يستمر المشهد الليبي بالاشتعال، وعلى غرار الموقف في مالي وأفغانستان وسورية والعراق، يبدو أن الوضع الليبي سيزداد حريقاً، حيث يمثل هذا الحريق نتاجاً طبيعياً للعدوانية الغربية التي فرضت التغيير بالقوة بتغطية ومساندة عربية تتزعمها دول الخليح وعلى رأسهم قطر، مستهدفين جعل ليبيا بؤرة للإرهاب ليقض مضجع المنطقة وتحديداً كل من مصر والجزائر الدول التي يمثل تطورها والتغييرات الثورية فيها خطراً استراتيجياً على مصالح الولايات المتحدة وأوروبا.
تشهد المدن الليبية أعنف موجات الاقتتال حتى الآن، منذ إعلان عملية «ليبيا الكرامة» بقيادة اللواء حفتر، حيث تشهد بنغازي معارك بين أنصار حفتر وقوات «أنصار الشريعة»، في حين شهدت العاصمة طرابلس حرباً بين قوات من الجيش الليبي التي أعلنت انضمامها إلى قوات حفتر، وفصائل متحالفة من مقاتلي «ثوار ليبيا» منذ الثالث عشر من تموز الجاري، وقد تميزت هذه المعارك باستخدام نوعي للأسلحة بين الأطراف المتقاتلة.
أفاد تقرير لقناة «روسيا اليوم» بالتالي: «تنظر ليبيا حالياً في احتمال نشر قوة دولية لإعادة الأمن وسط العنف الملتهب في العاصمة طرابلس التي شهدت تساقط عشرات الصواريخ على مطارها الدولي، مما أدى لتدمير معظم الطائرات المدنية المتواجدة فيه. هذا وقد صرح الناطق باسم الحكومة الليبية، أحمد أمين، بأن الحكومة بدأت تفكر في إمكانية تقديم طلب لنشر قوات دولية على أراضيها، لاسترجاع الاستقرار والأمن ومساعدتها في فرض سلطتها».
منذ إعلان تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي مقاليد السلطة في مصر، بعد الإطاحة بالورقة الأمريكية المحروقة في مهدها لمرة واحدة وإلى الأبد، وهنا الحديث عن الإخوان المسلمين, تضاءل الدور الأوروبي في ليبيا، مع صعود واضح للدور الأمريكي.
في 25 الشهر الحالي، جرت الانتخابات الليبية الثانية بعد اجتياح «الناتو» للعراق، بنسبة مشاركة شكلت أقل من ثلث الناخبين المسجلين، حسبما أعلن مجلس المفوضية العليا للانتخابات، مثيراً بذلك تساؤلات عديدة حول منطق هذه الانتخابات.
منذ 2011، لم تشهد الأزمة في ليبيا توافقاً، كالذي يجري اليوم على مستوى «المجلس الوطني»، بالرغم من انطلاق العملية العسكرية «ليبيا الكرامة»، بقيادة خليفة حفتر، حيث جرت تسوية الأزمة السياسية داخل «المؤتمر الوطني» بقرار المجلس القضائي.
يبدو ما يحدث في ليبيا الآن، وكأنه ينطلق من إعلان حفتر تطهير ليبيا من الإرهاب والتكفير، غير أنه لا يمكن لحدثٍ ما أن يكون ابن أوانه، فكل الأحداث لها بعدها التاريخي. والبحث في الملف الليبي سيبدأ من نقطة انعطاف أكثر دقة من لحظة الإعلان عن حفتر وإعلانه.
يقود مجموعة من الفصائل المسلحة، وتدين أخرى بالولاء له، متعهداً بتطهير ليبيا من «الإخوان المسلمين» والفصائل الإسلامية المتشددة، اللواء المتقاعد، خليفة بالقاسم حفتر، أعلن أنه ليس في صدد انقلابٍ عسكري، بل أنه يعبر عن إرادة الليبيين في وقف فوضى السلاح والفصائل المتصارعة.
في كل الحروب التي شنتها الإمبريالية بهدف التوسع والتقليل من حدة أزماتها، كانت حجة «التغيير الديمقراطي» حاضرة، معتمدة في ذلك على الثغرات الموجودة في بنية بعض أنظمة الحكم حول العالم.