افتتاحية قاسيون 940: الليرة السورية والحل السياسي

افتتاحية قاسيون 940: الليرة السورية والحل السياسي

يتواصل تدهور سعر صرف الليرة السورية أمام العملات الأجنبية، والذي وصل مستوىً غير مسبوق خلال الأسبوعين الماضيين متجاوزاً سقف 700 ليرة للدولار الواحد، وهو الأمر الذي ينعكس مزيداً من التدهور في الأحوال المعيشية للغالبية العظمى من السوريين (85% من السوريين يعيشون فقراً مطلقاً) لتتعمق المأساة السورية والجراح السورية بشكل كارثي مع ما يحمله ذلك من أخطار كبيرة على المستويات المختلفة.

مما لا شك فيه، أنّ هنالك أسباباً اقتصادية ومالية مباشرة، لانخفاض قيمة الليرة السورية؛ ويأتي على رأس هذه الأسباب ما يلي:

  • انخفاض الإنتاج الحقيقي إلى حدود 40% مما كان عليه قبل 2011.
  • تضاعف كتلة النقد السوري قرابة ثلاث مرات خلال السنوات من 2011-2018، وذلك وفق تقديرات لا يمكن تأكيدها ولا نفيها لأنّ الأرقام الحقيقية غير معلنة!
  • السياسة المتبعة في تمويل المستوردات، والتي تصب ثمارها مباشرة أرباحاً فلكية في جيوب المستوردين على حساب عامة الناس.
  •  عجز الميزان التجاري بين التصدير والاستيراد، والذي بات يشكل ما يصل إلى ربع الناتج المحلي الإجمالي.
  • عمليات تهريب الدولار المستمرة نحو الخارج، والتي تلعب بنوك داخل البلاد دوراً فيها (بوصفها فروعاً لبنوك خارجية).

إنّ الحساب الاقتصادي التقريبي لتأثير العوامل السابقة مجتمعة يمكن له أن يبرر نصف حجم التضخم الذي تعيشه الليرة فقط، أي إنّ تأثير هذه العوامل يبرر سعر صرف يصل إلى حدود 350 ليرة سورية للدولار الواحد، أما الفجوة الهائلة صوب 700 ليرة فإنّ (أسهل) تفسيراتها هو عامل المضاربة المتعلق بالطلب العالي على الدولار بوصفه بضاعة رابحة مقابل الليرة السورية.

إنّ الكلام العام عن المضاربة بوصفها عرضاً وطلباً بين عُملتين، يمكن له أن يكشف جانباً من الحقيقة، لكنه يغيب الجانب الأكثر أهمية فيها، وهو العامل السياسي لهذه العملية.

إذا كانت الليرة السورية قد فقدت 86% من قيمتها خلال الأعوام من 2011 إلى 2018، فإن تراجع القيمة هذا قد وصل خلال الأسابيع القليلة الماضية إلى حدود 93% من قيمتها عام 2010، أي إنّ تسارعاً كبيراً إضافياً قد ظهر في تهاوي قيمة الليرة لا يوجد ما يفسره ويبرره بشكل كامل، إذا استندنا فقط إلى مسائل العقوبات الاقتصادية أو التطورات الاقتصادية المالية بشكل عام خلال هذه الفترة القصيرة.

إنّ السبب العميق لهذا التراجع يتعلق بشكل مباشر بطبيعة الإيحاءات المتعلقة بالحل السياسي السوري وباللجنة الدستورية السورية؛ فالانفراج الذي كان مأمولاً مع انطلاق اللجنة الدستورية والذي كان من شأنه تعزيز قوة الليرة السورية، ظهر بالنتائج بشكل معاكس بسبب جملة التصريحات والإشارات التي أثارتها أطراف سياسية مختلفة حول هذه اللجنة، والتي قصدت منها تهميش هذه اللجنة وتقليل أهميتها بما يعني تقليل أهمية وفرص الحل السياسي ككل.

إنّ الارتباط بين قوة الليرة السورية- بين معيشة الشعب السوري- وبين انفتاح آفاق الحل السياسي، هو ارتباط عميق وشديد التأثير، والمعادلة باتت أكثر وضوحاً من أي وقت مضى: مع كل تأخير للحل أو إيحاء بالتأخير، فإنّ قوة الليرة ستضعف أكثر، والعكس بالعكس!

معلومات إضافية

العدد رقم:
940
آخر تعديل على الأحد, 17 تشرين2/نوفمبر 2019 20:04