بين ارتهان الشوفينيّين ووطنية الأمميّن

بين ارتهان الشوفينيّين ووطنية الأمميّن

«الموقف الأممي يرفع الشعور الوطني إلى أعلى درجاته» – خالد بكداش.

ما أحوجنا اليوم إلى هذه البوصلة الأممية- الوطنية الأصيلة، حيث للشعوب خياراتها التي يستحثّها مزيجٌ من حسّها الطبقي العفوي وتجاربها الملموسة الصاقلة لوعيها، لمعرفة مَن هم أعداؤها، ومَن هم مستغلّوها، ومَن هم أصدقاؤها.
كذلك أثناء الهجمة الإمبريالية الشرسة على وطنه الصين، قال ماو تسي تونغ «هل يمكن للشيوعيّ، وهو أمميّ، أن يكون وطنياً في الوقت ذاته؟ إننا نرى أنّ ذلك أمرٌ ممكن، بل هو أمر واجب كذلك. إنّ مضمون الوطنية تحدِّدُه الظروف التاريخية. فثمّة (وطنية) المعتدين اليابانيين، و(وطنية) هتلر، وثمّة وطنيّتنا نحن»، وقال أيضاً: «إنّ اللينينية ترى أنّ الثورة العالمية لا يمكن أن تنتصر إلا إذا أيَّدت البروليتاريا في البلدان الرأسمالية نضالات التحرر التي تخوضها شعوب المستعمرات وشبه المستعمرات... وهذا هو السبيل الوحيد للإطاحة بالإمبريالية وتحرير أمتنا وشعبنا وتحرير سائر الأمم والشعوب في العالَم. تلك هي أمميتنا، هي الأممية التي نستعين بها في مكافحة القومية الضيقة والوطنية الضيقة».
إنّ ذلك النوع من القيادات «القومية الضيقة»، وعبر التاريخ عموماً، وفي منطقتنا أيضاً (سواء كانت عربية أو كردية أو تركية أو من أية قومية كانت) كما القيادات المتعصبة دينياً وطائفياً، ليست سوى أشكال ضمن هرمية منظومة سلطة رأس المال الإمبريالي، الذي رأسه هو الولايات المتحدة الأمريكية. لذلك فإن أوراق عباد الشمس الكاشفة لدرجة الوطنية الحقيقية والأممية الحقيقية ينبغي أن تقيس درجة الحزم في الموقف الفعلي بالممارسة (وليس اللفظي) لأية جهة في هذا العالَم، ضدّ الأمريكان والصهاينة ومن لفَّ لفّهم.
وبالخاص السوري، تتعرّى وتنكشف المواقف والنوايا حالما ننظر في التفاصيل المحدِّدة لمدى حقيقة أو زيف العداء للإمبريالية والصهيونية، ويتصدرّها النقاط التالية (مع ترابطها):
أولاً: الموقف العملي من الحلّ السياسي للأزمة ومدى الالتزام بتطبيقه الكامل: القرار 2254 ومقررات سوتشي وأستانا، وإلى أية درجة يتمّ تسهيل أو عرقلة بدء عمل اللجنة الدستورية، وهل يتم السعي بصدق لإيجاد طريقة ما للتدارك اللاحق للعَيب الذي حصل باستثناء مَن لم يمثَّلوا فيها من قوى يجب تمثيلها؟ ألا يتمّ التذرُّع المتبادل بمواقف ترتدي شكلاً «قومياً ضيِّقاً» متبادلاً، إنْ لم نقلْ وللأسف «شوفينيّاً» متبادلاً، لعرقلة بدء عمل اللجنة، أملاً بالهروب من الحل السياسي؟ فهلّا يسرع متخذو تلك الذرائع إلى تصحيح مواقفهم والتنازل عمّا هو ضَيّق من أجل الواسِع والجامع والموحِّد الشعبي الوطني الضامن الحقيقي ضدّ أي تقسيم وتفتيت؟
ثانياً: بالعامّ العالمي (وينطبق على السوري أيضاً) ما هو الموقف من روسيا الصاعدة؟ الذين بدلاً من الاستفادة من الارتفاع المتزايد للوزن العالمي المتزايد لروسيا والصين وقوى العالم الجديد، والبناء على تلك المساحات المصلحية المتقاطعة المشتركة بين شعبنا وبين هذه القوى، ما زالوا يصرّون على تصنيفها «إمبريالية» أي «عدوّة»، أو يساوون بينها وبين الإمبريالية الأمريكية- الغربية، الأمر الذي يصب أيضاً في تصنيفها «عدوّة» (ولا مجال هنا للخوض بالتفاصيل الاقتصادية- السياسية والجيوستراتيجية الأعمق، على أهميتها، والتي يمكن الرجوع إليها بدراسات وتحليلات قاسيون وحزب الإرادة الشعبية لهذه المسألة) – هؤلاء إما يرتكبون خطأ علمياً وسياسياً فادحاً حتى لو كانت نواياهم طيبة، (لأن الطريق إلى جهنم معبّدة بالنوايا الطيبة)، أو أنهم أتباعٌ، صراحةً أو مواربةً، للإمبريالية وسيكون من الطبيعي جداً، في حالة هذه الفئة الأخيرة، ومن مصلحتها، هذا الخلط الذي تُبنى عليه رهانات خطيرة ومواقف سياسية قاتلة تذهب ضحيتها مصالح الشعوب ودماؤها، كما أثبتت التجارب المريرة.
ثالثاً: ورقة عباد الشمس الاقتصادية- الاجتماعية، وعند أيّ سنتيمتر (من 0 إلى 10) من المسطرة العلمية لقياس درجة معاداة الإمبريالية والصهيونية يمكننا تصنيف الذين لا يزالون يُمعِنون في إدارة «اقتصاد الحرب» (كما في «السِّلم» منذ ما قبل 2011) لبلدنا الذي فيه منذ سنوات احتلالٌ أمريكي مباشر (والآن مع احتلال تركي مباشر) عبر مزيد من الارتباط بالمحتلّ وبعملته الدولار والتطبيق الأمين لنهجه وبرنامجه الاقتصادي الليبرالية الجديدة (اقتصاد السوق الاجتماعي الإمبريالي)؟!
وكخلاصة: ليس في بلدنا فقط، بل ويمكن القول بشكل عام إن هذه المرحلة التاريخية وما يليها تشهد سقوط «القومية الضيقة» (أو الشوفينية)، وجميع أشكال التعصب الأخرى، التي لم تؤدِّ، ولن تؤدّي سوى إلى مزيد من شق صفوف الشعوب وكادحيها وتفتيتهم على أسس اختلافات ثانوية وعلى حساب التناقض الأساس الطبقي، وتمظهره الوطني العام ضدّ الإمبرياليين وأحلافهم، وبالمقابل، تشهد هذه المرحلة التاريخية صعود الوطنية الحقيقية والأممية الحقيقية والتضامن بين الشعوب، والتي هي الأمل الوحيد للبشرية إلى خلاصها ذي الأفق الاشتراكي ثم الشيوعي. ويمكن لـ «اتحاد شعوب الشرق العظيم» من قزوين إلى المتوسط، الذي تزداد مؤشراته الجنينية، أن يكون خطوة انتقالية حاسمة نحو هذا الهدف.

معلومات إضافية

العدد رقم:
935
آخر تعديل على الإثنين, 14 تشرين1/أكتوير 2019 09:19