ما الذي يحدث في كواليس «هيئة التفاوض السورية»؟
سعد صائب سعد صائب

ما الذي يحدث في كواليس «هيئة التفاوض السورية»؟

شهد الأسبوع الفائت شيئاً من الضجة الإعلامية حول اجتماع للمستقلِّين جرى عقده في الرياض يومي 27-28 من الشهر الجاري، وجرى على أساسه اختيار ثمانية أشخاص يحلّون محل مُكوّن «المستقلين» الذي كان موجوداً ضمن هيئة التفاوض، والذي كان امتداداً لمجموعة الائتلاف.

بطبيعة الحال، فإنّ الاعتراض على الإجراء جاء من جهة الائتلاف، ومن أجزاء محددة ضمنه، وكذلك رئيس الهيئة المنتهية ولايته.
لن ندخل هنا في نقاش تفاصيل ما جرى ويجري بهذا الخصوص، فالتفاصيل بمعظمها يمكن الوصول إليها عبر الإعلام اليومي الذي يلاحق تطورات المسألة. الأكثر أهمية من تفاصيل الكواليس، هو جوهر ما يجري وأسبابه العميقة من وجهة نظر استحقاقات الحل السياسي المُلحَّة والعاجلة...

معارضة الباراشوت

يمكن القول إنّ أطواراً أساسية واضحة قد مرت بها تشكيلات الجزء غير الوطني من المعارضة السورية، وهذه الأطوار جاءت انعكاساً مباشراً للمخططات الأمريكية المتبدلة تجاه سورية، مرحلة بمرحلة، وعلى أساس اختلال التوازن الدولي.
أولى هذه المراحل، هي تلك التي ظهر فيها «المجلس الوطني» والذي كان مصمماً على شاكلة القسم من المعارضة العراقية التي كانت مهيئة للنزول بالباراشوت وعلى دبابة المحتل لاستلام السلطة قبيل وخلال عملية احتلال العراق.
لم تطل هذه المرحلة كثيراً، فمع ظهور الفيتو الروسي الصيني المكرر، ومن ثم بيان جنيف حزيران 2012، برزت الحاجة إلى تغيير الخطط؛ إذ لم يعد متاحاً، بحكم الموقف الروسي الصيني، أخذ سورية بالتدخل العسكري المباشر، فجرى الانتقال إلى محاولة أخذها عبر احتراب داخلي هائل مدعوم من الخارج، يصل بالنتيجة إلى ما يشبه النموذج الليبي وإنْ دون تدخل عسكري دولي مباشر.

معارضة «لعم» للتفاوض

في هذه المرحلة (2013)، جرى اختراع الائتلاف، الذي لا يختلف في جوهره عن المجلس الوطني. ولكن كان من الضرورة بمكان تقديم وجوه جديدة نسبياً إلى الواجهة. حافظت وجوه تلك المرحلة على الخطاب الخشبي نفسه مع تعديلات قليلة بينها القبول ببيان جنيف، ولكن بعد رفضه ردحاً من الزمن (ليس مصادفة أنه برزت- ضمن الائتلاف في تلك المرحلة- مجموعة سُميّت مجموعة الـ44 أصرَّت على رفض بيان جنيف ورفض الحوار والحل السياسي، وبينها رئيس الهيئة الحالي المنتهية ولايته نصر الحريري).
بدأ في هذه المرحلة التحضير للقاء جنيف 2014، وبات الموقف المعلن للائتلاف، هو نعم للتفاوض، ولكن مع طرح شروط مسبقة تمنع أية إمكانية لإجرائه، كالقول مثلاً برحيل النظام قبل أية مرحلة انتقالية (أي أن تقول أنك مع التفاوض مع الآخر على شروط استسلامه).

معارضة نعم للتفاوض نعم للاستنزاف

نهايات 2015، دخلت الأزمة السورية طوراً جديداً مع الدخول العسكري الروسي المباشر في محاربة الإرهاب، ومن ثم مع صدور القرار 2254 الذي أعاد تكريس بيان جنيف من جهة، ومن الجهة الأخرى فقد جاء تعبيراً عن التوازن الدولي الجديد الذي بدأ يتجاوز مرحلته الصفرية نحو غلبة تتعاظم بشكل يومي لمصلحة روسيا والصين في وجه الغرب المتراجع.
في هذه المرحلة، بات المطلوب أمريكياً هو استمرار الاستنزاف إلى أقصى حدود ممكنة، لعل وعسى يؤدي ذلك إلى انفراط عقد سورية، وانتشار داعش وشبيهاتها، بحيث تتحول سورية إلى برميل بارود يفجر المنطقة بأسرها، ويمنع بذلك تثبيت التوازن الدولي الجديد؛ فما دامت الحرب والفوضى قائمة، لا يمكن إعلان منتصر أو خاسر في الإطار الدولي.
هنا، كان لا بدَّ من تبديل جديد في وجوه المعارضة، فجاء على رأسها (من كان رفض بيان جنيف سابقاً) ليقول إنه موافق على بيان جنيف بل ومتمسك به في وجه 2254، ثم بعد ذلك متمسك بـ2254.
ولكن بالممارسة، ظهر أنّ هذا الصنف من المعارضة، والذي تركز في الائتلاف، ولقي دعماً أو تواطؤاً من كتل أخرى، ظهر أنه غير قادر على الاستمرار مع تقدم الحل السياسي الحقيقي؛ أي إن دوره كان فقط شغل مقعد المحاور لتعطيل الحوار ليس إلا. ظهر ذلك واضحاً في السلوك تجاه آستانا وتجاه سوتشي وتجاه اللجنة الدستورية، بل وفي كل مفصل صغير أو كبير من العملية السياسية.

مرحلة الحل

يمكن القول اليوم إننا دخلنا مرحلة الحل الحقيقي، أي التطبيق الحقيقي والكامل للقرار 2254، والذي يشكل عدَّواً مبيناً للمتشددين في النظام والمعارضة على حد سواء، عدو مبين مشترك يجعل المرء يتساءل أحياناً: هل هنالك تحالفات غير معلنة قد نشأت بين المتشددين في الطرفين بحكم التهديد الوجودي الذي يرونه في 2254؟!
أياً يكن الأمر، وأياً تكن التغييرات التي تجري حالياً في هياكل المعارضة، والتي لا يمكن الحكم بشكل نهائي بعد على نتائجها، فإنها محكومة بالتغيّر الموضوعي الجاري في موازين القوى، ومحكومة باستحقاقات الحل السياسي الذي لم يعد هنالك مهرب منه، ولم تعد هنالك إمكانية لتأجيله؛ ليس لأن التوازنات الدولية والإقليمية قد نضجت لتحقيقه فحسب، بل لأنّ التيار الفاشي الدولي ذي المركز الأمريكي، بات على وشك الوصول إلى إحدى نتيجتين، إما أن يتلقى ضربة قاصمة عبر إنهاء النيران المشتعلة في سورية والحفاظ على سيادتها ووحدتها عبر تغيير وطني جذري عميق وشامل، أو أن سورية نفسها ستذهب نحو المخاطر الأكثر اتساعاً والأشد ضراوة، وعلى رأسها الفشل الكامل للدولة كجهاز، وللدولة ككيان، أمام استفحال التوتر الاقتصادي الاجتماعي، وعجز البنى الفاسدة عن تقديم أي حل لأية مشكلة كانت، بما يسمح بانفجار جديد أشد وقعاً من كل ما سبق، وهذا ما لا مصلحة للشعب السوري فيه، وكذلك ليس في مصلحة ثلاثي آستانا، ولا في مصلحة الصين، ولا حتى في مصلحة الدول الأوروبية أو دول الخليج...
أمام هذه الاستحقاقات، فإنّ ذلك الصنف من المعارضة المصمِّم على قياسات التخريب، قد انتهت صلاحيته، وبات من غير الممكن استمراره بأي شكل من الأشكال، وبقدر ما يجري استئصاله وإضعافه عبر أية خطوة أو مؤتمر، بقدر ما يجري إضعاف متشددي الطرف المقابل وإسقاط ذرائعهم، وبالتالي نقترب من الحل أكثر، ونبتعد عن انفجار جديد وشيك...

معلومات إضافية

العدد رقم:
946
آخر تعديل على الثلاثاء, 31 كانون1/ديسمبر 2019 12:33