم المتحدة وتفعيل خيارات الشرعية الدولية، أو الذهاب للمحكمة الجنائية، وتفسير ذلك أنه ليس من حق الفلسطينيين معاقبة "إسرائيل" على أي جرم ارتكبته ضد الشعب الفلسطيني من اعتقال واحتلال، ومصادر أراض ومجازر، أي أن الفلسطينيين من وجهة نظرها ليسوا شعباً له حقوق سياسية مشروعة تتمثل في قيام دولة، وهذا التناقض يؤكد بأن "إسرائيل" لا تعترف بقيام الدولة الفلسطينية، وكل ما يمكن منحه هو سلطة أعلى من سلطة حكم ذاتي، وأقل من دولة، في الوقت الذي ترقى فيه طموحات الشعب الفلسطيني إلى مستوى الدولة مثل أي شعب ودولة أخرى، التناقض هنا يتمثل كيف يمكن الجمع بين "إسرائيل" كدولة، وفلسطين كدولة . "إسرائيل" ترى مستقبلها من دون دولة فلسطينية، والفلسطينيون لا مستقبل لهم من دون دولة . هذه العلاقات تقوم على التناقضات، والنفي والإلغاء لا يستقيم مع علاقات الاحتلال .
إن "إسرائيل" تتمسك بسياستها الاحتلالية، وذلك لا يمكن أن يستمر كما تريد "إسرائيل" وإلا انتفى المبرر القومي لوجود الشعب الفلسطيني، وهذا يتطلب مراجعة لكل الخيارات الفلسطينية في العلاقات الحاكمة مع "إسرائيل"، ولعل هذه الخيارات الداخلية هي الكفيلة بتغيير العلاقات بما يقرّب من تحقيق قيام الدولة الفلسطينية، وهنا يبرز مراجعة خياري التنسيق الأمني، وتغيير المبادئ التي يقوم عليها بما يخدم الهدف الفلسطيني وليس "الإسرائيلي"، ومراجعة الاتفاقات الاقتصادية واستمرار "إسرائيل" في التحكم بالأموال الفلسطينية والضغط بها على الفلسطينيين لإجبارهم على الاستجابة لمطالب "إسرائيل"، والأساس في هذه المراجعة أن يتحرر الفلسطينيون من عقدة السلطة التي أنشأتها اتفاقات أوسلو، وهذا يعني الحاجة لبناء سلطة جديدة على معايير وأسس جديدة أساسها أن "إسرائيل" سلطة احتلال، والتعامل معها على هذا الأساس . هذا الخيار يمكن توصيفه بالخيار المركب، أي جعل "إسرائيل" تشعر بأنها سلطة احتلال وأن الفلسطينيين لن يسكتوا عن هذا الاحتلال ومصرّين على إنهائه بكل الوسائل التي أقرتها الشرعية الدولية لهم، والمضي قدماً في كل خياراتهم، وتوسيع دائرة المواجهة مع "إسرائيل" .
وأساس هذه العلاقات لن يكون بالمفاوضات فقط بل بالمقاومة المشروعة بكل أشكالها، وبالخيارات الدولية، وبرمي خيار السلطة في وجه "إسرائيل"، إذا شعرت "إسرائيل" بأن الفلسطينيين بدأوا يتغيرون فعلاً، وإذا شعرت بأن احتلالها له ثمن، وإذا شعرت بأن العالم بدأ يتحرك ضاغطاً عليها عندها ستدرك أن احتلالها ثمنه أمنها واستقرارها وعندها تكون مجبرة على أن تتغير، وهذا درس التاريخ.

 

المصدر: الخليج