ترامب- أردوغان... اتفاق التكاذب والانتصارات الخُلّبية
سعد صائب سعد صائب

ترامب- أردوغان... اتفاق التكاذب والانتصارات الخُلّبية

يتضمن البيان المشترك الأمريكي التركي الذي صدر عقب محادثات يوم الخميس الماضي 17 تشرين الأول، 13 بنداً تبدأ بتأكيد العلاقة بين الدولتين كعضوين في حلف الناتو وبتأكيد التزاماتهما المتبادلة، ثم تنتقل للتأكيد على الشراكة في محاربة داعش. ابتداء من البند السابع يبدأ الكلام عن «المنطقة الآمنة» وعن «نبع السلام»

في البند السابع يعرب الجانب التركي (عن التزامه بضمان سلامة ورفاهية سكان جميع المراكز السكانية في المنطقة الآمنة التي تسيطر عليها القوات التركية). في البند التاسع (اتفق الجانبان على أهمية استمرار إنشاء منطقة آمنة ووظيفتها «معالجة شواغل الأمن القومي لتركيا»، بما في ذلك إعادة جمع الأسلحة الثقيلة من وحدات حماية الشعب وتعطيل تحصيناتهم وجميع مواقع القتال الأخرى).
البندان 11 و12 ينصان على تعليق العدوان التركي لمدة 5 أيام، ريثما تتمكن قوات حماية الشعب من الانسحاب، على أن تتوقف «العملية» نهائياً في حال تم تنفيذ الانسحاب، وبالتوازي توقف واشنطن تنفيذ عقوباتها على تركيا الصادرة بتاريخ 14 من الجاري.

تصريحات بالجملة

إلى جانب البيان المشترك، عقد كل من مايك بنس نائب الرئيس الأمريكي، (والذي ترأس الوفد الأمريكي إلى أنقرة برفقة بومبيو وجيفري)، وجاويش أوغلو وزير الخارجية التركي، مؤتمرين صحفيين أطلقا خلالهما جملة تصريحات أوسع في مضامينها من البيان نفسه؛ بيَّن ما قاله بنس: «أجرينا اتصالات مع قوات سورية الديمقراطية لضمان انسحابها مسافة 20 ميلاً من الحدود»، وأهم ما قاله هو: «أمريكا لن يكون لها جنود على الأرض في سورية».
وبدوره، أكّد أوغلو على أنّ ما جرى الاتفاق عليه هو «تعليق العملية لخمسة أيام وليس إيقافها» على أنّ إيقافها سيتم في حال جرى الانسحاب المطلوب. وأضاف «سنتحدث مع الروس بعد دخول قوات النظام السوري إلى منبج وعين العرب» و«هدفنا إنشاء منطقة آمنة بطول 44 كم وبعمق 32 كم ونخطط لعودة مليوني لاجئ سوري إليها...»
في الجانب الآخر من العالم، كان ترامب قد احتفظ بالسبق الصحفي لنفسه، فأعلن قبل ظهور بنس وأوغلو على الإعلام، أنّ «أخباراً مفرحة قادمة من تركيا»، وتابع- على طريقته في وصف أي فعل أو أي شخص أو أي شيء بأنه «Great»- واصفاً الاتفاق بأنه عظيم، وواصفاً أردوغان بأنه عظيم وشجاع بعد أن كان خاطبه في رسالة باتت معلنة قبل يوم من ذلك بالقول (لا تكن أحمقاً)...

الموقف الروسي

الجانب الروسي الذي سيستقبل أردوغان يوم الثلاثاء القادم في سوتشي، لم يعلّق بشكل مباشر على «الاتفاق الأمريكي التركي» حيث اكتفى الكرملين بالقول «ننتظر التفاصيل من شركائنا الأتراك»، وذلك بالتوازي مع موقفين أطلقتهما الخارجية الروسية، الأول على لسان لافروف الذي قال «يجب خلق ظروف على الأرض تضمن سيادة سورية وأمن تركيا»، والثاني على لسان المتحدثة باسم الخارجية: «نحن على يقين بأن تحقيق الاستقرار والأمن على المدى الطويل والمستدام في هذه المنطقة من سورية، وفي البلاد، وفي المنطقة ككل، لا يمكن أن يتم إلا على أساس بسط سيادتها وسلامة أراضيها، أولاً وقبل كل شيء​​​. وهذا يعني في نهاية المطاف نقل السيطرة على جميع الأراضي السورية إلى الدولة السورية، بما في ذلك الحدود مع تركيا. وفي هذا الصدد، لا يمكننا إلا أن نرحب بتحقيق الاتفاقات الملائمة بين دمشق والأكراد».

انتصار ترامب

الفرحة العارمة التي طغت على تصريحات ترامب ليست تمثيلاً محضاً، وليست بغير أساس؛ فقد مشى الرجل خطوة كبيرة باتجاه تحقيق هدف عامٍ أعلنه منذ حملته الانتخابية: الانكفاء باتجاه الداخل والخروج من «الحروب اللامنتهية»، وهو الهدف الذي حاول تحقيقه في سورية نهاية العام الفائت بتغريدته الشهيرة حول الانسحاب من سورية، أو أنه على الأقل مهّد له في ذلك الوقت، والآن أعاد التأكيد عليه، وقد بدأ الانسحاب فعلاً، وإنْ كان من المبكر نسبياً الركون بشكل كامل إلى أنّ الانسحاب سيتم بشكل كامل فعلاً.
لا بد من التذكير هنا، بأنّ الانسحاب الأمريكي الجزئي من الحدود السورية التركية قد أعلن يوم السادس من الجاري، أي قبل انطلاق العدوان التركي بثلاثة أيام، وهذا الانسحاب بالذات لم يكن إلا تواطؤاً أمريكياً تركياً كلٌ لغاياته. ومع إعلان ترامب قراره في السادس من الجاري، بدأت حملة شرسة ضده في الداخل الأمريكي ربما هي الأقوى منذ تسلمه الرئاسة، ومع هذا «الاتفاق- الانتصار» يمكن القول إنه استطاع تمرير قراره باتجاه التنفيذ تحت ستار كثيف من المفرقعات النارية احتفالاً بإنجازه الـ«Great» الذي استطاع الوصول إليه عبر «الضغط والعقوبات التي فرضها على تركيا».
من جهة أخرى، فإنّ ترامب، بهذا الاتفاق، يحاول امتصاص بعض من آثار الخيانة الأمريكية لقوات سورية الديمقراطية وغدرها بهم، ليس حباً بهم، بل لإغلاق الباب في وجه الحجة الأقوى التي يتم الهجوم من خلالها على ترامب داخلياً، وربما أهم من ذلك، هو أنّ المثال «الجديد والمكرر» ولكن الفاقع والوقح، الذي تقدمه واشنطن بسلوكها هذا تجاه من تتحالف معه، سيحمل آثاراً كارثية على مجمل علاقاتها بحلفائها التقليديين وسيدفعهم للخروج من التبعية لها بسرعة أكبر.
وكمحصلة، يمكن القول إنّ ما جناه ترامب من الاتفاق هو انتصار جزئي في إطار الصراع الداخلي، مترافق مع خسارة إضافية للولايات المتحدة ككل في الساحة العالمية عموماً وفي سورية خصوصاً، التي بات الحديث عن حل أزمتها بعيداً عن الأمريكي ودون أي تأثير له، حديثاً واقعياً.

انتصار أردوغان

العدوان الذي استمر لتسعة أيام، بدأ بالحديث عن منطقة آمنة بطول 444 كم وبعمق 32 كم، وتحول بعد ذلك إلى حديث عن 44 ألف كم مربع، أي عن طول 140 كم بعمق 32 كم، ولم ينته عند حديث أوغلو يوم الخميس عن طول 44 كم وعمق 32 كم، الذي عاد للتغير على لسان أردوغان نفسه الذي عاد به إلى 440 كم، بالتوازي مع تصريحات أطلقها عن أنّ سيطرة الجيش السوري على الحدود هي أمر طبيعي فـ«هذه أرضهم»، والواضح أن البازار يمكن أن يؤول بعد زيارة أردوغان لبوتين بعد غد الثلاثاء إلى طول صفر وعمق صفر.
وإذا كان من «نصر» تركي يمكن الحديث عنه، فهو دفع قسد بعيداً عن الحدود ليحل محلها الجيش السوري، ولكن هذا «النصر» كان قابلاً للتحقيق دون إراقة نقطة دم واحدة، لو سار الأتراك ضمن الخط الذي رسمه الروس والقائل بحوار بين قسد والحكومة السورية من جهة، وتنسيق بين الحكومتين السورية والتركية من جهة أخرى برعاية روسية، وهما الأمران اللذان لا مفر منهما لاستكمال حل المسألة كما ينبغي لها أن تحل؛ أي عبر سيطرة كاملة للجيش السوري على كامل الأرض السورية بما في ذلك كامل الشمال السوري، بالتوازي مع المضي نحو العملية السياسية بشكل جدي عبر تكسير إرادة المعطلين من أي طرف كانوا.

انتصار السوريين

الانتصار الأهم الذي بدأ بالتحقق بشكل عملي، ليس كنتيجة للعدوان التركي، بل ربما العدوان نفسه لم يكن في جوهره أكثر من سيناريو لإخراج ذلك الانتصار، (وبغضّ النظر عن حقيقة النوايا والأهداف التركية)، هو الخروج الأمريكي النهائي من سورية، وهو الأمر الذي بدأ فعلياً والذي ينبغي العمل من أجل استكماله، وباستخدام الأداة الأهم: العملية السياسية وفق 2254.

معلومات إضافية

العدد رقم:
936
آخر تعديل على الإثنين, 28 تشرين1/أكتوير 2019 13:35