دليقان: ما يهم الشباب البرامج السياسية الملموسة للقوى السياسية وليس شعاراتها

دليقان: ما يهم الشباب البرامج السياسية الملموسة للقوى السياسية وليس شعاراتها

تحت عنوان «متلازمة “المال والملل” فعلت فعلها وأشياء أخرى قيد التحري.. شباب غارق في وحل التطرف.. وتساؤلات عن دور الأحزاب السياسية» نشرت صحيفة البعث السورية بعددها 15189 بتاريخ 18/11/2014 تحقيقاً صحفياً أعده كل من  سنان حسن، ووسام إبراهيم، وميس خليل، من أجل رصد آراء ممثلين عن عدد من القوى السياسية السورية من أحزاب قديمة وجديدة من اصطفافات سياسية ومرجعيات فكرية مختلفة حول دور الحركة السياسية السورية في التعاطي مع الشباب ومشاكلهم ولاسيما وسط الأزمة التي تعيشها البلاد ووقوع أقسام منهم في براثن التطرف والإرهاب.

المادة التحقيقية المشغولة بمهنية عالية نشرتها البعث على موقعها الالكتروني على الرابط (http://ncro.sy/baathonline/?p=27214) بعد إجراء ما رأته ضرورات تحريرية مهنياً وسياسياً، بحيث لم تأت تارة على بعض جوانب الإجابات أو لم تغط تارة أخرى ربما بسبب المساحة عدداً كاملاً من الأسئلة والإجابات التي كانت مرسلة أساساً. ونحن هنا بدورنا نقوم بنشر الأسئلة والأجوبة كاملة كما وردت لحزب الإرادة الشعبية، وكما أجاب عليها في حينه الرفيق مهند دليقان، أمين مجلس حزب الإرادة الشعبية.

 

ما أسباب القصور الحزبي في استيعاب الشباب واستقطابهم داخل الأحزاب السياسية، حتى أصبحوا فريسة سهلة لجماعات العنف والتطرف؟

قبل الإجابة أرغب بالتوضيح أننا لسنا مع مسألة الفصل الميكانيكي بين شرائح الشباب وبقية الشرائح العمرية في المجتمع السوري، لسببين، الأول أن هذا المجتمع فتي، بمعنى أن الشريحة العمرية الشابة كبيرة فيه بنسبة تتراوح بين 40-60%  حسب الأرقام والمصادر المختلفة، والثاني المترتب عليه هو أن هذه الشريحة تتأثر كباقي الشرائح تماماً بكل التطورات المختلفة التي تطرأ على الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ولكن الفرق بخصوصياتها أنها الأكثر إظهاراً لمفاعيل هذه التطورات بحكم مشاكلها وحساسيتها وعدم استقرار غالبيتها على الدوام (دراسة، بطالة، خدمة علم، زواج وتكوين أسرة، أمراض اجتماعية، الخ)

أما عن السؤال، فهذا مرتبط بمستوى انكفاء الحياة السياسية ذاتها، الناجم بدوره عن جملة من العوامل من أبرزها: انخفاض مستوى الحريات السياسية، ورضوخ غالبية الأحزاب السياسية القديمة للأمر الواقع والابتعاد عن أداء دورها الوظيفي المجتمعي والاكتفاء بالعمل المكتبي ابتعاداً عن الجماهير، وابتعاد هذه الجماهير عن الشارع لعقود متتالية. ومع ارتفاع شدة التناقضات الاقتصادية الاجتماعية التي تجلت بانفجار الأزمة الحالية شهد النشاط السياسي ارتفاعاً في مستواه بما يشمل الشباب بالدرجة الأولى الذين وقعوا تحت سندان انخفاض مستوى الحريات ومطرقة عدم قدرة غالبية الأحزاب والبنية السياسية عموماً على الاستقطاب الصحيح. أما العنف والتطرف فلهما أسباب أوسع من ذلك.

 

يقول بعض المتابعين للشأن السياسي إن أسباب جنوح الشباب نحو التطرف الديني هو تعبير عن استياء وطني ومجتمعي فما رأيك بهذا الكلام؟

إنّ جنوح أجزاءٍ من الشباب، ومن المجتمع عموماً، نحو التطرف والعنف، يعود إلى مجموعة متداخلة من العوامل والتراكمات، على رأسها فقدان الأمل لدى هؤلاء بتغييرات جدية في أوضاعهم المعيشية المتردية باستمرار، الأمر الذي ترافق مع تدني مستوى الحريات السياسية التي تشكل المنفذ الصحي والسليم لإخراج آهات المجتمع وآلامه إلى الواقع العملي وفرضها على الحكومات كمشكلات ينبغي علاجها أولاً بأول منعاً لتراكمها الذي يؤدي بطبيعة الحال إلى التطرف والانفجار.

 

هل تعتقد أن معوقات انخراط الشباب في الأحزاب السياسية يكمن في القاعدة الفكرية لهذه الأحزاب الناشئة منها والقديمة والتي لا تتفق مع متغيرات العصر ومتطلبات الشباب أنفسهم وطموحاتهم، أم أن الموضوع عائد إلى ضعف الإمكانات المادية لهذه الأحزاب.. هناك الكثير من الأحزاب تغري الشباب بالانتساب إليها تحت ترغيب العامل المادي؟

نعتقد أنّ العصر الذي كانت سمته الأساسية هي الاصطفاف السياسي على أساس التوجه الفكري أو الأيديولوجي المعلن قد مضى إلى غير رجعة، لأنّ الناس استنتجوا بتجربتهم العملية أنّ الشعارات شيء والممارسة والتطبيق العملي شيء آخر. لذلك فإنّ ما يهم الشباب اليوم هو البرامج السياسية الملموسة التي تطرحها القوى السياسية، وليس شعاراتها العامة وعناوينها الأيديولوجية. أي أنّ الجانب الواقعي العملي لدى الشباب يدفعهم اليوم للبحث أبعد بكثير من عتبة الشعارات.

 

الشباب يتطلعون لمستقبل فيه مزيد من الحرية والديمقراطية ويكون لهم المشاركة في القرار، هل ذلك ناجم عن عجز الأحزاب عن فرض توجهات الشباب لدى مراكز القرار «الحكومة»؟

أولاً، ينبغي توضيح مسألة أنه ثمة فرق في مصطلح ومفهوم الأحزاب بين الحالة القانونية، بمعنى التسجيل لدى وزارة الداخلية مثلاً، وبين التعبير الفعلي لهذه الأحزاب عن مصالح الناس. فالمجتمع والناس يحاولون التعبير عن مصالحهم وفق الحالة السياسية السائدة في اللحظة المفترضة، ويمكن بهذه الحالة أن تمثلهم فقط الأحزاب التي تقوم بدورها، سواء أكانت مسجلة قانونياً أم لا، وإذا لم تقم الأحزاب بهذا الدور وهذا التعبير فإن المجتمع سيوجد أشكاله التمثيلية الأخرى. ومن الطبيعي أن يسعى المجتمع والشباب ضمناً إلى المشاركة في القرار السياسي، وإلى توجيهه نحو مصالحهم، ولكن الطريقة التي سارت بها الأمور خلال العقدين الماضيين على الأقل في المستوى الاقتصادي لم تكن في مصلحة الأغلبية المسحوقة من السوريين، والأرقام الحكومية قبل غيرها دليل على ذلك، الأمر الذي يزيد من أهمية استعداد المجتمع للدفاع عن مصالحه. وإذا كانت الأحزاب بعيدة عنه فإنّه سيشكل أحزابه وسيتعلم من الحياة. وإن الفضاء السياسي، أي الحركة السياسية بكل أحزابها، هي قيد التغير والتشكل من جديد، وهو ما سيكون له انعكاساته الملموسة عن مصالح المجتمع، والشباب ضمناً.

 

في فترة ما بعد الاستقلال عن الاحتلال الفرنسي كان هناك عمليات انخراط واسع للشباب في الأحزاب، واليوم نرى عكس ذلك، قلة التزام وهروباً في كثير من الأحيان، ما الذي أدى إلى ذلك؟

إذا كان الشباب قد انخرطوا في الأحزاب السياسية بشكل واسع بعد الاستقلال فإنّ الأحزاب في حينه وطروحاتها كانت تتناسب مع مهمات تلك المرحلة التاريخية. اليوم، نعتقد أنه ثمة درجة نشاط سياسي عال بأشكال مختلفة، وبالتالي فإن الشباب غير بعيدين عن العمل السياسي بمستوياته المتعددة التي تأخذ شكلها الحزبي عند توافر الأحزاب وبرامجها القادرة على إقناعهم واجتذابهم وتأطيرهم، غير أن ذلك يتأثر اليوم بعد قرابة ثلاث سنوات ونصف من عمر الأزمة السورية بدرجات الاستنزاف العالية التي فرضتها الأزمة من جهة، وإلى الشعور بانعدام الأفق في ظل التغييب المستمر للحل السياسي لحساب طروحات «الحسم والإسقاط»، من جهة أخرى.

 

هل تعتقد ان الفوارق الطبقية والاجتماعية "المفرطة" دفعت الشباب إلى التفكير بالانتساب إلى المجموعات المتطرفة على حساب الأحزاب؟

إنّ الفروقات الطبقية ضمن المنظومة الرأسمالية هي دافع أساسي للعمل السياسي، ولكنّ هذه الفروقات حين تصل إلى حد تهميش قطاعات واسعة من المجتمع ومن الشباب، فتضيق عليهم بشكل هائل فرص الحياة الكريمة، فإنها، إلى جانب العوامل المذكورة آنفاً، تقود إلى التطرف، أيّ أنّ الإفقار والتهميش هو الأساس الطبيعي للتطرف.

 

هل تعتقد أن وسائل التواصل الاجتماعي كان لها تأثيراً كبيراً في ضياع الشباب وتشتيت أفكارهم، حتى غدوا غير قادرين على تحديد هويتهم الفكرية وبالتالي عدم القدرة على الانتظام في الأحزاب؟

نعتقد أن هنالك مبالغة في تقييم دور وسائل التواصل الاجتماعي في التأثير على الرأي العام للشباب وتوجيههم وتنظيمهم، بالمقابل فإنّ وسائل الإعلام التقليدية وعلى رأسها الفضائيات ما تزال تملك ناصية التأثير الأهم والأخطر على المجتمعات.

هناك شباب ينتسبون بشكل سري للأحزاب التي تمتلك قاعدة فكرية شيوعية دون علم أهاليهم، هل تعتقد أن سبب ذلك نتاج مشكلة اجتماعية ودينية ولدتها العادات المتوارثة في المجتمع الذي يسيطر عليه الموروث الثقافي؟

لا نعتقد ذلك، لأن هذا لا يشمل الأحزاب الشيوعية فقط، بل يكمن جذره في طبيعة وصورة العمل السياسي من مواقع المعارضة، وتحديداً لجهة التعامل الأمني معها، أي أن أطرافاً ما كانت تقوم على الدوام بتغليف البعد الأمني بهالة مما يسمى بالموروث الثقافي، في حين أن الشواهد في تاريخ سورية تفيد بغير ذلك.

 

هل لدى الحزب تصور لتطوير آليات استقطاب الشباب؟

يعمل حزب الإرادة الشعبية على تطوير برنامجه السياسي بشكل مستمر بحيث يكرس تمثيله لمصلحة الكادحين السوريين، معتمداً في ذلك مرجعيته الفكرية الماركسية- اللينينية وسائر العلوم الحديثة. وعلى الحزب الذي يريد استقطاب الشباب أن يتعامل معهم بأعلى درجات الجدية والاحترام، بعيداً عن الطرق التقليدية في التعاطي مع الشباب بوصفهم «أطفالاً كبار» لا يهمهم سوى الرحلات والنشاطات الثقافية، فالشباب اليوم كما هو دائماً طليعة التغييرات الجدية والحقيقية.

 

ماهي نسبة الشباب في الحزب  وفي القيادات العليا للحزب؟

يشكل الشباب الشريحة العمرية الأوسع في حزب الإرادة الشعبية، وهم موجودون في رأس الهرم القيادي بنسب وازنة. ومن خلال التجربة فقد ثبت أنّ الهيئات القيادية هي أهم مدرسة لإعداد الكوادر الحزبية المتقدمة. وفي هذا السياق أثبت الشباب قدرتهم على تحمل الأعباء المختلفة وإدارة العمل بالسويات المطلوبة. وبالمحصلة فإنّ الحزب الذي لا يقوى على تفعيل قدرات الشباب يفقد قدرته على التجدد وبالتالي التأثير على المجتمع فيفقد مبررات وجوده.

آخر تعديل على الأحد, 23 تشرين2/نوفمبر 2014 22:26