افتتاحية قاسيون 946:  عام جديد... دروس واستحقاقات

افتتاحية قاسيون 946: عام جديد... دروس واستحقاقات

دخلت سورية عام 2011 مفترق طرق تاريخي كبير. وعلى أعتاب الدخول في عام 2020 فهي تقف بالضبط في نهاية ذلك المفترق...

إنّ الأزمة التي بدأت داخلية، وكنتيجة لتراكم المشكلات عبر عقود؛ من فساد وجورٍ وحشي في توزيع الثروة، وقمعٍ وتدنٍ لمستوى الحريات السياسية، تحولت بحكم الأهمية الفريدة لسورية كمفتاح للشرق، إلى بؤرة لصراع دولي وإقليمي ضمن ظروف شديدة الفرادة أيضاً، لا تتعلق بانتقال العالم من الأحادية القطبية إلى تعدد الأقطاب كما يقال، بل وأكثر من ذلك بانتقال العالم بأسره نحو مرحلة ما بعد الهيمنة الغربية المستمرة منذ ما يقرب من خمسة قرون؛ انتقال عنوانه الأساس هو إنهاء كل أشكال العلاقات غير المتكافئة على المستوى الدولي، وعلى رأسها علاقات التبادل اللامتكافئ الاقتصادي.

إنّ درجة التدويل الهائلة للمسألة السورية، لعبت طوال سنوات، دور ستارٍ يتوارى وراءه المتشددون من الأطراف المختلفة، والذين يتشاركون في موقفهم العميق من مسألة توزيع الثروة الوطنية، من موقع الناهبين الذين يريدون الحفاظ على النهب إما لاحتكاره لجهة بعينها أو (في أسوأ الأحوال) لإعادة تحاصصه بين متشددين من الطرفين.

هذا الاصطفاف في مسألة توزيع الثروة لمصلحة الناهبين وضد المنهوبين، هو جوهر المسألة أولاً وأخيراً، وهو ما ينتج اصطفافاتهم الدولية، التي تصب في النهاية في طاحونة علاقات التبادل اللامتكافئ مع الغرب، أي علاقات التبعية بأشكالها المختلفة. وهذا الاصطفاف نفسه، هو ما ينتج موقف المتشددين الموحد عملياً من المسألة الديمقراطية، والذي يتلخص بضرورة تقليص دور الحركة الشعبية ودور المنهوبين عموماً في التدخل في الشأن العام والشأن السياسي، وإبقائهم مقموعين أو مجندين لخدمة طرف متشدد في وجه آخر.

إنّ الستار الذي يغطي غايات الفاسدين الكبار والمتشددين، قد انقشع عملياً مع الاختلال الهائل في موازين القوى الدولية ضد مصلحة الغرب، وضد المصلحة الأمريكية بشكل خاص.

ومع انقشاع هذا الستار، عادت إلى الواجهة المسائل الأكثر جوهرية؛ مسائل النموذج الاقتصادي وتوزيع الثروة الوطنية والأشكال السياسية والديمقراطية الموائمة.

إنّ التيار الدولي الفاشي، لا يزال يعول على إنهاء سورية، بل وعلى تفجيرها تفجيراً شاملاً تصل نيرانه إلى كل الإقليم، لعل وعسى ذلك يمنع القضاء النهائي على الأحادية القطبية، وعلى شعارها الأسمى: الدولار.

في هذا السياق، فإنّ مفترق الطرق التاريخي الذي تقف عليه سورية اليوم، هو بين طريقين، الأول هو انفجار شامل ينهي سورية ويفتتها، انفجار محمول على العجز الكامل للبنى السياسية القائمة في سورية عن حل أية مشكلة صغيرة أو كبيرة، بسبب التغلغل الهائل للفساد الكبير الذي لم يتوقف عند الجانب الاقتصادي بل أصبح شاملاً.
الطريق الثاني الذي لا بديل عنه، والذي سيسم العام القادم، هو الذهاب الفوري لتنفيذ استحقاق التغيير الجذري الشامل عبر استعادة الشعب السوري لسيادته على بلاده وعلى مصيره، أي عبر حل سياسي شامل وحقيقي، أي عبر التنفيذ الكامل للقرار 2254، ودون أي تأخير!

معلومات إضافية

العدد رقم:
946