دروس أولية من فيضان أهل النيل

دروس أولية من فيضان أهل النيل

الإرهاصات الثورية تتحول باتجاه استكمال الثورة الأولى في مصر، أي إسقاط البنية السياسية الاجتماعية الاقتصادية للنظام. هذا قد يأخذ وقتاً ومعاناة، وكما يختفي الرئيس مرسي ومعه كثيرين سوف يختفي بعض رموز الحراك الحالي أو يخضعون لقوة اندفاع موج الطبقات الشعبية.

مرة أخرى، الثورات قاطرات التاريخ. فما يدور في كل مصر الآن هو:
استفتاء ديمقراطي شعبي يقوض مزاعم انتخابات الصندوق أو ديكتاتورية الصندوق التي تجلب إلى الحكم والرئاسة أصحاب المال، وهذا ليس تراث ديمقراطية اثينا، بل تحريف حتى تراث البرجوازية الأوروبية في بداياتها، اي حينما كانت ثورية عبر نمط الإنتاج الراسمالي الذي تجاوز نمط الإنتاج الإقطاعي وألحقه به . فالطبقات الشعبية لا تملك سوى أجرة الأوتوبيس لوصول ميدان التحرير فمن اين لها بعشرات ملايين الدولارات للإنفاق على حملات انتخابية. هذه هي إذن الرقابة على الصندوق، حين يحيد الثري والحاكم المنتخب يوقفه المد الشعبي إلى حين يتغير ويُستبدل عالم ديمقراطية راس المال بديمقراطية الطبقات الشعبية كأكثرية من جديد. الآن يتم إسقاط من سرق الثورة الأولى.
ولا ندري كيف ستتتغير ديكتاتورية الصندوق/ قد تكون المرحلة الانتقالية هي خروج الشارع لإسقاط من انتخب ولم ينجز ما وعد وما طلبت الناس. وقد أغامر بالقول بان حراك اكثرية الشعب في اي بلد هو مقدمة للتشريع لديكتاتورية الأكثرية الساحقة/الطبقات الشعبية عبر توفير حق وكلفة الترشح لأي كان وعبر إسقاط من تُرشحه وينجح اذا ما عجز عن صيانة الحقوق. بكلام آخر، قد ندخل مرحلة لا يتم فيها لا خداع الناخبين ولا سرقة ثمرة الانتفاضات. وهذا إبداع مصري هذه المرة، فلم يحصل أن أُسقط جورج دبليو بوش مع انه هزم امريكا في العراق. ولا أوباما الذي زعم ترك أفغانستان فقام بتدمير ليبيا ويقوم بتدمير سوريا. ويكفي هنا ما قاله وزير خارجية فرنسا مؤخراً بان ضرب سوريا تقرر قبل عامين من الربيع العربي.
هذا الاستفتاء هو ايضا شطب لأكذوبة مدنية المجتمع الغربي في ظل الراسمالية. هذا الغرب الذي يضرب في كل شبر من العالم والشعوب هناك تحتج بالحد الأدنى وقد لا تحتج. فهي تعتمد القوة وليس الحقيقة والحق، وهذا ليس من المدنية في شيىء. الجماهير هناك مخدوعة مأخوذة بديكتاتورية الصندوق بمعنى أن الرئيس منتخب ليمتلك البلد، مخول، بالبقاء هناك طوال مدة رئاسته. قد يقول البعض بأن انظمة الغرب أدارت إلى حد ما الأزمة المالية الاقتصادية فثبتت. وهذا نصف الحقيقة الثاني، أما النصف الأساس فهي تمكنت من مواصلة نهب المحيط وخاصة بلدان الريع النفطي لإسعاف اقتصاداتها، ناهيك عن أن العقل الجمعي وخاصة للطبقة العاملة مأخوذ بالخنوع لرأس المال ومعبىء بان الاشتراكية شمولية. إن شعوبا تعيش على ريع ما تنهبه من غيرها ليست مرشحة للثورة بعد، وشبح الاشتراكية لا يزال بعيدا عنها، هذا الشبح تقربه التجربة المصرية الحالية.
نفهم من الدرس المصري اليوم أن زمن راس المال ليس ابدياًـ بل يمكن رؤية نهايته. فالكيان الصهيوني اصبح مؤدبا ويداه الطويلتان مغلولتين إلى عنقه، وحقبة العولممة بانت نهايتها واستحكم مأزقها باسرع مما توقع أحد.
ونفهم من الدرس أن قوى الدين السياسي تعاني مازقها بدءاً من:
مأزق الكيان الصهيوني الذي يعتمد الدين السياسي اليهودي والصيغة الراسمالية  الغربية للمسيحية الغربية التي بدأها رسميا كارتر ثم التقطتها المحافظية الجديدة في شخص بوش الصغير وها هو مأزق قوى الدين الإسلامي السياسي في الوطن العربي بداية بالمذابح في سوريا والتبعية المفتوحة من نظام قوى الدين السياسي المصرية للولايات المتحدة والكيان الصهيوني الإشكنازي بل وفي غير مصر.
لا شك أن سؤال يدور في أذهاننا جميعاً بل ننطق به: ترى هل سيتنازل مرسي؟ أم سوف يلتف على الحراك الشعبي، أم هل ستتعب الناس.
السيناريوهات عديدة، منها التنحي ومنها العناد ومنها محاولة تفجير البلد ومنها تأثير مواقف القوى المتدخلة في مصر وخاصة امريكا والكيان، ومنها التقاط الجيش للحظة والحيلولة دون القتال الأهلي ومنها العصيان المدني…الخ. وهو ما اتضح من بيان الجيش اليوم. وهو البيان الذي يبدي انحيازا للشعب، ولكن يبقى وجوب التأكد من :هل يفتح الجيش خطوطا مع الولايات المتحدة، التي قد تدير ظهرها للإخوان لتكسب السلطة المقبلة؟
لكن ما هو مؤكد أن مصر لن تعود إلى الوراء، وبان الشعب  باكثريته لن يقبل بفاشية قوى الدين السياسي. قد تكون ثورة ممتدة، ولكنها لن تُمتطى ثانية كما حصل خلال العامين الماضيين. لقد اكتشفت الطبقات الشعبية وخاصة الجيل الجديد أن تحالفاً غير معلن قد  عُقد بل هو امتداد بين الإمبريالية ممثلة في انظمتها السياسية وشركاتها متعدية الجنسية وبين السلطة السياسية المصرية ممثلة في قوى الدين السياسي المصرية، متحالفة مع رجال الأعمال ممثلين في الشرائح الفاسدة والطفيلية. هذا إلى جانب الإبقاء على اتفاق كامب ديفيد مع الكيان الصهيوني الإشكنازي.  وهذا ما اوصل الطبقات الشعبية خاصة إلى قرار قطع فترة رئاسة ستقود إلى كوارث هائلة.
بقي أن نشير إلى أن ما يحدث في مصر يشكل دفعا معنويا كبيرا لسوريا أقله حياد مصر تجاه سوريا كسلطة قادمة وانفتاح أفق التعاطق الشعبي المصري مع سوريا ضد العدوان المعولم. وهذا يهز مختلف قوى الثورة المضادة (الغرب الراسمالي والكيان وأنظمة الخليج خاصة) كما يهز أنظمة التردد والتلطي العربية الأخرى.

 

نشرة كنعان

آخر تعديل على الأحد, 19 كانون2/يناير 2014 18:14